القدرة ...

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في المأثور (كل ما زاد عن حده انقلب الى ضده).. ينطبق ذلك على كل شيء في حياة الانسان، سواء ما تعلق به كفرد لوحده، او ما ارتبط به مع الاخرين.

زيادة المال عن حدود الحاجات الطبيعية وتراكمه دون الانفاق في الوجوه التي يحث عليها الإسلام، يؤدي الى فقر الاخرين، والى زيادة الترف لدى الأغنياء، وهو ما يقود الى زيادات في الانفاق والاستهلاك على سلع ومواد كمالية ليست ضرورية. وقد عبر امير المؤمنين علي (عليه السلام) عن ذلك ابلغ تعبير بقوله: (ما رأيت نعمة موفورة الا والى جانبها حق مضيع، وما جاع فقير إلا بما متع به غني).

زيادة السلطات وتركيزها في يد شخص واحد تقود الى الاستبداد، لان كل نمو لتلك السلطات يكون على حساب ما بيد الاخرين منها، حتى يجدوا انفسهم دون شيء يذكر، اذا استطالت سلطات ذاك الشخص المتفرد دون اعتراض أو وجود من يقف ضده.

وحتى ما يتعلق بالعلم وإمكانية الوصول اليه وتحصيله، هو أيضا يحمل في طياته الاختلال في كثير من الاحيان، فهناك في كثير من المجتمعات، قلة هي التي تتمكن من ذلك، وحرمان كثيرين منها بسبب الفقر وعدم تساوي الفرص، وغير ذلك من أسباب.

حول هذه النقطة تحديدا، يشير الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) في المقدمة من كتابه (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) حول البند الثالث من الأمور التي يجب على الممارسين للتغيير ارجاعها الى المسلمين، وهي القوانين الإسلامية، حيث يؤكد على (تساوي الجميع في الاغتراف من العلم والمال والقدرة)...

والقدرة هي التمكّن، والاستطاعة، والقوّةُ على الشيء.

وهي أيضا، الملك والغِنى و اليَسار.   

والقدرة في علم النفس هي الإمكانية أو القوة الفعلية على الأداء ،أو هي نشاط معين، أو مجموعة من الأداءات أو الاستجوابات. 

يتداخل مفهوم القدرة مع مفاهيم أخرى مختلفة، كالاستعداد والكفاية والمقدرة والموهبة، فالاستعداد هو إمكانية الوصول إلى درجة من الكفاية من طريق التدريب المقصود أو غير المقصود، أي أنه قوة كامنة لدى الفرد تتضح بالتدريب فتصبح قدرة، والكفاية هي القدرة على القيام بالأعمال التي تتطلبها مهنة من المهن، أو هي القدرة على ممارسة الأعمال، التي تتطلبها وظيفة من الوظائف، مثل الكفاية في تصليح الأجهزة الدقيقة، والمقدرة أقصى قدرة للإنسان يستطيع أن يصل إليها من أفضل تدريب ممكن، والموهبة أقصى درجات الاستعداد أو القدرة.

كيف تناول الامام الشيرازي (قدس سره) مفهوم القدرة، في كتابه المشار اليه؟

ينطلق من الفهم القرآني حول القدرة الإلهية، وهي قدرة خيّرة في كل وجوهها،(إن الله سبحانه قدّر الخير للإنسان بكل أنواع الخير).

فالسلام والأمن، والسلامة والخير هي التي يقدرها الله سبحانه للإنسان، ويكتبها له طيلة سنته ويبشره بها في مطلع عامه(سلام هي حتى مطلع الفجر).

وما قدره الله سبحانه وتعالى مما ينافر الانسان، فهو شيء قليل، وما تجاوز ذلك فهو من صنع الانسان ونتيجة لما جنته يداه، و(هي وليدة نفسه).

يشير الامام الشيرازي (قدس سره) الى ذلك بقوله: (أن تفشّي الفقر والأمراض، والجهل والحروب وما أشبه من الإنسان نفسه، وكذا تسلّط الدكتاتوريين على بلاد الإسلام ورقاب المسلمين أيضاً من نفس الإنسان، حيث احتكر القدرة لنفسه ولم يوزعها حتى تتوازن القدرات ولا تطغى إحداها على حساب الآخرين، وقال تعالى: (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).

إن أسّ الاستبداد في بلداننا، هو هذا الطغيان الذي جبلت عليه نفس الانسان، والتي لا تكتفي بما في يدها، بل تمدها الى ما في ايدي الاخرين، لتسلبه منهم وتستحوذ عليه.

والقدرة التي ان تمردت على صاحبها، فان لها طعما مسكرا يذهب بالعقل والاتزان، ولكن ما يحد منها حسب ما يراه الامام الشيرازي (قدس سره) هو (توزيعها وعدم الإستئثار بها لفرد واحد أو جماعة خاصة).

ولا يكتفي (قدس سره) بالحديث عن القدرة بوجوهها العمومية، انه أيضا يخص بحديثه عنها، القائمين على التغيير وممارسيه، في امتلاكهم للقدرة مستقبلا بعد احداث التغيير والوصول الى الهدف منه.. يتحدث عن تلك الخصوصية بقوله: (على ممارسي التغيير عدم الطغيان بسبب حصول القدرة لهم قبل الحكم أو بعده، وذلك لا يكون إلا بتوفير النفسيات الرفيعة من جانب، وهو رادع نفسي عن الطغيان، وتوزيع القدرة على الجهات الكفوءة في البلاد من جانب آخر، وهو رادع خارجي عن الطغيان، وذلك حتى لا تطغى قدرة على قدرة، فإن القدرة إذا طغت لا بد وأن تسقط حسب موازين الله سبحانه وتعالى الكونية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/آذار/2014 - 2/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م