ما زالت أزمة الموازنة تتفاعل بشكل يؤكد وجود قطيعة كبيرة بين
السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فاعلان مجلس الوزراء تصويته
بالإجماع على صرف أموال الموازنة حتى وان لم يقرها البرلمان وقيامه
بتقديم طعن الى المحكمة الاتحادية تجاه تأخر إقرار الموازنة وخرق
البرلمان للدستور في تعطيل اقرار القوانين، وإجابة الاخير بان المشاكل
بين المركز والإقليم وخلافات الكتل السياسية هي وراء عدم إقرار
الموازنة الاتحادية...
كل ذلك يؤكد ان العلاقة القائمة بين السلطات تعاني خللا كبيرا في
التوازن ضمن آلية النظام البرلماني، وما خروج رئيس مجلس الوزراء نوري
المالكي في كلمته الأسبوعية الاخيرة وإعلانه المضي قدما في صرف أموال
الموازنة واتهامه الصريح لرئيس البرلمان اسامة النجيفي بعرقلة إقرارها
الا دليل واضح على ذلك.
ان تبادل الاتهامات بين رئيسي اكبر سلطتين في البلاد وعبر وسائل
الاعلام في الوقت الذي يقترب فيه موعد الانتخابات التشريعية، يشير الى
ان كل سلطة تعمل بمعزل عن الاخرى في ادارة ازمات البلاد.. وان كان الحل
في الانتخابات الذي رآه رئيس مجلس النواب في المؤتمر الذي عقده خصيصا
للرد على الاتهامات الموجهة اليه او الى البرلمان، فان هذا الحل لا
يأتي ابدا والخلاف على اشده بين السلطات لان الانتخابات تحتاج الى
اجواء من التفاهم والحوار والاستقرار ومن ثم البناء للتنافس الشريف عبر
صناديق الاقتراع.
وفي خضم هذه الازمة العاصفة تدور الاسئلة التالية:
لماذا تشتد الازمات كلما اقتربنا من اية انتخابات؟ وهل غاب التفاهم
ووسائل الحوار وقنوات الاتصال بين رؤساء السلطات حتى يظهروا بخلافاتهم
الى الشعب وعبر وسائل الاعلام؟ وهل يمثل كلا منهم نفسه ام مؤسسته ام
كتلته السياسية التي ينتمي اليها او يترأسها؟.
وان كان السؤال الاخير واضح المعالم بالنسبة لرئيس مجلس النواب لانه
الآمر الناهي في كتلة متحدون بمواقفها وتوجهاتها، فهو ليس كذلك بالنسبة
لرئيس الوزراء وكتلة التحالف الوطني التي ينتمي اليها والتي صرح احد
طرفاها، السيد عمار الحكيم رئيس كتلة المواطن وبهاء الاعرجي ممثلا عن
التيار الصدري بتحفظهما ورفضهما قرار صرف اموال الموازنة دون الرجوع
الى البرلمان.
فالموازنة كأزمة; لها ظهور دائم في الانظمة البرلمانية والرئاسية
على حد سواء، فاوكرانيا ذات النظام النصف رئاسي مثلا; قبيل ازمتها
الاخيرة; شهدت شجارات عنيفة بالايدي بين نوابها داخل قبة البرلمان بسبب
مناقشة الموازنة والانفاق العام. والولايات المتحدة ذات النظام الرئاسي
تعطلت الدولة والمؤسسات فيها لاكثر من اسبوعين بسبب تعنت الكونغرس
ورفضه اطلاق تخصيصات الموازنة.. اذن الموازنة لم تكن يوما سببا في
تعطيل آليات الانظمة السياسية رئاسية كانت ام برلمانية، ان تحلى طرفي
الازمة بضبط النفس والهدوء وركنوا الى الحوار الديمقراطي المستند الى
الدستور والقانون.
ولكن على ما يبدو ان الحكومة اليوم لا تعمل بمعزل عن البرلمان الذي
منحها الثقة فقط; بل حتى عن الكتل السياسية التي شكلتها، فهل حان وقت
الركون الى الحوار والعمل بين الشركاء على ازالة اسباب انقطاعه ودوام
تواصله ليس فقط في ازمة الموازنة بل في كل الازمات؟ وهل نحن على
استعداد للتجاوب مع التحديات التي تحيط بنا داخلية ام اقليمية وخارجية؟
وهل نملك روح المبادرة للتقرب لا الابتعاد عن الشركاء الآخرين؟ ام ان
نروح التنافس والصراع اسقطت فروض التوافق والشراكة التي بنيت عليها
العملية السياسية؟.
كل هذه الاسئلة وغيرها الكثير والكثير مما يؤشر على الممارسة
السياسية في عهد الديمقراطية، فهل سنكون ديمقراطيين ونتحلى بالروح
الرياضية في ممارسة السلطة وفي التخلي عنها.. ام ان الحكومة ستكمل
عقوقها للبرلمان لتتحول من حكومة تصريف اعمال; وهو ما يفترض بها ان
تكون قبل الانتخابات; الى حكومة كاملة الصلاحيات بعيدة كل البعد عن اية
رقابة وبميزانية تعد الاكبر في تأريخ العراق. |