مملكة الزبالين

هادي جلو مرعي

 

يسميها الحاج أبو رائد العكيلي (منطقتي) ويوغل في وصفها البسيط، هي منطقة (المعامل) تقع الى الشرق من بغداد، فيها ولدت وترعرعت، وفيها أهلي وأبناء عمومتي، وفيها جيراني الطيبون، وأصدقائي المحبون، يتنوع فيها وجود البسطاء من فقراء وعمال وصنايعية، جنود وفلاحون، أغنياء وفقراء، وناس بأوصاف وأشكال مختلفة، يبحثون عن الإنسان الذي يشعر بهم وبمعاناتهم، ويستظل معهم بظل شجرة تنتظر بعض الماء، أو في ظل بناء شامخ لمؤسسة صحية، أو قاعة للألعاب الرياضية، أو مؤسسات للإتصالات وللتعليم، وملاعب للرياضة يندفع فيها الشبان لاهثين فرحين يمارسون هواياتهم، ويلعبون كرة القدم، وينافسون بعضهم في المساء، ويحلمون بالغد، ويشعرون إنهم ذاهبون إليه جميعا دون خوف، أو تردد، ويشتركون جميعا في صناعته، ولايبحثون عن موافقات أصولية، فما يمارسونه حق طبيعي لهم، مثلما هو حق للجميع، ولكل مسمى إنساني.

وجودها الحقيقي كان في العام 1965، مع إن هناك الكثير من الناس يتحدثون عن مرور القوات العراقية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1958 حين قتل الجنرال قاسم العائلة الهاشمية، وإستولى على الحكم بالقوة، وأسقط النظام الديمقراطي، لكن الحاج أبا رائد يستغرب من تحول هذه المنطقة الواسعة التي تحيط بها تجمعات سكانية قد يتجاوز عدد ساكنيها ثلث القاطنين في العاصمة بغداد الى مكب نفايات كبير يمتد لعدة كيلومترات، وتتجمع فيها المياه الآسنة، وهو يرى إن الحال التي هي عليه اليوم لايسر على الإطلاق، ويقول، إن النظام البعثي السابق كان قمعيا معنا وعاملنا بقسوة وتمييز، لكن أن تتحول المنطقة الى مكب نفايات أمر يثير الريبة والحزن، والتجمعات السكانية تضم مئات آلاف النساء والأطفال والشيوخ، وفيها عشرات المدارس، بينما ترتفع نسبة التلوث الى مستويات مقلقة.

كانت مشهورة بوجود عشرات المصانع البدائية الخاصة بتصنيع الطابوق المستخدم في البناء، وقام نظام صدام حسين بنقل تلك المعامل الى منطقة النهروان البعيدة نسبيا عن العاصمة تلافيا لدرجات التلوث العالية التي يسببها الدخان المتصاعد من المحارق التي يستخدم في إيقادها النفط الأسود، وبقيت تسمى بالمعامل دون تغيير مع إن احياءها تحمل مسميات عديدة لسعتها، وإمتداداها، وإنفصالها عن بعض، لكن هذه الأحياء حرمت من خدمات عدة ينتظرها السكان، ولعل طرقها المخربة تشهد على حجم الإهمال الذي لحق بها منذ سنوات طويلة وماتزال مكبا ملائما للنفايات، وتخلو من الحدائق والمتنزهات ولايوجد فيها مشفى صحي، أو مراكز رياضية، ولم يتحرك المسؤولون الخدميون، ولا السياسيون جهتها لتغيير واقعها المؤلم والمحزن، بإستثناء الفترات التي تشهد حراكا إنتخابيا حيث يصل بعض المرشحين الذين يقدمون الوعود ويمضون، ثم لايتحقق منها شئ فيما بعد.

ويخشى الحاج من تفاقم الأوضاع الصحية السيئة، ومن تكاثر الصور السلبية ومن تهديدات للقيم المجتمعية والأخلاقية والصحية على الأجيال الصاعدة في هذه الأحياء التي تعاني وتتحمل وتنتظر.

يعيش الحاج أبو رائد مع أحلامه، وهو مصر على الحلم مع كثرة ما إبيض من شعره، وما أخذته السنين من جسده، فذاكرته ماتزال تحتفظ بتلك الأمنيات لاتفارقها، وتصر عليها الى ماشاء الله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/آذار/2014 - 2/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م