شبكة النبأ: في الوقت الذي يفهم فيه
المعنيون ومن يهمهم الامر الثقافي، ماذا تعني الثقافة، وما هو دورها
الجوهري في خلق فرص التطور، فإن هناك أفرادا أو منظمات أو حتى جماعات
سياسية، تحاول أن تفرغ الثقافة من جوهرها الأساسي، وتحرف مسارها نحو ما
يخدم مصالحها حصرا، فتصبح الثقافة في هذه الحالة، نوعا من الدعاية
الفارغة من الجوهر الثقافي، بل تتحول الى أداة ترويج لهذه الجماعة او
تلك، وربما يتعلق الامر بالشخصيات أو المنظمات أو الاحزاب، فتصبح
الثقافة ذات بعد شمولي قد يؤدي الى نتائج خطيرة.
إن الثقافة تفتح آفاقا واسعة نحو التغيير كما هو معروف للجميع، ولا
يمكن أن نحصر دورها في الدعاية فقط، لذلك فإن اللجوء الى إفراغ الفعل
الثقافي من جوهره، يشكل منهجا خطيرا على الأفكار والأفعال التي تُبنى
من خلالها الدولة وتوابعها كافة، كالمؤسسات الحكومية وطبيعة النظام
السياسي، والخطط والمناهج الاقتصادية المتبعة في إدارة وتنمية قدرات
الدولة والمجتمع، وكلنا نعرف أهمية الثقافة وتأثيراتها في المجالات
المختلفة، لاسيما اذا اتفقنا على ان التأثير الثقافي هو الذي ينظّم نبض
الشارع وحركة المجتمع وطبيعة النظام السياسي الحاكم.
إن الفكر الشمولي لا يمكن ان ينتعش ويتطور، إلا في حالة تحويل
الثقافة الى نوع من الدعاية عن الذات، ليس الفردية فحسب، وانما الذات
الفئوية وما تشمله من تجمعات ومكونات مختلفة، وقد منحتنا التجارب
الفاشلة في التاريخ المنظور، فرصة الاطلاع على النتائج الكارثية التي
حصلت ونتجت، عن تجيير الفكر والثقافة لصالح الفرد او الحزب او الجماعة.
مثال ذلك ما كان للفكر الفاشي ان ينتعش لو كانت الثقافة حرة، وغير
محاصرة بالدعاية الذاتية الفارعة، بل جميع الانظمة السياسية والحكام
الذين اعتمدوا الفردية والطغيان في ادارة الدولة، كلهم بلا استثناء،
افرغوا الفعل الثقافي من محتواه الجوهري، بل دمروا الثقافة، وجعلوها
تصب في صالحهم، من خلال تحويلها الى مجموعة ابواق لصالح الحزب او
الحاكم الفرد، تروج لفكر السلطة، فصارت الثقافة عبارة عن ناقل مريض
لأفكار مريضة، تهدف الى تعميق حالة الطغيان، وتجهيل الانسان أكثر
فأكثر.
من هنا لابد من وضع الاسس المانعة لزج الثقافة في الاعلام الفارغ،
أو الدعاية المجيّرة مسبقا، لأننا في أمسّ الحاجة الى تخليص الثقافة من
شوائب الارث المريض، حتى يمكن أن تؤدي دورها الصحيح، في اجواء سليمة،
لا يعكرها الانتهازيون، أولئك الذين يرون في الثقافة وسيلة أو أداة
تحقق لهم أهدافهم الفردية او الشخصية البحتة، من خلال الدعاية والاعلام
الفارغ، أما الفعل الثقافي الجوهري، فيبقى محاصرا بالجهل والتخلف.
ومن الاسباب التي تسمح بانتشار الثقافة الدعائية الفارغة، عندما
يتخلى المثقفون الاصلاء عن مشروعهم الثقافي، ويضربون طوق العزلة حول
انفسهم، ويحدّون من تأثيرهم على الاخرين، بسبب حالات الانطواء، وترك
زمام الامور في أيدي الأشخاص او المنظمات التي لا تعنيها الثقافة اصلا،
بقدر ما يعنيها الترويج لأفكارها، والدعاية لنفسها، وفكرها واهدافها
التي تصب في المنفعة الذاتية البحتة، ولا تخدم المجتمع أو مؤسسات
الدولة، حتى الثقافية منها.
إن الفكر الاحادي والمنحى الايدلوجي غالبا ما يلجأ الى هذا الاسلوب
المراوغ في التعامل مع الفعل الثقافي والانشطة الفكرية كافة، لذلك
تتشكل اضرار جسيمة وتنتج مساوئ كبيرة، تشل الدور الكبير الذي يقع على
عاتق الثقافة الاصيلة والقائمين عليها، والسبب دائما تراجع المثقف عن
دوره الفاعل، وترك المبادرات المطلوبة جانبا، والاستسلام لواقع الحال
المرير، متمثلا بسيطرة الثقافة الدعائية وابواقها على الانشطة الثقافية
كافة، بمساعدة النظام السياسي، كونها تصب في خدمته والدعاية لفكره،
فتأتي النتائج مدمرة للثقافة كما بيّنت لنا التجارب القريبة من واقعنا
الراهن. |