الربيع العربي وشق حناجر الحرية

تقرير شبكة النبأ الدوري حول الحريات الإعلامية في العالم العربي

 

شبكة النبأ: الانتهاكات المتكررة لحريات الصحافة في الوطن العربي ليست بالأمر الجديد على من يزاول هذه المهنة في ظل حكومات تنظر الى ممارسة حرية التعبير من وجه نظرها الخاصة، لكن الجديد في هذه الانتهاكات هو ارتفاع وتيرتها ونوعيه التهم الموجه الى الصحفيين والتي وصلت الى حد اتهام بعضهم بقضايا تتعلق بالإرهاب.

ان من أبرز سمات "الربيع العربي" التي نادت بها ملايين الحناجر المحتجة هو المطالبة بالتغيير ورفع اليد عن الرقابة الصارمة المفروضة على حرية التعبير بكل اشكالها، خصوصاً الصحافة التي كانت حاضرة بقوة في ميدان وساحات التغيير.

لقد اكدت المنظمات الحقوقية العالمية حقيقة تنامي العنف والقمع الحكومي تجاه الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وقد رصت (شبكة النبأ المعلوماتية) أبرز تلك الانتهاكات على المستوى العربي في سياق التقرير التالي.

مصر

فقد افاد تقرير نشرته لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ مقرا في نيويورك ان حرية الصحافة في مصر في 2013 تدهورت بشكل مقلق وشهدت اعمال رقابة وقمع وعنف، واكدت اللجنة "لم تشهد حرية الصحافة في اي مكان اخر تدهورا جذريا قدر ما حصل في مصر عام 2013" حيث تحول اضطهاد الصحافيين المنتقدين في ولاية الرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي، في منتصف العام الى قمع الجيش لوسائل الاعلام المناصرة لمرسي.

وتدهور عدد من المؤشرات "بما فيها الرقابة وعدد الضحايا" في هذه البلاد، بحسب التقرير السنوي الثاني للمنظمة حول الدول حيث باتت ممارسة مهنة الصحافة "في خطر"، وقتل ستة صحافيين على الاقل في العام الفائت في مصر التي باتت عام 2013 البلد الثالث لجهة عدد ضحايا الصحافيين بعد سوريا والعراق.

وحددت محكمة الاستئناف في مصر العشرين من شباط/فبراير موعدا لبدء محاكمة 20 مراسلا صحافيا في قناة الجزيرة القطرية بينهم اربعة اجانب متهمين بالانتماء "لجماعة ارهابية" والتحريض ضد مصر، ذلك حسبما قالت مصادر قضائية، وكانت النيابة العامة احالت في نهاية كانون الثاني/يناير الماضي المتهمين العشرين الى محكمة الجنايات.

ووجهت الى المصريين ال16 تهم "الانتماء لجماعة إرهابية، والاضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي"، ووجهت النيابة الى الاجانب الاربعة، البريطانيان والاسترالي والهولندية، تهم "الاشتراك مع المتهمين المصريين بطريقة المساعدة في امداد اعضاء تلك الجماعة بالأموال والاجهزة والمعلومات، واذاعة بيانات واخبار وشائعات كاذبة وصور غير حقيقية"، وذلك "بغرض الايحاء للراي العام الخارجي ان البلاد تشهد حربا اهلية".

واوضحت الجزيرة في بيان ان "السلطات المصرية اصدرت قائمة تتضمن اسماء تسعة موظفين لدى شبكة الجزيرة، أما باقي العشرين فلا يمتون للجزيرة بصلة"، وفي حال ادانتهم، يواجه المتهمون عقوبة تصل الى السجن سبع سنوات للأجانب و15 سنة للمصريين، وتثير تغطية قناة الجزيرة القطرية غضب السلطات المصرية التي تعتبرها منحازة لجماعة الاخوان المسلمين، وداهمت الشرطة المصرية من قبل مكاتب للجزيرة في القاهرة حيث جرت مصادرة معدات بث.

كما جددت الولايات المتحدة انتقاداتها لكيفية معاملة الصحافيين في مصر واكد البيت الابيض ان هذا الملف يشكل موضوع "قلق عميق" له، وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني ان "القيود على حرية التعبير في مصر مقلقة لان الصحافيين والجامعيين المصريين والاجانب مستهدفون فقط بسبب تعبيرهم عن آرائهم".

واضاف خلال لقائه اليومي مع الصحافيين ان هؤلاء الاشخاص "مهما كانت انتماءاتهم يجب ان تقدم لهم الحماية وان يسمح لهم القيام بعملهم بكل حرية في مصر"، واوضح ان "العملية الانتقالية في مصر لا يمكن ان تتقدم الا اذا كان كل المصريين احرارا في التعبير سلميا عن آرائهم بدون خوف" مشددا على ان الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية حماية هذه الحريات، وقال ايضا "لقد حضينا الحكومة على التخلي عن هذه الاتهامات وإطلاق سراح الصحافيين والجامعيين الذين اوقفتهم"، وردا على سؤال حول احتمال وقف المساعدات الاميركية لمصر في حال استمر هذا القمع، لم يعط كارني اي جواب مكتفيا بالقول ان بلاده اعربت عن قلقها لدى المسؤولين المصريين.

الى ذلك تعرض ثلاثة صحافيين يعملون في القناة الالمانية العامة اي.ار.دي لاعتداء من قبل مواطنين في القاهرة اثناء تصوير مشاهد للتفجير الذي استهدف مديرية امن العاصمة كما اعلنت القناة على موقعها الالكتروني، واوضحت اي.ار.دي ان اثنين من الصحافيين اصيبا بجروح وكدمات شديدة ونقلا الى المستشفى للعلاج.

واضافت ان المواطنين الغاضبين اعتدوا على الصحافيين ووصفوهم بانهم "خونة" وانهم من "انصار الاخوان المسلمين"، وحاول المصور والمنتج والسائق الفرار الا ان الجماهير طاردتهم وانهالوا عليهم ضربا مستخدمين احيانا ادوات حادة الى ان انقذهم ضابط شرطة يرتدي ملابس مدنية اطلق النار في الهواء لإبعاد المعتدين.

من جهتها قالت وكالة أسوشيتد برس للأنباء إن مصورا تلفزيونيا مصريا يعمل لها أفرج عنه بعد أن ظنت السلطات فيما يبدو أنه يعمل لشبكة الجزيرة التلفزيونية القطرية وقت إلقاء القبض عليه قبل ثلاثة أيام، وقالت الوكالة إن السلطات ألقت القبض على حسن عبد الله حسن وهو يقوم بالتصوير أمام لجنة اقتراع في الاستفتاء على تعديلات الدستور.

ونقلت عنه قوله إن السلطات ظنت أنه يعمل لشبكة الجزيرة بعد أن ظهر اسمه على لقطات بثتها الشبكة بينما هي مشتركة في الخدمة التلفزيونية للوكالة، وقالت وكالة أسوشيتد برس إن قضية حسن الذي يعمل لها بالقطعة لا تزال مفتوحة، وقال كبير مديري تحرير الأنباء الدولية بالوكالة جون دانيشفسكي "نحن سعداء أن حسن أفرج عنه بكفالة ونأمل في إنهاء أي مسائل قانونية معلقة بشأنه".

فيما فرت الصحافية الهولندية ريتا نتييس من مصر بعدما اتهمتها السلطات مع 19 صحافيا اخرين بنشر "اخبار كاذبة" لحساب قناة الجزيرة القطرية، وقال صحافي في قناة "بي ان آر" الاذاعية حيث تعمل نتييس لفرانس برس "لقد غادرت مصر فعلا"، وفي مقابلة مع القناة اكدت الصحافية فرارها على متن رحلة متجهة الى أمستردام، واودت القناة التلفزيونية الهولندية العامة ان الصحافية وصلت الى بلادها.

وصرحت نتييس التي تعمل ايضا لحساب صحيفة "هيت بارول" الصادرة في امستردام ان السفارة الهولندية في القاهرة ابلغتها الاتهامات المساقة بحقها، واضافت في المقابلة التي بثتها "بي ان آر" "لقد وجدت السفارة حلا لا اريد التحدث عنه، لقد عثروا لي على مكان امن، وتلقيت الضوء الاخضر للمغادرة، واذ وصفت الاتهامات ضدها بانها "سخيفة"، اعتبرت نتييس ان السلطات المصرية تلاحقها لأنها عقدت اجتماعا مهنيا في كانون الاول/ديسمبر مع صحافي في الجزيرة في فندق ماريوت وسط القاهرة.

واضافت ان الفندق "قام بنسخ جواز سفري النائب العام اعلن قبل ايام انه يأسف لوجودي على لائحة (المتهمين) وانه يريد التخلي عن القضية بحقي لكنها احيلت على قاض"، وكانت النيابة اتهمت الصحافيين بإقامه صلات مع جماعة الاخوان المسلمين التي اعلنتها السلطات المصرية "تنظيما ارهابيا".

السعودية

فيما اصدرت محكمة سعودية حكما بالسجن لمدة 12 عاما على صحافي سعودي بعد ادانته بـ"الافتيات على ولي الأمر والخروج عليه وتشويه سمعة المملكة" في تصريحات تلفزيونية، ودانت المحكمة الصحافي وجدي الغزاوي ب"اتصاله بجهة معادية للمملكة حينذاك (2009) وتلقيه منها مبلغاً مشبوها"، بحسب ما اوردت وكالة الانباء السعودية (واس)، ولم تكشف الوكالة اسم الدولة المشار اليها، الا ان وسائل الاعلام المحلية قالت ان الغزاوي متهم بتلقي اموال من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في 2009 في ذروة التوترات بين طرابلس والرياض.

وفرضت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض على الصحافي السعودي كذلك حظرا للسفر خارج المملكة مدة عشرين عاما "اعتبارا من تاريخ انتهاء فترة السجن"، ودانته ب"الافتيات على ولي الأمر والخروج عليه عن طريق أحد البرامج التلفزيونية، وإثارة الفتنة بين المجتمع والنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها كافة". بحسب فرانس برس.

كما دانته بتشويه سمعة المملكة "وادعائه أن الارهاب والقاعدة صناعة سعودية ومن إصدار المملكة، وأن المملكة قد أهانت المقيمين فيها وسلبت حقوقهم"، بحسب الوكالة، كما دانته بـ"إنتاج وتخزين وإرسال فقرات ذلك البرنامج التي من شأنها المساس بالنظام العام عن طريق الشبكة المعلوماتية"، واتسمت العلاقات بين نظام القذافي والسعودية بالتوتر خلال حكمه الذي استمر اربعة عقود وانتهى بمقتله بأيدي الثوار الليبيين في 2011.

وفي حزيران/يونيو 2004 اتهم الاعلام الاميركي والسعودي القذافي بالتخطيط لاغتيال العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان آنذاك وليا للعهد.

الجزائر

من جانبه قال محامي رسام كاريكاتير جزائري إن نيابة وهران (غرب) طلبت عقوبة السجن 18 شهرا بحق موكله بتهمة "إهانة" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على رسم غير منشور، وطلب ممثل النيابة في محكمة وهران بغرب الجزائر فرض عقوبة بالسجن 18 شهرا وغرامة من ثلاثين ألف دينار (300 يورو) بحق رسام الكاريكاتور جمال غانم من صحيفة "لافوا دولوراني" (صوت وهران) بتهمة "إهانة رئيس الجمهورية" عبد العزيز بوتفليقة على رسم غير منشور، وسيصدر الحكم في 4 آذار/مارس القادم.

وأضاف المحامي إن "الصحيفة هي التي رفعت دعوى ضد رسامها" في تشرين الأول/اكتوبر 2013 بسبب رسم كان يفترض أن يصدر في 30 أيلول/سبتمبر 2013، وقال "الرسم لم يصدر أبدا، وهذه سابقة في العالم أن يقوم ناشر صحيفة بإيداع شكوى ضد أحد موظفيه بتهمة إهانة رئيس الجمهورية" عبد العزيز بوتفليقة، وأوضح المحامي أن الرسم كان يشير إلى تمسك بوتفليقة بالترشح لولاية رئاسية رابعة في انتخابات 17 نيسان/أبريل رغم مشاكله الصحية منذ إصابته بجلطة دماغية العام الماضي.

سوريا

من جانب اخر اوقفت عناصر من جهاز امن الدولة السوري الكاتب والصحافي المعارض والسجين السابق اكرم البني في دمشق، بحسب ما ذكر شقيقه المحامي انور البني الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، وقال انور البني رئيس المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية "اوقف جهاز امن الدولة اكرم البني في وسط دمشق"، مشيرا الى انه يجهل اسباب توقيفه.

وكان اكرم البني دخل السجن مرات عدة، كان آخرها بين 2007 و2010 مع 11 معارضا آخرين، اثر توقيعهم "اعلان دمشق" الذي طالب ب"تغيير ديموقراطي وجذري" في سوريا، وكان عضوا في الحزب الشيوعي المحظور في سوريا، وقد اعتقل بين 1978 و1980، ثم من 1987 الى 2001 خلال عهد الرئيس السابق حافظ الاسد، والد الرئيس الحالي بشار الاسد.

وعلى صفحته على موقع "فيسبوك" للتواصل الالكتروني، كتب انور البني "لم يكتف هذا النظام بسرقة عشرين عاما من عمره بالسجن، لم يكتف هذا النظام بما تركته هذه السنوات الطوال في السجن من اثر على صحته، لم يشف غليله سبعون عاما في السجن دفعتها هذه العائلة الصغيرة في سوريا، لأنها عائلة حرة تؤمن بالإنسان"، في اشارة الى سنوات اخرى امضاها في السجن انور البني نفسه وافراد آخرون من عائلته.

وجاء على صفحته على فيسبوك ايضا "الحرية لأكرم البني، الحرية لكل المعتقلين، الحرية لسوريا"، واكرم البني في الثامنة والخمسين، وهو مسيحي من حماة في وسط سوريا، ويقول مقربون منه ان السلطات كانت تمنعه من السفر خارج سوريا، وواظب اكرم البني على كتابة المقالات التي كان ينشرها في صحف عربية ومواقع الكترونية عدة، وابدى فيها مرارا اسفا لاتخاذ النزاع السوري منحى عنيفا متصاعدا.

وفي مقال نشر في صحيفة "الشرق الاوسط" في تموز/يوليو، كتب "هو أمر مؤسف ومقلق أن يفضي منطق الحرب إلى انحسار الدور السياسي للمعارضة السورية أمام تقدم المكون العسكري، وقادته لا ينفكون عن تكرار أوهامهم عن حسم عسكري سريع في حال مدوا بالأسلحة أو جرى تحييد الطيران الحربي، أمام نظام لم تفارقه الأوهام ذاتها عن قدرته على سحق الثورة بما يملكه من وسائل القهر". بحسب فرانس برس.

واضاف "المسألة التي لم يدركها النظام أو لا يريد إدراكها أن ما يسمى انتصارا على الشعب هو أكبر هزيمة للوطن، وأن كلمة انتصار ليست سوى الوجه الآخر لانكسار المجتمع وتدميره، والقصد أن منطق القوة والغلبة والعنف لم يعد يستطيع إعادة مناخات الرعب والإرهاب للاستئثار بالسلطة والثروة ولإخضاع المجتمع من جديد".

اليمن

في سياق متصل قال صحفيون إن السلطات اليمنية منعت طبع صحيفة محلية مقربة من الانفصاليين الجنوبيين في مؤسسة مملوكة للحكومة في عدن في خطوة أدت الى احتجاج في المدينة، وقالت صحيفة عدن الغد ان مسؤولين في مؤسسة 14 اكتوبر للصحافة والطباعة والنشر رفضوا طبع الصحيفة قائلين انهم ينفذون تعليمات مسؤولين كبار في العاصمة.

وقال مصدر حكومي في صنعاء إن الخطوة تأتي في إطار سعي الحكومة لإعادة النظام الى قطاع النشر وان الطبع يمكن أن يستأنف فور حصول مالكي الصحيفة على تصريح بالنشر من وزارة الاعلام، وتعكس صحيفة عدن الغد آراء الحراك الجنوبي الفصيل الرئيسي الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن الذي اتحد مع اليمن الشمالي عام 1990.

وتقول الصحيفة التي بدأت النشر بعد تأسيس نشطاء الحراك عام 2007 للدفع من أجل الاستقلال انها حصلت على ترخيص من وزارة الاعلام وملتزمة بالمبادئ الصحفية منذ صدورها، وقالت ان وقف الطبع يأتي ضمن حملة للحكومة ضد الصحيفة وأضافت ان رئيس تحريرها تعرض قبل ساعات لهجوم عند نقطة تفتيش أمنية في عدن.

وأشارت الصحيفة الى أن المسؤولين قالوا ان تقريرها عما سمته "بالأنشطة السلمية لأبناء الجنوب" هو السبب وراء وقف طباعة العدد، ودفع القرار مئات الأشخاص الى التجمع أمام مؤسسة الطباعة والنشر مطالبين بالتراجع عنه، وأكدت الصحيفة التي تقول انها توزع زهاء 40 ألف نسخة إن طبعتها الالكترونية لم تتأثر. بحسب رويترز.

وقال المسؤول الحكومي ان إجراءات الترخيص بسيطة والتصريح بالطبع يمكن أن يصدر في غضون بضعة أيام، وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه "بدأنا تصحيح الوضع سيكون بمقدور الصحيفة العودة للطبع بمجرد أن تتقدم بطلب والحصول على رخصة"، وندد بقرار وقف طبع الصحيفة قادة يمنيون سابقون بينهم الرئيس السابق لليمن الجنوبي الذي يقيم بالمنفى علي سالم البيض ورئيس الوزراء الأسبق أبو بكر العطاس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/آذار/2014 - 3/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م