القرار السعودي بوضع "جماعات الإخوان المسلمين" على لائحة الإرهاب،
لن تقف تداعياته عند حدود المملكة أو دول مجلس التعاون الخليجي فحسب،
ستكون له "ارتدادات" أبعد مدى، وقد تصل تأثيراتها إلى دول المشرق وشمال
أفريقيا العربية كذلك... سيشجع هذا القرار، فرقاء محليين على رفع الصوت
بالمطالبة بإقصاء الجماعات المحلية عن السلطة، أو أقله إبعادها عن
الحقائب السيادية في حكومات بلدانها، وقد يذهب البعض إلى ما هو أبعد من
ذلك، بالدعوة للاقتداء بالقرار السعودي، وفعل الشيء ذاته حيال الجماعات
الإخوانية المحلية.
مصر، أكثر من غيرها، هي السبب الرئيس وراء القرار السعودي، المدعوم
بحماس من قبل دولة الإمارات، وقد يلقى دعماً من دول خليجية أخرى... فلا
نفوذ حقيقياً للإخوان المسلمين، لا في السعودية ولا في الإمارات، ولا
في معظم دول الخليج، يبرر هذه الحملة الشرسة عليها... السعودية اتخذت
القرار، وستعمل على ترسميه خليجياً وعربياً، إنقاذاً لمشروعها في مصر،
وفي مصر تدعم المملكة العهد الجديد، وتلتزم دعم المشير/الرئيس عبد
الفتاح السيسي، وليس صدفة أن يتزامن صدور اللائحة السعودية للإرهاب مع
انتشار أخبار و"تسريبات" تتحدث عن توجه سعودي لضم مصر بصورة من الصور،
إلى عضوية نادي دول مجلس التعاون، وهو أمر، لا نأخذه بكثير من الشك
والتحفظ.
إنها حقاً واحدة من مفارقات التاريخ وسخرياته... فالعلاقة بين
المملكة الغنية وجماعة الإخوان، توطدت تاريخياً على خلفية الصراع
السعودي – المصري، زمن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي دشن في
منتصف خمسينيات القرن الفائت، أوسع حملة مطاردة للجماعة المصرية، فما
كان من المملكة إلا أن فتحت أبوابها لفلول الإخوان والمطاردين منهم،
فاحتلوا مقاعدهم في الوعظ والإرشاد والجامعات والمدارس، وتسللوا إلى
جهاز التربية والتعليم، ولم تكن كثير من دول الخليج، بمنأى عن سياسية
الاحتضان السعودية للجماعة الإخوانية.
اليوم، تدشن المملكة العربية السعودية، أوسع حملات "الشيطنة"
والمطاردة لجماعة الإخوان ليس على أرضها فحسب، بل وفي مختلف الأصقاع
والأمصار، والسبب الرئيس هذه المرة، هو الانتصار للعهد المصري الجديد،
والذي للمفارقة، يسعى كثيرون في مصر، لإقامة الشبه والتماثل بينه وبين
عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وهذا أمرٌ آخر، نأخذه بكثير من
الشك والتحفظ كذلك.
قبل السعودية، كانت سوريا، قد وضعت الجماعة على لائحة الإرهاب،
ووضعت قوانين تحكم بالإعدام على من تثبت عضويته في الجماعة... مصر
اليوم، لم تكتف بوضع "جماعتها" على قائمة الإرهاب، بل توسعت في ذلك،
لتضع حماس، او تقترب من وضعها على القائمة السوداء ذاته، وإلا ما معنى
حظر الحركة على الأرض المصرية، وتجريم من ينتمي إليها أو يمد لها يد
العون... الإمارات فعلت شيئاً شبيهاً بذلك، وإجراءاتها القضائية، فضلاً
عن خطابها السياسي والإعلامي، تذهب في الاتجاه نفسه، وفي ظني أن عدداً
من دول المنطقة وحكوماتها، ستحذو حذو السعودية، وإن بأشكال وصيغ مختلفة،
والتسريبات حول مشروع سعودي سيعرض على الجامعة العربية، لإدراج الجماعة
وغيرها من التنظيمات، على لائحة عربية "موحدة" للجماعات الإرهابية،
ليست بلا معنى أو هدف.
الجماعة في المقابل، ما زالت تراهن على نفوذها الجماهيري الوازن في
عدد من الدول والمجتمعات، حتى لا نقول فيها جميعها، أما على المستوى
الرسمي، فهي جزء من نظام الحكم في كل من المغرب وتونس وليبيا، وهي تحظى
بدعم من قطر التي لم تظهر أي تغيير في سياساتها الخارجية وفي احتضانها
للإخوان، فضلاً عن دعم تركيا المفتوح، والذي لا يبدو أنه سيتغير في
المدى المرئي على أقل تقدير... وهذه جميعها أوراق قوة، ما زالت تفعل
فعلها لصالح الجماعة، بيد أنها عرضة للاستهداف كما يبدو، إن لم يكن
بالضغط المباشر (المغرب-التعديل الوزاري الأخير)، أو التدخل المباشر
(محاولة الانقلاب في ليبيا مؤخراً).
هي إذن، موجة عداء عالية للجماعة بفروعها المختلفة، تملي التفكير
بأمرين اثنين: أولهما، عدم الانغماس أردنياً في هذه الموجة، فللأردن
سياقه السياسي والأمني والتاريخي الخاص، الذي يملي عليه البقاء بمنأى
عن تأثيرات هذه الموجة، مهما بلغت الضغوط والإغراءات... والثاني،
فلسطينياً، حيث يتعين على حماس والسلطة، تسريع مسار المصالحة، لتفادي
تعريض الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، شظايا القصف المنهجي، الثقيل
والمنظم، الذي تتعرض له الجماعة على جبهات عدة.
والأهم من كل هذا وذاك، تملي موجة الاستهداف العاتية، على الجماعة
ذاته، مسؤولية إجراء المراجعات الضرورية لخطابها وممارستها، وبصورة
تتخطى منطق "الانحناء التكتيكي أمام العاصفة"، إلى جوهر الخطاب السياسي
والفكري، الذي تكشف عن كل ما يمكن أن يثير عناصر القلق والشك والخشية
والتحسب، ما اكسب خصوم الجماعة قدرة استثنائية على حشد تيارات واسعة من
المعارضين لها، وبناء ائتلافات إقليمية واسعة، تقوم أساساً، حتى لا
نقول تقوم فقط، على هدف إسقاط الجماعة واستئصالها.
* مركز القدس للدراسات السياسية |