العامل الخارجي وتأثيره على الوضع الداخلي

برهان إبراهيم كريم

 

تتحرك الشعوب لتحقيق أهدافها المشروعة في الوحدة والتحرر والحرية وتحقيق الديمقراطية.

ويسارع العامل الخارجي لإستغلال كل حراك وتحرك، وتوظيفه بما يخدم مصالحه. وهو ما عبرت عنه ليال التيماني بمقال جاء فيه: الأزمات التي تعصف في الكثير من البلدان لديها عوامل عديدة منها سياسية، اجتماعية، اقتصادية وغيرها، إلا أنه لا يزال هناك عامل خفي مبهم، يحرك الأمور ويديرها، بحسب خطة الشرطي السيء والشرطي الجيد. والمتهمون يكونون من الأساس الضحايا، ففي نهاية الأمور هي سياسة مفبركة تبحث عن بلد يواجه ضعف معين، فيتم اختياره وتبدأ العملية. والعامل الخارجي لا يعمل على خط واحد، ولديه باستمرار بدائل وخيارات متعددة، في حال فشل أحد هذه البدائل أو الخيارات، فإنه ينتقل إلى بديل أو خيار آخر وهكذا. ومصالح الدول الكبرى متنوعة ومتعددة، وترتبط بأمنها القومي. ولهذا تسارع مع حلفائها ووسائط إعلامها وإعلامهم لتوظيف الحراك والتحرك لتحقيق مصالحهما العاجلة والمستعجلة والضرورية. والتي يمكن حصرها بالأمور التالية:

1. تعميق الصراع بين الجماهير والسلطة لمنع الحوار، كي يأخذ التحرك حد القطيعة.

2. الاساءة للشعوب والجماهير والسلطة دفعة واحدة. من خلال دفع الاعلام لتعميق الصراع، وقطع وشائج التواصل، وتشجيع عمليات سفك دماء وإزهاق الأرواح.

3. الاساءة لهذه الشعوب ومعتقداتها وتاريخها، وحتى شخصياتها وساستها ومثقفيها.

4. ترويج فكرة أن فترة استعمار او انتداب هذه الشعوب والدول كانت الفترة الأفضل.

5. دق الأسافين بين قوى الموالاة والمعارضة، لشرذمتها ومنعها من تتحاور أو تتلاقى.

6. الاستخفاف والاستهزاء بمواطني هذه الدول بتقسيمهم إلى إرهابيين أو شبيحة. وفي حال انفراج الأزمة أو حلها، ستغدو مسؤولية النظام الجديد أكثر صعوبة وتعقيداً.

يرى البعض أن الامتين العربية والاسلامية تعيش ظروف غريبة نتيجة العامل الخارجي الذي يتحكم بمسار كل حراك وتحرك، مما نجم عنه نتائج غريبة. ومن هذه النتائج الغريبة:

· تصاعد الخلافات بين الكثير من أنظمة الدول العربية والاسلامية. وحتى أنها أدخلتها في صراعات داخلية وإقليمية ودولية، بات يهددها ويهدد المنطقة والعالم.

· محاولة بعض الأنظمة العربية والاسلامية التخلص من عار عدم مواجهتها لإسرائيل.

· تبرير تحالف البعض مع الادارة الأميركية وبعض القوى الاستعمارية. وهذا التحالف لا تقره ولا تستسيغه جماهيرها، ولا ترتاح له جماهير الأمتين العربية والاسلامية.

· الاساءة للدين الاسلامي. والاساءة تروجها بعض وسائط الاعلام بنشرها تصرفات لا يقرها الاسلام، كعمليات الذبح والقتل. بعد أن فشلت مؤسسات صهيونية بهذا العمل بعد نشرها دراسات وصور مسيئة للعرب والمسلمين والرسل والأنبياء.

· بناء استراتيجية جديدة تقوم على عسكرة بعض القوی الإقليمية مع قوى دولية. بهدف خلق توازن قوی تهدر فيه عشرات مليارات الدولارات سنوياً على تسلح لا قدرة لقواتها على استيعاب هذه الأسلحة، ويضمن إنعاش شركات الاسلحة فقط.

· بناء جدران عازلة على الحدود بين الدول. وهذه الجدران تبرر جدار الفصل الإسرائيلي، وتعمق الشرخ والتجزئة. ويصبح حسن الجوار من رابع المستحيلات.

· خنق أمل واحلام الشعوب بالحرية والديمقراطية. وذلك بدعم هذه الأفكار إعلامياً فقط، وقتلها في بلادها وفي اقطار أخرى حتى لا تنتقل إليها هذه العدوى.

· زج الفلسطينيين بالأحداث التي تشهدها بعض الدول. لتنشيط عملية تهجيرهم إلى دول اسكندنافية وأوروبية وأمريكية و أسترالية، وإغلاق المنافذ العربية أمامهم للتخلص من موضوع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين. وينشط خط التهجير عبر تركيا بشكل كثيف، فالانتقال إلى تركيا لا يتطلب الحصول على تأشيرة دخول. وفي اسطنبول يتسلم اللاجئون جوازات سفر سويدية (أو تابعة لدول اسكندنافية وأوروبية أخرى) مزورة، أو بالأصح ما يُعرف بـ«الجوازات الشبيهة»، حيث تُلصق صورة حامل الجواز على جواز شخص آخر، فيركب حامل الجواز الشبيه الطائرة أو القطار او السفينة إلى البلد الصادر عنه الجواز، وعليه أن يواجه مصيره عند وصوله إلى البلد الذي يقصده. وفي عدد من الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا، يعيش لاجئون عرب في مراكز الإيواء الحدودية بانتظار أن يُبت بأمرهم، بينما حصل قلة على حق اللجوء أو إقامة موقتة في دول أوروبية وأميركية وكندا.

· فرملة دول البريكس. حيث أظهرت الإحصاءات الخاصة ببلدان البريكس ان نسبة النمو الاقتصادي فيها قد انخفضت بأكثر من50%. ففي الصين أنخفض من 14%إلى 8%. وفي الهند من10%إلى 5%. وفي البرازيل من 6%إلى 3%، ولكن هذه النسب برغم انخفاضها تظل أفضل مما عليه الأمر في بلدان الاتحاد الأوروبي. وقد شمل الانخفاض قيمة العملات في تركيا وإندونيسيا ودول أخرى.

· استغلال إسرائيل الانشغال بالربيع العربي لتضاعف من تنكيلها بالفلسطينيين. فهي تعامل السكان الفلسطينيين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال كوضع العبيد السود في أمريكا في القرن الـ19. وهو ما كشفت عنه عالمة الاجتماع الإسرائيلية إيفا إيلوز، والتي نشرت دراسة أعدتها في ملحق صحيفة هآرتس، وجاء فيها: إن الإسرائيليين يتعاملون مع الفلسطينيين من منطلقات عسكرية فقط: إنهم جنود، هم أعداء ويجب هزيمتهم، ليسوا مواطنين عاديين، إنهم يشكلون خطراً على الإسرائيليين ويملكون الوسائل لذلك، يجب استعبادهم بالقوة، ويجب الانتصار عليهم بالضربة القاضية، لأن غير ذلك سيكون بمثابة هزيمة للإسرائيليين. والفلسطينيين يتعرضون بشكل دائم للعنف من قبل المستوطنين الذين لا يقدمون للمحاكمة، إلا في حالات نادرة جداً. والجيش يحاكم الفلسطينيين بقسوة شديدة ويتساهل مع عنف المستوطنين. والحواجز التي يضعها الاحتلال هدفها ليس إعاقة تحرك الفلسطينيين، إنما لإفهامهم من هو السيد ومن هو العبد. وخطة الانفصال أحادي الجانب التي نفذها شارون، كان هدفها الرئيسي تقطيع الأوصال بين القطاع والضفة.

· تفاقم الصراعات بين بعض الدول العربية والاسلامية. فدول عربية وإسلامية تقف بصلابة ضد وصول حركة الإخوان المسلمين إلى الحكم في أي بلد عربي أو إسلامي مهما غيرت هذه الحركة من تسميتها أو مسمياتها. فهي ضد وجود حزب العدالة والتنمية في تركيا ومصر. وتقف بشراسة مع الانقلاب الذي أطاح بحكم مرسي والإخوان في مصر. ودول تقف مع وصول حزب الإخوان المسلمون إلى السلطة. وبسبب ذلك تفاقمت خلافاتها مع بعضها البعض. وصحيفة العرب الصادرة في لندن نشرت خبراً، جاء فيه: مسؤولاً سعودياً سلم امير قطر الشيخ تميم رسالة عاجلة من الحكومة السعودية تضمنت تهديداً بمراجعة الرياض لعلاقاتها مع الدوحة، والمراقبون اعتبروا حضور الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير دولة قطر اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الكويت الى جانب اميرها، وهي خطوة غير مسبوقة، تدل على استعانة الأمير القطري بأمير الكويت لتجديد وساطته بين البلدين وتطويق الازمة قبل انفجارها. وتهديد مصري لقطر من وزير خارجيتها نبيل فهمي قال فيه: إن صبر مصر بدأ ينفذ على التدخلات القطرية في شؤون مصر.

· شرذمة الإسلام إلى قوى مذهبية ومتعددة ومتصارعة. وهذه الشرذمة تُسهل إدانتها واتهامها بالإرهاب. فواشنطن وحلفائها اتهموا حماس وحزب الله وداعش وجبهة النصرة بالإرهاب، ودول أخرى تتهم الجبهة الاسلامية بالإرهاب. والنظام الجديد في مصر اعتبر حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية ومحظورة. والشرذمة ستسهل للعامل الخارجي أتهام باقي القوى الاسلامية والأحزاب العربية بالإرهاب والفاشية أولاً بأول. كما أنها تسهل عملية حظرهم وشن الحرب عليهم بقرارات دولية.

· استغلال انشغال العرب والمسلمين والعالم بالربيع العربي لتنفيذ المجازر بالمسلمين. والملاحظ تهرب الكثير من عن فعل شيء، وصمت أردوغان وحكام قطر وأمينا عاما الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي. وتجاهل الموضوع من وسائط الاعلام العربية والاسلامية والدولية المسموعة والمقروءة، كفضائيتي الجزيرة والعربية.

· زج المساجد في الصراعات القائمة. وكأن الهدف منه استباق لموضوع الحد من بنائها وحظرها في مرحلة لاحقة. وربما محاسبة من ساهم في بنائها وزيادة عددها.

· إيقاد نار الصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط وأفريقيا. وذلك بهدف تهجير المسيحيين من الوطن العربي ودول أخرى إلى دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، لإضعاف الوجود الاسلامي في هذه الدول.

· الزج بعناصر من مختلف دول العالم في الأحداث التي تشهدها بعض الدول. والهدف هو تعميق الصراعات كمرحلة أولى، وإطالة أمد الصراع والأزمة ثانياً، وإتهام العرب والمسلمين بالإرهاب كمرحلة ثالثة، وتسهيل تدويلها كمرحلة رابعة.

· وفرت الأوضاع المأساوية فرصة نادرة لواشنطن وتل أبيب. تتلخص بالاستفراد بالقضية الفلسطينية وتجاهل قرارات الأمم المتحدة، تمكنهما من استباحة الثوابت من خلال مشروع تصفوي تطلق عليه اتفاق إطار مسخ ذو منشأ إسرائيلي ينوي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تقديمه خلال الفترة القادمة، وهدفه تكريس واقع الاحتلال وإنهاء حالة الصراع بما يخدم مخططات الاحتلال التوسعية والعنصرية.

رئيس مجلس الأعيان الأردني السابق طاهر المصري، تطرق للوضع العربي في محاضرة له في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة، وأدارها الوزير الأسبق الدكتور عادل الشريدة، حيث قال:

1. الأيام القادمة مهمة وصعبة على الأردن في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية. وأن الوضع العربي في أسوأ حالاته، تمزقاً وصراعات دموية عنيفة.

2. دخلت القوى الدولية مرة أخرى إلى المنطقة، وهناك تحالفات تنسج من قبل روسيا.

3. أميركا عادت بتعدياتها وأخطائها من جديد. وهناك تحالف بين واشنطن والاتحاد الأوروبي والمعارضة السورية، فيما السعودية والإمارات والأردن قريبون من هذا الخط.

4. المنطقة تغيرت بعد الربيع العربي، وهناك أقواس، ترتب من خلالها تحالفات عميقة، وأن ثمة حزاماً(تحالفاً) أمنيا يمتد من ايران إلى العراق إلى لبنان، بقيادة روسيا، يتم ترتيبه، وقد اتضح هذا الحزام في مؤتمر جنيف 2، وهو قوي.

5. أميركا ليست بحاجة إلى النفط العربي، ووضعها في تحسن اقتصادي، وأموال الخليج كلها مودعة في الغرب، كما أنها بدأت تفاهمات مع إيران، واعتبارها قوة إقليمية. وفي حال تم هذا الاتفاق فسوف يزعج إسرائيل، وأميركا لا تريد ذلك، لأنها ستؤلب الكونغرس على الرئيس الأميركي أوباما، لذلك تسعى لتسوية القضية الفلسطينية.

6. مسألة ترشح الرئيس السوري بشار الأسد مرة أخرى واردة، حيث تحرص واشنطن على حفظ ماء وجهها، والآن يعملون على التمديد بطرق قانونية دون ترشح.

وختاماً يمكن القول: ينتزع العامل الخارجي القضايا من أيادي أصحابها ويوظفها لمصالحه. ويحرفها عن وجهتها، ويزايد عليهم بمواقف وتصريحات ليزيد في تعقيدها وتأزيمها، دون أي اهتمام بمعاناة الدولة ومواطنيها. والحلول التي تشارك فيها كافة الأطراف وفي الوطن أفضل.

* عميد متقاعد

burhansyria@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/آذار/2014 - 3/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م