ما هذه التفاهات

هادي جلو مرعي

 

ليست العنصرية، وليس التمييز العرقي والطائفي صناعة عربية، أو هي ماركة مسجلة بإسم أمة من الأمم، فالعبودية وصلت الى حد فظيع منذ نشأة الإنسان، وبدأ تمييز الناس على أساس اللون والعرق والمذهب يأخذ مداه مع إتساع مساحة المعمورة، وحضور الناس وصراعهم من أجل البقاء أحيانا، ومن أجل تحصيل أسباب العيش أحيانا أخرى، وربما كانت من أسباب ذلك حب السلطة والنفوذ والغيرة والحسد، فجرى تمييز الأفراد والمجموعات البشرية ونفيهم وعزل آخرين وتهجير الكثير، وحتى إبادتهم وسلبهم ممتلكاتهم وحرمانهم من حقوقهم، وصارت بعض الحكومات تمنع الجنسية عن مواطنيها، وتهجر آخرين، وتمتاز عن فئات، وتثير الفتن مع سواها، وحدث مثل هذا مع بني إسرائيل عبر التاريخ كما في قصة نبي الله موسى مع فرعون بعد أن سامهم فرعون سوء

العذاب، وقتل منهم الكثير وإستعبدهم لعقود طويلة، وهم أخلاف قوم يعقوب الذين إنتقلوا من أرض كنعان الى مصر حين تولى يوسف بن يعقوب ولاية أمر المصريين، والطريف إن يوسف بدأ حياته في سوق للنخاسة، ثم ساد القوم بعد أن غدر به إخوته ظنا منهم إنه مميز عند أبيهم وأطاحوا به، ثم جعلوه في جب عميق.

عشنا تجربة مرة في عديد بلداننا العربية في آسيا وأفريقيا، ودفع المواطنون ثمنا باهظا جراء سياسات شوهاء قامت بها حكومات لم تراع حقوق الأقليات وجعلت الظلم حاسما في علاقتها مع شعوبها، وصار الناس يحكون عن علماء دين وسياسيين ومثقفين، إنهم من أصول تركية وفارسية، وربما أبعد من ذلك، ونال القسط الأكبر من تلك البدعة مواطنون برعوا في علوم شتى نهضت أمم بعلمهم في الأدب والدين والعلوم الطبيعية والطب والهندسة وحتى الفنون الموسيقية وأصناف الإبداع الإنساني، وبرغم كل ماقدموه يجئ البعض ليصمهم بالتبعية لهذا البلد أو ذاك وينفي عنهم إنهم عرب، ويعد ذلك كافيا لنفيهم أو تعييرهم أو جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، دون أن يقدم لنا الدليل على فضل العرب على سواهم. وإذا كان من فضل في علم أو دين فهو ليس قدحا بغير العرب، سوى إن هؤلاء فهموه بطريقتهم الشوهاء دون أن يحكموا عقلا، أو ضميرا، أودينا، أو وجدانا، ويروا في الإنسان عطاءه وروحه ودعوته الصالحة الى الخير، فهل بعد كل ماقدمه علماء وشعراء وساسة ومبدعون في فنون شتى لأمة العرب وللمسلمين وللإنسانية إن نقول عنهم، إنهم ليسوا عربا، ولابد من تمييزهم عن العرب الأصلاء؟

 مايقوله المشككون بولاء هؤلاء الأعلام وبدورهم الإنساني والمعرفي، وقد نهلوا من علمهم وفنهم وورعهم وعطائهم الكثير، لايعدو أن يكون لغوا فارغا، فهم كالمريض الذي شفاه طبيب من الجرب، ثم يشتمه ويعيره إنك أجنبي. يذكرني ذلك بشاب خطب فتاة كردية ثم تركها لأنه يعتقد إن الأكراد قوم من الجن، وبفتاة رفض أهلها تزويجها من زميل لها في الجامعة لأنه شيعي، وبشاب ضربه أهله ضربا مبرحا لأنه أحب فتاة شيعية ووووووو وبعشرات الحكايات عن جبن الإنسان وترديه في وهدة الإنحطاط حيث يميز بين الناس وهو واحد من الناس.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/آذار/2014 - 7/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م