هدنة طالبان... استراحة ارهابي أم إعادة حسابات؟

 

شبكة النبأ: طالبان التي تسعى الى إقامة ما يسمى بـ "دولة الخلافة الإسلامية"، عن طريق العنف والقتل واستهداف المدنيين من الأقليات والأديان الاخرى، شأنها في ذلك، شأن الحركات الإسلامية المتطرفة، التي تحاول تفسير الشريعة الإسلامية بطريقة متشددة للغاية.

في باكستان كما في أفغانستان، تمارس التهديد والاغتيال والتفجير في كل مكان، وقد حاولت السلطات بمساعدات من أطراف أخرى الجلوس الى طاولة الحوار في أكثر من مرة، كانت تعرقل وتنتهي بالفشل في اللحظات الأخيرة، ويتصاعد على أثرها العنف ويشتد القتال بين الطرفين.

في الآونة الأخيرة انتعشت الآمال من جديد، بحسب مراقبون، بوجود فرصة جديدة لإحلال السلام، على الأقل مع طالبان التي تعد من أكبر الفصائل الجهادية المتطرفة في البلدين، ووقف إطلاق النار، ويبدو ان طرفي النزاع اللذان أنهكهما القتال وكبدهما خسائر بشرية ومادية كبيرة، أدركا انهما بحاجة الى هدنه لإعادة حساب المواقف، والتي من الممكن ان تكون بداية لحوار سياسي او مصالحة وطنية واسعة النطاق، من دون ان يغيب عن الموقف انها قد تكون استراحة لاستعادة الانفاس قبل ان تنطلق الصراعات وتتعقد المسائل من جديد.

فقد اعلنت حركة طالبان باكستان موافقتها على وقف لإطلاق النار لمدة شهر، ما اعاد الامل باستئناف مفاوضات السلام مع الحكومة الباكستانية توصلا الى حل سلمي يوقف سبعة اعوام من التمرد المسلح، وكان رئيس الحكومة نواز شريف اعاد في كانون الثاني/يناير الماضي اطلاق عملية السلام مع المتمردين من حركة طالبان باكستان التي تضم فصائل اسلامية مسلحة مسؤولة عن مئات الاعتداءات الدامية منذ انشائها العام 2007.

وكان الطرفان باشرا مطلع شباط/فبراير محادثات رسمية لم توقف المواجهات العسكرية على الارض لأنه لم يتم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، وعندما قام فصيل مسلح تابع لطالبان بإعدام 23 عنصرا من الميليشيات التابعة للحكومة، علقت السلطات الباكستانية الحوار، ومنذ تعليق هذا الحوار كثف الجيش غاراته الجوية على معاقل طالبان في شمال غرب البلاد على مقربة من الحدود مع افغانستان ما ادى الى مقتل نحو مئة عنصر من طالبان واجبار مئات العائلات على النزوح.

واعتبر محللون ان الهدف من هذه الغارات زيادة الضغط على المتمردين من طالبان لتحسين الموقع التفاوضي الحكومي، وبشكل مفاجئ اعلنت طالبان وقفا لإطلاق النار من دون شروط الامر الذي كانت ترفضه حتى الان، وقال المتحدث الرسمي باسم طالبان باكستان شهيد الله شهيد "نعلن وقفا لإطلاق النار يستمر شهرا وندعو جميع رفاقنا الى احترام هذا القرار، خلال هذه الفترة".

واضاف "نظرا للموقف الايجابي من الحكومة، ونداء من علماء الدين ومن اجل مستقبل افضل لباكستان، قررنا عدم شن اي نشاط (هجمات) لمدة شهر"، ويفتح هذا الموقف الباب امام استئناف الحوار مع الحكومة والاستفادة من وقف لإطلاق النار لشهر.

وعلق امتياز غول مدير مركز الابحاث حول المسائل الامنية في اسلام آباد على هذا الموقف لطالبان بالقول "يبدو ان طالبان اجبرت على اعلان وقف لإطلاق النار اثر الغارات الجوية على معاقلها التي اوقعت في صفوفها خسائر جسيمة"، مضيفا ان طالبان "تعتبر وقف اطلاق النار افضل من مواصلة الجيش لهجماته".

كما قال رستم شاه محمد العضو في فريق التفاوض الحكومي ان "وقف اطلاق النار خبر سعيد"، واضاف "اننا نرى اليوم الضوء في نهاية النفق وقد يساعد وقف اطلاق النار على استئناف الحوار"، داعيا السلطات الباكستانية الى اعلان الالتزام ايضا بوقف لإطلاق النار "لبناء الثقة" بين الطرفين، الا ان محللين اخرين يتساءلون عن الجدوى من التزام الحكومة بوقف لإطلاق النار قد تستفيد منه طالبان لالتقاط انفاسها بعد الغارات العنيفة على مواقعها.

ويبدو ان دعوة طالبان للالتزام بوقف لإطلاق النار لم تؤثر على بعض الفصائل الاسلامية المسلحة التي تعمل في شمال غرب البلاد، فقد قتل 12 شخصا على الاقل، بينهم 11 عنصرا من الميليشيات الموالية للحكومة وطفل، في انفجار قنابل يدوية الصنع لدى مرور فريق يقوم بالتلقيح ضد شلل الاطفال في منطقة خيبر القبائلية التي تعتبر معقلا لطالبان قرب الحدود مع افغانستان. بحسب فرانس برس.

ومنذ سنة ونصف السنة تقريبا، قتل اكثر من اربعين شخصا غالبيتهم من المشاركين في حملات التلقيح او عناصر في القوى الامنية المرافقة لهم، وتعتبر باكستان واحدة من ثلاث دول لا تزال تعاني من شلل الأطفال، وادت العمليات العسكرية الى عرقلة عمل المشاركين في هذه الحملة، كما ان سكان بعض المناطق المحافظة يخشون التلقيح ويعتقدون انه قد يسبب العقم، او يتهمون العاملين في هذا المجال بالتجسس لحساب الغرب.

فيما قالت مصادر مطلعة ان وفدا من المجلس الاعلى للسلام في افغانستان توجه الى دبي للقاء شخصيات سابقة وحالية في حركة طالبان املا في وضع الاساس لمحادثات سلام لإنهاء الصراع الذي تعيشه البلاد منذ فترة طويلة، واكد مسؤولون من المجلس الاعلى للسلام والحكومة الافغانية ان مسؤولين بقيادة محمد معصوم ستانيكزاي وهو مساعد كبير للرئيس حامد كرزاي توجهوا الى الامارات العربية المتحدة.

وقال المسؤولون الذين طلبوا عدم نشر اسمائهم ان الوفد يعتزم الاجتماع مع مجموعة من شخصيات طالبان بقيادة آغا جان معتصم الذي كان وزيرا للمالية في حكومة طالبان بين 1996 و2001، واضاف المسؤولون ان الزيارة تأتي في اعقاب اجتماع عقده معتصم في دبي في الآونة الاخيرة وقال مسؤولون أفغان انه ضم 16 من الشخصيات الكبيرة السابقة والحالية في طالبان بينهم ستة وزراء سابقون من طالبان وستة رجال يقال انهم قادة حاليون بالحركة.

وعقب اللقاء قال معتصم في بيان ان المشاركين "اكدوا جميعا على (ضرورة إجراء) نقاش بين جميع الافغان وعلى الحاجة لإيجاد حل سلمي"، وكان معتصم في وقت من الاوقات شخصية قوية في اللجنة السياسية لطالبان لكن صلاته بالحركة الان غير واضحة، واضاف المسؤولون انه في حين توجه وفد مجلس السلام الى دبي لان شخصيات طالبان ابدت استعدادها للقاء ممثلين عن الحكومة الافغانية - وهي خطوة غير مألوفة بالنسبة لأي من اعضاء طالبان- فإنه لم يتضح ما اذا كان كل المشاركين سيسيرون على نفس النهج.

واذا عقد وفد مجلس السلام محادثات بالفعل مع شخصيات طالبان فقد يمثل هذا خطوة للأمام في جهود حكومة كرزاي لإجراء حوار مع اعضاء مهمين في حركة تشن هجمات عنيفة منذ اكثر من 12 عاما، وسيكون ايضا انجازا شخصيا لكرزاي الذي يشعر بالاستياء منذ فترة طويلة من عدم استعداد قيادة طالبان لإجراء محادثات الا مع المسؤولين الغربيين والعرب بينما يستعد لترك منصبه بعد انتخابات ابريل نيسان، ويعتقد ان مقر قيادة طالبان موجود في باكستان وعلى رأسها الملا محمد عمر.

وعلى مدى سنوات رفضت قيادة طالبان المنعزلة التفاوض مباشرة مع حكومة كرزاي الذي تقول طالبان انه زعيم غير شرعي، وعقدت حكومة كرزاي محادثات غير رسمية مع شخصيات من طالبان منذ 2001 لكنها جددت فيما يبدو مسعاها لإقامة حوار حقيقي مع ممثلين رئيسيين من الحركة في الشهور الاخيرة.

وقال مسؤولون افغان انهم التقوا في وقت سابق من العام بممثلين لفصيل الملا عمر في طالبان الذين يتخذون من قطر قاعدة لهم، لكن هذه المحادثات لم تفتح فيما يبدو مسارا للتفاوض ونفى متحدث باسم طالبان عقد هذه المحادثات.

وقالت الحكومة في بيان "رحب مجلس الأمن الوطني برئاسة حامد كرزاي ببيان (معتصم) وقال انه يدعم جهود ايجاد حل سلمي للازمة الحالية"، ولم يتضح بعد ما اذا كان الاستعداد الذي يبديه معتصم او شخصيات طالبان الاخرى في دبي للقاء اعضاء من المجلس الاعلى للسلام الذي شكل لدعم نهاية سياسية مأمولة للحرب يعبر عن انفتاح جديد من جانب قيادة الحركة في باكستان.

ويقيم معتصم في تركيا منذ أصيب بالرصاص في ظروف غامضة في كراتشي بباكستان قبل عدة اعوام اما مسألة ما اذا كان لايزال عضوا في الحركة فهي محل شك، وقالت الحكومة الافغانية إن عبد الرقيب الوزير السابق لشؤون اللاجئين من حركة طالبان الذي شارك في اجتماع معتصم الاخير قتل في مدينة بيشاور الباكستانية قرب الحدود الأفغانية، وأكدت الشرطة في باكستان أن الوزير السابق قتل في بيشاور لأسباب غير معلومة.

وقال ايمال فيظي المتحدث باسم كرزاي "ندين بشدة قتل وزير طالبان في بيشاور، دعم نجاح عملية السلام مع المجلس الأعلى للسلام"، وقال مسؤول حكومي "متى يظهر قادة طالبان استعدادا للحديث مع الجانب الافغاني يستهدفون ويقتلون"، لكن حركة طالبان ايضا نددت بمقتل الوزير السابق.

وقال المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد في بيان "علمنا بكثير من الحزن ان وزير شؤون اللاجئين السابق عبد الرقيب استشهد على ايدي العدو الماكر"، وأضاف "تدين الإمارة الإسلامية بقوة هذا التصرف الخسيس" مستخدما الاسم الذي كانت تستعمله طالبان حين كانت في السلطة، ولم تتضح الجهة التي تعتقد طالبان أنها وراء الهجوم.

وتسعى ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما منذ سنوات لإقامة عملية سلام بين الاطراف الافغانية وعقد مسؤولون امريكيون محادثات اولية مع ممثل للملا عمر لمناقشة تبادل محتمل للسجناء يمكن ان يقود الى محادثات سياسية في نهاية المطاف لكن هذه المحادثات متوقفة منذ الصيف الماضي.

شروط صعبة

الى ذلك طالبت حركة طالبان الباكستانية بالافراج عن معتقليها وسحب القوات المسلحة من معاقلها في المناطق القبلية من اجل المضي قدما في محادثات السلام مع حكومة اسلام اباد، وهذه الشروط تبدو غير واقعية بالنسبة للسلطات الباكستانية التي سبق ان رفضت السنة الماضية الرضوخ لمثل هذه المطالب من المتمردين الإسلاميين، وتأتي هذه المطالب فيما ادى هجوم انتحاري الى مقتل اربع نساء قرب بيشاور (شمال-غرب) وبعد لقاء عقد مؤخراً بين فريق مفاوضي طالبان، والقيادة المركزية لحركة طالبان الباكستانية، التجمع الذي يضم فصائل اسلامية مسلحة في وزيرستان الشمالية المنطقة القبلية الواقعة قرب الحدود الافغانية.

وعاد المفاوضون الى العاصمة اسلام اباد على متن مروحية تابعة للسلطات الباكستانية التي اثارت مفاجأة كبرى في نهاية كانون الثاني/يناير بإعلانها اطلاق عملية السلام مع طالبان بعد سلسلة هجمات دامية، وخلال هذا اللقاء ابلغ المتمردون مفاوضيهم بان انسحاب القوات المسلحة من المناطق القبلية والافراج عن الاف السجناء يشكل "اختبارا" للمضي قدما في محادثات السلام كما قال قيادي من طالبان طالبا عدم الكشف عن اسمه.

واكد هذا المسؤول "انها الجولة الاولى من المحادثات حاليا، وسيلتقي فريقنا المفاوض نظراءه من الحكومة لكي يبلغهم بمطالبنا، ثم سيعودون الينا مع رد" من السلطات، وقام مفاوضو طالبان ايضا بنقل المطالب التي عبرت عنها الحكومة الى المتمردين، وبينها وقف العنف خلال فترة المفاوضات وادراج المفاوضات ضمن اطار الدستور.

من جهته قال الملا سامي الحق كبير مفاوضي المتمردين "اخذنا ردا ايجابيا من طالبان (بخصوص المطالب)"، وقال "لا يمكنني ان اكشف التفاصيل، هذا الامر يصب في المصلحة الوطنية وادعو بالتالي الناس الى التحلي بالصبر، لدينا فرصة لوقف حمام الدم هذا" موضحا ان لقاء مع وسطاء الحكومة من المرتقب ان يعقد في الايام المقبلة، وعبر المتمردون ايضا عن مطالب اخرى بهدف الوصول الى اتفاق سلام في ختام المفاوضات مع السلطات.

ويطالب المتمردون ايضا بفرض الشريعة الاسلامية ووقف ضربات الطائرات الاميركية بدون طيار في معاقلهم في المناطق القبلية التي تستخدم قاعدة خلفية لحركة طالبان الافغانية لشن عمليات ضد قوات حلف شمال الاطلسي والقوات المحلية في افغانستان المجاورة، وفي كانون الثاني/يناير لم تشن واشنطن اية غارات في المناطق القبلية، للمرة الاولى منذ اكثر من سنتين بحسب مكتب الصحافة الاستقصائية، هيئة الابحاث البريطانية المستقلة، ما يمكن ان يشجع الحوار بين المتمردين والحكومة الباكستانية.

ومنذ تأسيس حركة طالبان الباكستانية في 2007 قتل اكثر من 6600 شخص في اعتداءات في باكستان، واسفر هجوم انتحاري جديد عن مقتل اربع نساء بالقرب من بيشاور، كبرى مدن شمال غرب البلاد، القريبة من افغانستان ما يثير المخاوف مجددا حول نتيجة المحادثات بين الحكومة والمتمردين.

وقال نجيب الرحمن المسؤول الكبير في الشرطة المحلية ان اشخاصا نازحين من جراء المعارك بين الجيش والمتمردين في المناطق القبلية كانوا يشاركون في جنازة حين شاهدوا ثلاثة اشخاص يشتبه في انهم انتحاريون يقتربون من المكان، واضاف ان المهاجمين لاذوا بالفرار "لكن احدهم دخل الى منزل وفجر نفسه" ما ادى الى مقتل اربع نساء واصابة ستة اشخاص بجروح، ولم تتبن اي جهة الهجوم.

ويساور متابعو الشأن الباكستاني الشك دائما في أن المفاوضات مع الجماعة المتشددة المحظورة يمكن أن تتمخض عن نتيجة في أي وقت من الأوقات في بلد تقاتل فيه طالبان للإطاحة بالحكومة وإقامة دولة إسلامية، ويبرز العنف المستمر ايضا عدم قدرة القيادة المركزية لطالبان التي وافقت على عقد المحادثات على السيطرة على المجموعات المتطرفة وفرض وقف مؤقت لإطلاق النار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/آذار/2014 - 5/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م