فرنسا والمغرب.. خلاف دبلوماسي متصاعد يمهد لأزمة مفتوحة

 

شبكة النبأ: الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين فرنسا والمغرب، لاتزال تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، تلك الازمة اتت على خلفية قرار استدعاء رئيس المخابرات المغربية "عبد اللطيف حموش" من قبل السلطات القضائية الفرنسية خلال تواجده في باريس، للتحقيق في قضايا تورطه في ممارسة تعذيب وانتهاكات، وهو ما اثار غضب وسخط الرباط التي اعتبرت هذا التصرف خرق للقواعد والاصول الديبلوماسية المتعارف عليها دوليا، وسارعت الى اتخاذ بعض الخطوات والقرارات الخاصة ومنها ايقاف اتفاقية العمل القضائي بين البلدين، وإرجاء زيارة المبعوث الخاص للرئيس فرانسوا هولاند.

تلك القضية وبحسب بعض المراقبين وضعت العلاقات الفرنسية المغربية في امتحان صعب، خصوصا وانها قد تكون متصلة بقضية الصحراء الغربية المتنازع والتي لها مكانة حساسة في السياسة المغربية، هذا بالإضافة الى التصريحات المهينة وغير مقبولة التي نسبها الممثل الاسباني خافيير باردم الى السفير الفرنسي في واشنطن والتي اثارت غضب القصر الملكي، الذي اصبح يستشعر حدوث بعض التغيرات في الموقف الرسمي الفرنسي.

هذه الأزمة المفتوحة وفي حال تفاقمها يمكن ان تؤثر وبشكل سلبي على تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين في وقت تعاني فيه فرنسا و المغرب من ازمة اقتصادية خانقة، افتراض استبعده بعض الخبراء بسبب تشعب العلاقات والمصالح والوثيقة التي قد تدفعهم الى ايجاد حلول سريعة في سبيل تطويق الأزمة, لكنها في الوقت ذاته تثير الكثير من التساؤلات خصوصا وان البعض يشكك بوجود تدخلات من اطراف اخرى، تسعى الى تحويل خارطة المصالح في المنطقة من خلال تعميق الخلافات القائمة بين الطرفين بهدف الحصول على مكاسب خاصة.

وفي هذا الشأن فقد بادر فرنسوا هولاند الذي يواجه ازمة دبلوماسية مع حليفه المغربي، بعد شكاوى رفعت في فرنسا ضد مسؤول مغربي كبير، بالاتصال بالعاهل المغربي ليؤكد له "صداقة فرنسا الثابتة". واوضحت الرئاسة الفرنسية ان المكالمة الهاتفية بين الرئيس الفرنسي والملك محمد السادس كانت تهدف ل"تبديد سوء التفاهم"، وقد اعلنها الديوان الملكي.

وقالت الرئاسة الفرنسية ان فرنسوا هولاند اتصل بالملك هاتفيا "لتبديد كل سوء تفاهم وليؤكد للملك محمد السداس الصداقة الثابتة بين فرنسا والمغرب" كما اكد ارادته في "تعزيز الشراكة بين البلدين وان المكالمة جرت في اجواء من الثقة والتصميم على التأكيد مجددا على الصداقة بين فرنسا والمغرب". وافاد الديوان الملكي قبل ذلك ان "قائدي البلدين اتفقا على مواصلة الاتصالات خلال الايام المقبلة على مستوى الحكومتين، والعمل وفق روح العلاقات المتسمة بطابع التميز التي تربط بين المغرب وفرنسا".

واعربت الرباط عن غضبها اثر تقديم منظمة فرنسية غير حكومية شكويين ضد رئيس جهاز مكافحة التجسس المغربي عبد اللطيف حموشي بتهمة "التواطؤ في التعذيب". واشتد غضب المملكة خصوصا عندما توجه الشرطة الى منزل السفير المغربي في باريس لتبليغ حموشي الذي يقوم بزيارة الى باريس مع وزير الداخلية المغربي، باستدعائه من قبل قاضي التحقيق، آخذة بالخصوص على السلطات الفرنسية تجاهلها القنوات الدبلوماسية.

وحاولت وزارة الخارجية الفرنسية تهدئة الخواطر مشيرة الى "حادث مؤسف" واعدة ب"القاء الضوء كاملا" عليه. الا ان المغرب اعتبر ان هذه الخطوة غير كافية وقرر بشكل احادي الجانب "ارجاء" زيارة نيكولا هولوه "الموفد الخاص للرئيس الفرنسي لشؤون كوكب الأرض".

وتقدمت بالشكوى بتهمة "تواطؤ مع التعذيب" منظمة "العمل المسيحي لإلغاء التعذيب" (اكات) في حين رفض المغرب فورا التهم واستدعى السفير الفرنسي في الرباط. وانتقدت المنظمة بشدة رد فعل وزارة الخارجية على الغضب المغربي، وقالت في بيان "في ديموقراطية مثل فرنسا لا يحق اطلاقا للدبلوماسية ان تتدخل في عمل السلطة القضائية". وتقدمت بإحدى الشكوتين الناشطة نعامة اصفري التي تدافع عن حق الصحراء الغربية بالحكم الذاتي وحكم عليها عام 2013 بالسجن 30 عاما. واكدت انها ادلت باعترافات انتزعت منها تحت التعذيب. بحسب فرانس برس.

واعلن عن رفع شكوى ثالثة في فرنسا بتهمة "التعذيب" بحق مدير جهاز مكافحة التجسس المغربي من محامي الرياضي السابق زكرياء مومني الذي اعتقل 17 شهرا في المغرب بين 2010 و2012. وتستند الدعوى في فرنسا الى مبدأ "الصلاحية العالمية" التي تنص عليها الاتفاقية الدولية ضد التعذيب عندما يكون الشخص المستهدف متواجدا في فرنسا. ولم ترد السلطات المغربية على هذه الشكوى الاخيرة.

تصريحات جارحة ومهينة

في السياق ذاته احتجت الحكومة المغربية على تصريحات "جارحة ومهينة" بحق المملكة نسبت الى دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، وذلك في اوج الفتور الدبلوماسي الحاصل بين البلدين. والتصريحات التي اثارت الزوبعة الجديدة في العلاقات المغربية-الفرنسية نشرت في صحيفة لوموند ونسبت الى سفير فرنسا في الولايات المتحدة فرنسوا دولاتر، ولكن الخارجية الفرنسية نفت صحتها.

ونشرت لوموند مقابلة مع الممثل الاسباني خافيير بارديم، الذي اعد وثائقيا عن الصحراء الغربية -المستعمرة الاسبانية السابقة التي تخضع لادارة المغرب ويطالب انفصاليون فيها بالاستقلال- اكد فيها ان السفير الفرنسي قال له في العام 2011 ان المغرب يشبه "العشيقة التي نجامعها كل ليلة، رغم أننا لسنا بالضرورة مغرمين بها، لكننا ملزمون بالدفاع عنها".

وعلى الرغم من نفي الخارجية الفرنسية لصحة الكلام المنسوب الى السفير دولاتر، فان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي ندد في بيان، نشرته وكالة الانباء المغربية الرسمية بهذه "الكلمات الجارحة والعبارات المهينة" المنسوبة للسفير الفرنسي.

وقال الخلفي في بيانه ان الحكومة المغربية "اعربت عن استنكارها، بشدة، الكلمات الجارحة والعبارات المهينة، المنسوبة لسفير فرنسا بواشنطن"، معترا ان "مما يزيد من الطابع المشين وغير المقبول لهذه العبارات، أن حكومة المملكة المغربية تعمل دائما على تعزيز العلاقات الثنائية مع فرنسا، في إطار الصداقة المتينة، والاحترام المتبادل، والشراكة ذات النفع المشترك". وأضاف البيان ان الحكومة المغربية "لعلى ثقة تامة بقدرة فرنسا على معالجة ما خلفته هذه العبارات التي مست بكرامة جميع المغاربة". بحسب فرانس برس.

وتابع ان "فرنسا لقادرة، على اعتماد أنسب الوسائل، لرفع الحيف والضرر، الذي سببته هذه العبارات، دون الاقتصار على مجرد تكذيب للناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية دون أي رد فعل للدبلوماسي المعني بالأمر، سواء نسبت إليه عن طريق الخطأ، أو أنه صرح بها فعلا".

التعاون القضائي

من جانب اخر قالت وزارة العدل المغربية إن المغرب علق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي مع فرنسا. جاء هذا نتيجة خلاف دبلوماسي متصاعد مع باريس بسبب مزاعم بشأن انتهاكات لحقوق الانسان. وكانت الرباط قد استدعت السفير الفرنسي إلى مقر وزارة الخارجية للاحتجاج على توجه الشرطة الفرنسية إلى السفارة المغربية في باريس في محاولة لاستجواب رئيس المخابرات المغربية بشأن مزاعم تتهمه بممارسة التعذيب بعد دعاوى قضائية أقامها ضده في فرنسا نشطاء مغاربة.

وقالت وزارة العدل المغربية في بيان انه نظرا لأرسال الشرطة الفرنسية ومعها أمر قضائي خاص بمسؤول مغربي في مقر السفير بطريقة استفزازية تقرر تعليق كل اتفاقات التعاون القضائي بين البلدين الى حين اجراء مراجعة. وحاول وزير الخارجية الفرنسي انهاء الخلاف في وقت سابق. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بعد ان تحدث مع وزير الخارجية المغربي "حدث توتر ما في الايام القليلة الماضية. أجرينا ايضاحات مفيدة وأسفنا على الحوادث التي يمكن ان تكون وقعت وتأسفنا على الاتجاه الذ أخذته الامور. آمل ان يكون كل هذا من الماضي اذا لم يكن هذا قد حدث بالفعل."

وفي عام 2012 قالت الامم المتحدة ان هناك تعذيبا ممنهجا لافراد يشتبه انهم ارتكبوا جرائم ضد الامن القومي في المغرب وحثت على انهاء سوء المعاملة في السجون ومراكز احتجاز الشرطة. ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش المغرب الى التحقيق في اتهامات الشرطة بتعذيب نشطاء مدافعين عن الديمقراطية لانتزاع اعترافاتهم قسرا. بحسب رويترز.

وطالب المغرب فرنسا "بشدة ان يتم تقديم توضيحات عاجلة ودقيقة لهذا المسعى غير المقبول وان تحدد المسؤوليات" عنه. وعبرت السفارة المغربية في باريس عن "استغرابها ازاء عبثية هذه القضية على مستوى الاجراءات التي اتبعت وعلى مستوى الحالات القضائية التي ذكرت على حد سواء".

وقالت في بيان ان "انتهاك القواعد والنظم الدبلوماسية الكونية وعدم احترام الاتفاقيات بين البلدين يثير العديد من علامات الاستفهام بشان الدوافع الحقيقية لهذه القضية ومدبريها الحقيقيين". وتابعت ان "الوجود القوي للشرطة جاء بما يثير الاستغراب بينما كان وزير داخلية المغرب يعقد اجتماعا في مقر السفير مع عدد من الصحافيين". وعبرت عن استيائها من "هذه الخطوة غير المسبوقة في اجراءات التعاون القضائي السارية بين المغرب وفرنسا والمطبقة عادة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/آذار/2014 - 6/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م