شبكة النبأ: من بداهة القول، أن
التعليم يقف في صدارة القيم التي تنقل المجتمع من حالة التخلف الى ضفاف
التقدم، فإذا تمكنت الدولة والمعنيون من بناء الانسان المتعلم، فإننا
نكون قد حققنا ما نصبو إليه من درجة تطور عالية، توفر لنا فرص عيش
مرفَّهة ومنتِجة في وقت واحد، وهذا الامر ينطبق على الامن أيضا، بمعنى
أوضح، لابد أن يُسهم المعنيون في الدولة، بصنع رجل أمن متعلم، لأن
التعليم هو الذي يتيح الفرصة أمامنا، كي نعيش حياة آمنة مستقرة
ومنتِجة.
قد يركّز المعنيون في الدولة والمجتمع، على الجانب الأمني، مقابل
إهمال التعليم، وقيمة الأمن التعليمي، فيصبح لدينا جيش من رجال الامن
غير المتعلمين، وفي هذه الحالة لا يمكن حفظ أمن الدولة والمجتمع، لأن
الامر لا يتعلق بكثرة عدد المشتغلين في حماية الناس، وإنما بالطرق
والاساليب المعاصرة التي تتم من خلالها هذه الحماية، ومستوى الوعي،
وقدرة رجل الامن على التعامل الانساني مع الناس، مع الحرص على الحقوق
المدنية، وإدارة المواقف والمشكلات الصعبة، وفق المبادئ الانسانية التي
تحقق الامن، وتحفظ كرامة الانسان في الوقت نفسه، وهذا لا يتحقق بصورة
فعلية، ولا يتحول الى واقع، إذ لم نبدأ بالتعليم أولا.
لذا تحرص دول العالم المتقدمة، على بناء أجهزة أمنية متعلمة، بمعنى
تضع المجتمعات المتطورة قيمة الامن التعليمي في مقدمة اهتماماتها،
وتتعامل معها بجدية تامة، وتحرص على أن يتقن رجل الامن، الثقافة والوعي،
في موازاة إتقانه وإجادته للعمل الامني، ولا تفضل تلك المجتمعات رجل
الامن غير المتعلم، لأنه لن يكون قادرا على اداء دوره بالطريقة التي
تكفل حماية الناس، ولا يتمكن مثل هؤلاء العناصر الامنية، من تحقيق
الامن للمجتمع.
في المجتمع العراقي ومعظم المجتمعات العربية، لا يعبأ المسؤولون
بقضية التعليم، بقدر اهتمامهم بالجانب الامني، أي أن المهم لديهم كثرة
أعداد العناصر الامنية على حساب النوع المتطور ثقافة وتعليما، لذلك
تكثر الخروقات الامنية في معظم البلدان العربية، ونلاحظ ايضا عدم
الاهتمام بقيمة الامن التعليمي، لذلك ربما نجد من بين عناصر الامن من
لا يتقن حتى القراءة، أو لا يمتلك من الوعي والثقافة ما يؤهله للتعامل
الانساني مع الناس، فضلا عن حمايتهم، وهكذا نكون أمام معضلة مزدوجة،
تتمثل بغياب الامن ونقصان التعليم في وقت واحد.
فلا نحن قادرين على حماية أمننا، ولا نسعى الى نشر الوعي اللازم بين
افراد الاجهزة الامنية المختلفة، بما يضمن لهم درجة جيدة من الوعي،
ومستوى مقبول من التعليم والفهم والثقافة، تساعدهم على اداء واجباتهم،
بما يحقق الامن الانساني للجميع، وهو هدف غالبا ما تفشل في تحقيقه
الدول المتأخرة، والسبب الاساسي في هذا المجال، يتمثل في إهمال الدولة
والمؤسسات المعنية لقيمة الامن التعليمي، لأننا في واقع الحال، عندما
نسعى لتأمين أنفسنا، وننسى أن نتثقف، ونتطور في فهم الحياة، فإننا نكون
كمن يسير بساقٍ واحدة نحو أهدافه المنشودة، فالامن والتعليم مترابطان،
أحدهما يردف الآخر بالعون، أما اذا اشتغل الامن بعيدا عن التعليم، فإن
النتائج معروفة للجميع، لكن التعليم يمكن أن يمنحنا إمكانيات أكيدة
ومضاعفة وصحيحة لحماية أنفسنا.
يأتي هنا دور الاجهزة المعنية في تطوير قدرات أفرادها، في مجالات
الوعي والثقافة والتعليم، فضلا عن الدولة ومؤسساتها والمنظمات المعنية،
والمجتمع برمته، فالكل مسؤول عن التعامل وفقا لقيمة الأمن بالتعليم،
بمعنى لابد من إدخال هذه القيمة في حياتنا، كي تتحول الى منهج سلوك،
نتعامل به بصورة آلية، وتدخل ضمن تفكيرنا، وطرق عيشنا، وأنشطتنا كافة،
حتى نضمن ونحقق أمننا، من خلال الوعي الفردي الذي يتعلق بعناصر الأمن،
والوعي الجمعي المتعلق بالمجتمع كله، وبهذا تكون قيمة الأمن التعليمي،
فاعلة وحاضرة ومؤثرة بشكل فعلي، في توفير درجة عالية من الامن المدروس
مسبقا. |