حُلم الزعامة الدكتاتوري.. من صدام الى أردوغان

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: كتب أحد الصحفيين الغربيين في كتاب له عن حرب الخليج الثانية، ودور بعض الدول الخليجية في إثارة الحروب والأزمات في المنطقة، أن وفداً خليجياً زار بغداد عام 1979، حيث كان صدام قد استولى لتوه على كرسي الحكم، وتحسس القوة والاقتدار مستنداً الى المستوى العال في الوضع السياسي والاقتصادي للعراق، فيما كانت إيران تواجه ظروفاً معقدة داخلياً وخارجياً بعد أن أرهقتها الثورة الجماهيرية وأنهكتها الصراعات الدامية بين الأجنحة السياسية بعد الانتصار على الشاه. فكان هنالك طرح جديد ولأول مرة من العواصم الخليجية "لعراق صدام"، وهو انتهاز الفرصة والدفاع عن حقوق "الأخوة العرب" في محافظة خوزستان جنوب ايران، ذات الأغلبية العربية، وكانت هذه الاثارة متوازية مع اثارات مماثلة لقضايا عرقية وقومية في إيران، مثل قضية "كردستان الإيرانية".

يذكر الصحفي الغربي، إن صداماً الذي كان مسنداً ظهره الى الكرسي وهو يستمع بهدوء – كعادته- الى هؤلاء المتحمسين، ففاجأهم بالسؤال: "ما الذي دفعكم لإثارة قضية ضاربة في القدم، وقد تقسمت على اساسها الحدود بيننا وبين ايران، ثم تنسون قضية الجزر الثلاثة التي استولى عليها الشاه عام 1973.."! طبعاً؛ ربما تضمنت المطالب الخليجية للزعيم "المتألق حديثاً" قضية الجزر الثلاث، بيد ان الرسالة وصلت سريعاً الى صدام، وعرف أن هنالك من يدعمه ويسانده في تحقيق حُلم التفوّق والزعامة في المنطقة. وبذلك كان هذا اللقاء وغيره أحد أهم عوامل اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية.

وبما أن حُلم الزعامة ذو أبعاد واسعة، فان التحريض والاثارة لن يكون كافياً لإضفاء المصداقية على هذا الحلم، إنما هناك عوامل أخرى مساعدة.. منها طبيعة الحكم الفردي او ديكتاتورية الحزب الواحد، ومنها ايضاً الخلفية النفسية للحاكم، فالذي لا يشعر بعقدة الحقارة والضعة مثل "صدام"، في حياته، وكان آخرها - في تلك الفترة طبعاً- خضوعه الكامل لشاه ايران واضطراره التوقيع على اتفاقية الجزائر لعام 1975، من الصعب على أحد اقناعه بخوض الحرب او المواجهة التي تكلف الدمار والدماء. ثم يأتي العامل التاريخي – الثقافي، كعامل آخر ومهم في هذا الإطار، وطالما لعبت الامجاد التاريخية بأدمغة بعض الحكام في بلادنا، فكانت عامل الشحن الأساس في مغامراتهم المدمرة.

وفي الوقت الحاضر، نجد تكرار تجربة أخرى مع بلد آخر مأسوفاً عليه – حقاً- وهو تركيا، التي بلغت في السنوات الاخيرة مراتب راقية من التقدم والنمو الاقتصادي، والمكانة السياسية في علاقاتها مع المحيط الآسيوي وايضاً مع المحيط الأوربي، فظهرت بمظهر المستغني عن الانضمام الى الاتحاد الأوربي، وارتفعت قيمة العملة المحلية الى مستويات غير مسبوقة، مشفوعة بقرار حذف الأصفار الطويلة لتأخذ "الليرة" هيبة جديدة وسط العملات الاخرى، لاسيما "الدولار". كل ذلك تحقق في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، السياسي المتألق والمنبثق الذي بدأ مشاوره في تحقيق النجاحات من صميم الواقع الاجتماعي والاقتصادي التركي، عندما كان رئيس بلدية اسطنبول في تسعينات القرن الماضي، ومُذذاك أثبت كفاءته الادارية، مما أكسبه شعبية كبيرة.

هذه المكاسب السياسية والاقتصادية، بدلاً من ان تكون مرقاةً لصعود تريكا الى مصاف الدول المتقدمة والمؤثرة، اصبحت وقوداً وحطباً لنار لا يمكن تصور عمقها وابعادها وامكانية إخمادها، وهذه من المفارقات العجيبة حقاً، فربما يتسائل المراقبين والمتابعين عن السبب في اندفاع أردوغان نحو المستنقع السوري، وسبب عدم قراءته التاريخ، وهل تصدق مقولة "موشيه دايان"، "أن العرب لا يقرأون" على الزعيم التركي ايضاً..؟!! فقد جاء تكرار خطأ أردوغان مع سوريا، مطابقاً تماماً لخطأ صدام مع ايران، والمواصفات هي: الدولة المستهدفة ضعيفة، سياسياً واقتصادياً، الى جانب هشاشة الوضع الداخلي والمطالبات بالتغيير، يُضاف اليه العامل التاريخي – الثقافي، وهي إعادة الأمجاد والهيمنة في المنطقة، فكما نفخ الخليجيون في صدام وصنعوا منه "القائد – الأمل للأمة العربية"، عادوا هذه المرة لينفخوا في أردوغان ويصنعوا منه "القائد – الأمل للأمة الاسلامية"! ليستيعد أمجاد الدولة العثمانية.

طبعاً؛ ثمة فارق بين التجربتين، فقد لاحظ المراقبين انتباه اردوغان الى المستوى الخطير في توغله بالدماء السورية وتورطه في مستنقع لا يمكن الخروج منه بسلام، فكان أن اتخذ اجراءات لتقليل ارتباطه بالأزمة والحرب في سوريا، ابرزها غلق بعض المنافذ الحدودية امام الجماعات الارهابية المتصارعة، والتقليل من اللهجة الهجومية أزاء النظام الحاكم في دمشق، بيد ان الانسحاب الكامل يبدو مستحيلاً في الوقت الحاضر، فمدينة اسطنبول تعشعش فيها قوى المعارضة السياسية السورية، بل وفيها مقر "الائتلاف السوري المعارض"، كما من الصعب بمكان تخلّي الاستخبارات العسكرية التركية عن رعاية الذراع العسكري للمعارضة المعروف بـ" الجيش السوري الحر". في كل الاحوال يبدو ان الزعيم التركي أدرك نفسه وبلاده قبل ان تأتي النيران لتلتهم تركيا بالكامل.

ويرى المراقبون إثارة فضائح الفساد المالي والاداري في حكومة اردوغان في هذه الفترة بالذات، على أنها "قرصة أذن" من اطراف اقليمية ودولية أغاضها التسرّع التركي نحو احلامها القديمة، من خلال التحريض على خيار الحرب للاطاحة بالنظام السوري، وغفلتها عن آفاق المستقبل على صعيد الداخل السوري، وما اذا كان البديل عن النظام القائم، تشكيلة تضم وجوهاً مشابهة لما عرفه العالم عن "طالبان" الافغانية.

يبقى السؤال؛ هل تجربة اردوغان، الاخيرة في بلادنا..؟. وما هي ضمانات السلامة من تكرارها اذا توفرت عوامل القوة المادية والذهنية الايديولوجية التي يمكن ان تكون رديفاً للعامل التاريخي – الثقافي، وايضاً الموقع "الجيوسياسي"؟.

من المهم حقاً، أن تكون للعقلاء والحكماء من ابناء الطبقة المثقفة، سواءً في مؤسساتنا الاكاديمية او الدينية، او المفكرين واصحاب القلم الرفيع، كلمة مسموعة ومؤثرة في الواقع الاجتماعي والسياسي في آن، للتنبيه الى المآلات الخطرة لأي محاولة إيجاد مصاديق واقعية لحُلم الزعامة والسيادة، فهذه الاحلام والأوهام من شأنها تكريس حالة التخلف والحرمان والمعاناة التي تعيشها شعوبنا وتأن من وطأتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/آذار/2014 - 3/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م