طارق الخفاجي عميد الصحافة في كربلاء، في حوار مع النبأ

الأقلام النظيفة تعاني الكثير من الظلم وتواجه التحجيم والعزل

حوار: ميساء الهلالي

 

- لم يوقفني شيء عن متابعة نشاطاتي سوى فقداني لنعمة البصر

- فهم بعض الزوار لأحد المعارض التشكيلية معنى الجملة المخطوطة على إنها مضادة للحجاب

- كنت أسرد الأخبار عن طريق الهاتف

- ضرورة منح الفرصة الحقيقية لكل الاقلام الهادفة والاعلام الحر وعدم تحجيمه لأن الاعلام يختنق اذا ما حوصر وحجم دوره

- كربلاء مدينة مقدسة لا يزال الناس فيها يتذوقون الفن الهادف الرزين المتحفظ بعيدا عن الابتذال

 

شبكة النبأ: لأن الحياة تحمل في طياتها الكثير وتحمل مع ما تحمله طاقات إنسانية فذة برزت على مر السنين، وكانت بداية لما أكمله بعدهم في كافة مناحي الحياة ومجالاتها، فكان لا بد أن نتعرف عن نقطة الإنطلاق الأولى للصحافة الكربلائية وللفن التربوي فيها، هو أول مدير لقسم النشاط المدرسي في كربلاء وأول مراسل لوكالة الانباء العراقية في كربلاء (شخصية مميزة عمل بجد كي يبرز قسم النشاط المدرسي بين الأوساط التربوية والفنية) التقيناه وهو اليوم الرجل الثمانيني الذي أبى إلا أن يستقبلنا بكامل أناقته، فكان لقاءا ممتعا لم نشعر للحظة بأننا نتحدث إلى شخص متعب أو كبير في السن، فقط كان يستذكر سلسلة أحداث حياته وأعماله بتفصيل جميل وكأنها حدثت للتو. ولكي لا يكون الحوار مملا وكأنه استجواب، ارتأينا ان نترك العنان لذاكره شيخ النشاط المدرسي والصحافة الكربلائية ليتحدث إلينا بكل سلاسة وطلاقة.

بداية الكلام كانت مع كلمة أول، فقال الأستاذ "طارق الخفاجي" لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): أنا أول مراسل لوكالة الأنباء العراقية في كربلاء وحتى بلوغي سن التقاعد وأول مراسل لإذاعة بغداد والتلفزيون خارج بغداد، وأول من وضع حجر الأساس لقصر الثقافة والفنون وأخيرا أول مدير لقسم النشاط المدرسي في كربلاء، كان هذا قبل تسلمي لمهامي كمدير لقسم النشاط المدرسي في كربلاء إذ عينت في عام 1959 كمعلم في عين التمر وقد باشرت هناك ليوم واحد ثم تم نقلي إلى مركز مدينة كربلاء ومن ثم انتقلت وباشرت في قسم النشاط المدرسي الذي كان يشمل آنذاك (النجف والكوفة والعباسيات وعين التمر والحسينية) إذ كان لواء كربلاء حينها كبيرا جدا.

ويضيف "الخفاجي": منذ تسلمي لمهامي في قسم النشاط المدرسي قمت بالبحث عن المواهب والقدرات والطاقات لكل من المعلمين والطلاب، ولأن المجتمع كان حينها أكثر تحفظا فقد لاقينا صعوبات كثيرة ولكن رغم ذلك نجحنا في تقديم عروض مميزة وإقامة معارض رائعة والاشتراك في مهرجانات كبيرة للخطابة والشعر، ومن ضمن المعاناة التي لاقيناها في ذلك الوقت هي مواقف تعرضنا لها، مثل المشكلة التي تسبب لي فيها الخط الكوفي حين فهم بعض الزوار لأحد المعارض التشكيلية معنى الجملة المخطوطة على إنها مضادة للحجاب، ولكنها كانت عكس ذلك مما أدى إلى استدعائي من قبل متصرف مدينة كربلاء حينها، كما حدث موقف في إحدى المسرحيات تسبب لنا فيه بعض المغرضين حيث قدمنا عرضا مميزا وبعد انتهاء فصلين من المسرحية همس احدهم بأذن بطلة المسرحية واخبرها بأن والدتها توفيت فأغمي عليها في الحال ولكننا قمنا بتدارك الموقف بأن جعلنا فترة الاستراحة طويلة وأخذنا الفتاة إلى بيتها ولم تطمئن حتى رأت والدتها وعدنا بها لتكمل الفصل الثالث من المسرحية بإبداع متناهي. وغيرها من المواقف الكثيرة التي صادفتني خلال رحلتي في قسم النشاط المدرسي.

أول أستوديو إذاعي

ثم عاد "الخفاجي" بذاكرته إلى ما بعد تلك الأحداث وتحدث لنا عن انجاز آخر قام به فقال لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): بعد ذلك قمت بتأسيس أول أستوديو إذاعي وإذاعة مدرسية وفي كل يوم "خميس" كنت أقدم برنامج من تلفزيون بغداد وهو برنامج مدرسي من مدينة كربلاء، أقوم خلاله باصطحاب مدرستين وفرقة موسيقية ونقوم بتقديم البرنامج، كما أسست أول متحف في كربلاء للتراث والمعاصرة وقد تم افتتاحه على يد رئيس الوزراء (عبد الرحمن البزاز) ومحافظ كربلاء آنذاك، في حي البلدية وقد ظهر خبر افتتاحه في التلفزيون العراقي كخبر مهم اهتم به الإعلام في ذلك الوقت.

ويسترسل "الخفاجي": إضافة إلى ذلك فقد غدوت اكبر الصحفيين سنا وكنت مراسلا أيضا لعدة إذاعات مثل الضمير الجديد، والجمهورية، الحرية وصوت الخليج الكويتية، كما كنا نقيم دورات وندوات صحفية على مستوى الثانويات وحتى المدارس الابتدائية وقمنا بتصدير نشرة للتربية وتصدير نشرة أخرى لعرض النشاطات التي أقيمت خلال العام الدراسي حينها.

وكنا نقوم أيضا بجمع أخبار المحافظة وإرسالها إلى وزارة التربية في بغداد ولم تكن الاتصالات ميسرة كما هي اليوم، فقد كنت أضطر إلى تسجيل نداء إلى بغداد في دائرة البريد والانتظار أكثر من ساعة حتى يتم الاستجابة لندائي وتحويلي إلى بغداد، وكنت أسرد الأخبار عن طريق الهاتف، وبالرغم من عدم تعبيد الطرق آنذاك في كربلاء وصعوبة التنقل بين الأقضية والنواحي إلا إننا كنا نحرص على تغطية كافة النشاطات وإقامة المعارض والمهرجانات والندوات، بعد ذلك أسسنا شعبة للنشاط المدرسي في النجف والكوفة وقمنا بتعيين عضو اتصال أي شخص يرفدنا بالأخبار والنشاطات في عين التمر والحسينية.

* عرف عن كربلاء بأنها حاضنة الفنون والآداب، وما سردته لنا حتى الآن يؤكد هذه المقولة ولكن هل تعتقد بأن كربلاء في الأمس كانت أفضل من كربلاء اليوم من هذه الناحية؟.

- أنا أرى بأن هناك أناس كفؤين جدا اليوم ويعملون بجد ولديهم طاقات كبيرة لتقديم كربلاء بأجمل وجه من خلال الأنشطة الفنية التي تقام في قسم النشاط المدرسي وخارجه ولكن يبدو إن الدعم المعنوي والمادي أيضا غير كافي من أجل تنفيذ جميع الأفكار ولكنني أرى الفن الكربلائي اليوم قد تميز وبرز اسمه سواء على صعيد الفن التربوي او الفن بشكل عام وذلك بعد دعم العتبتين المقدستين للفن الهادف كالفن التشكيلي والفن المسرحي ايضا فضلا عن تقديم الاعمال التلفزيونية من خلال قناة كربلاء الفضائية وان دل هذا على شيء فهو يدل على النضوج الفكري والنظر الى الفن الهادف كرسالة سامية بعيدا عن الابتذال.

* هل لك أن تذكر لنا أبرز النشاطات التي حصلتم فيها على جوائز؟

- نعم فقد حصلنا على الجائزة الأولى في معرض بغداد الدولي، وجائزة عن برنامج تلفزيوني مدرسي أيضا حين كان الأستاذ يحيى السعودي مدير الإذاعة والتلفزيون آنذاك، وكانت هذه النشاطات تقام تحت إشراف الفنان حمودي الحارثي، كما حصلنا على الجائزة الأولى في مهرجان الخطابة وعلى مدى أربع سنوات .

* كم هي الفترة الزمنية التي استغرقها كمدير في قسم النشاط المدرسي؟

- استمر وجودي في قسم النشاط المدرسي منذ نهاية الخمسينيات وحتى منتصف الثمانينات .

* كيف كان الدعم والتعاون المقدم من قبل القائمين على المحافظة حينها؟

- كنا نشرف على المكتب الإعلامي في المحافظة ونشرف على كافة النشاطات فيه ونستقبل الوفود الرسمية من خارج القطر، حتى في الاحتفالات التي كانت تقام في المحافظة كنا أحيانا نقوم بإعداد الكلمة التي يلقيها المحافظ آنذاك أي إن النشاط المدرسي كان غير مقيد وحر في عمله وكان هناك تجاوب كبير من قبل المحافظ والنشاط المدرسي من خلال أي طلب نقوم بتقديمه فالنشاط المدرسي كان واجهة مديرية التربية وحتى الآن فهو وجه المديرية الذي يمكن من خلاله أن تبرز او تفشل، ولكنه عنى خلال فترة النظام البائد من تقييد في عمله من خلال فرض سياسة معينة تماشي النظام وتدعمه ولكنه تخلص منها اعقاب التغيير الذي حل بالعراق وعاد ليبرز وجهه الفني الناضج.

* حدثنا عن ابرز الشخصيات التي التقيت بها خلال رحلتك الطويلة ؟

- أول لقاء أجريته كان مع ملك المغرب محمد الخامس ملك مراكش في حضرة الإمام العباس (ع) أثناء زيارته للعراق، كما التقيت برئيسة وزراء الباكستان بناظير بوتو والتقيت أيضا مع ممثل الجبهة الوطنية الجزائرية عباس فرحان كما التقيت بالرئيس عبد السلام عارف وصباح السالم الصباح أمير الكويت وموسى تراوبي وموديبا وشارل الحلو والمختار ولد دادة، وهواري بو مدين وعبد العزيز بو تفليقة وزير خارجية الجزائر وامين عباس هويدة رئيس وزراء ايران وصلاح الدين البيطار وجعفر نميري رئيس جمهورية السودان وصادق المهدي واحمد اوبيلو رئيس وزراء نيجيريا وجعفر النويلي وشخصيات أخرى كثيرة لا تحضرني الآن.

أما من الفنانين فقد التقيت بعدد كبير من الفنانين المشهورين في مصر حينها مثل أمينة رزق ويحيى شاهين وعبد الله غيث وغيرهم، "يتوقف عن الكلام لبرهة ويتمتم بينه وبين نفسه مستذكرا أيامه الخوالي"، ثم يكمل كانت أيام رائعة بالفعل، كل ما فيها نقي وجميل، ومن يعملون كانوا يعملون بجد وبجهد متواصل وحب للعمل، كان العطاء في ذلك الوقت لا يتوقف وكانت كربلاء تتفجر بالطاقات الفنية والأدبية حتى أخرجت أبرز الفنانين المعروفين اليوم وفي كافة المجالات.

اصدارات

اصدر "الخفاجي" كتبا عديدة عن المناطق الآثارية والسياحية في كربلاء وكان آخرها (كربلاء بين التراث والمعاصرة) ولديه بعض المخطوطات ابرزها كتابه المخطوط (إداريون ومحافظون عرفتهم) وهو يتضمن انطباعات حية عن متصرفي ومحافظي كربلاء بدءا من (نعيم ممتاز لدفتري) الى ( صابر عبد العزيز حسين الدوري). ويشير الى، ان "هذا الكتاب هو بمثابة سجل لإدارياتهم سلبية كانت ام ايجابية مؤكدا انه سيرى النور قريبا نظرا لحاجة المكتبة العربية عموما والكربلائية على وجه التحديد الى مثل هذا الكتاب لأنه يوثق جزءا مهما من تاريخ المدينة".

كما وذكر عميد الصحافة ايضا انه كان يوفد بشكل مستمر الى القاهرة لتسجيل لقاءات حصرية بإذاعة بغداد مع شخصيات سياسية وفنية وفكرية وكان ابرزها لقاءه مع الدكتور احمد زكي الكاتب المصري المعروف ورئيس تحرير مجلة العربي في حينها.

نكسة حزيران

اثرت نكسة حزيران على العرب عموما وتركت طابعا سلبيا بقي لفترة طويلة ولأن "طارق الخفاجي" كان انسانا وطنيا فقد قاد في وقتها اول حملة تبرعات لجمع معونات غذائية وطبية للشعب الاردني وكانت كربلاء السباقة في تلك المبادرة والاول على المحافظات العراقية مما شجع المحافظات الأخرى لتحذو حذوها. ويتابع "الخفاجي" متحسرا على اضطراره الى الابتعاد عن النشاط الصحفي والفني في كربلاء، لم يوقفني شيء عن متابعة نشاطاتي سوى فقداني لنعمة البصر ولولاها لكنت حتى اليوم أعمل بجد في مجالي الذي أحبه كثيرا مؤكدا على، ان رحلته الطويلة في هذا المجال كان لها الاثر الواضح في نفوس الناس.

الإعلام النظيف والفن الهادف

في حديثنا المطول مع الاستاذ "طارق الخفاجي" نوه الى، ان الإعلام اليوم يواجه حربا شعواء فالأقلام النظيفة تعاني الكثير من الظلم وتواجه التحجيم والعزل احيانا لأنها تقول الحقيقة وليس سواها بينما هناك من تسلقوا على اكتاف العمل الإعلامي وهم ليسوا بذوي اختصاص ولم ينتموا يوما الى القضية الاعلامية الحقة وشوهوا صورة الاعلام، داعيا من جانبه الى ضرورة منح الفرصة الحقيقية لكل الاقلام الهادفة والاعلام الحر وعدم تحجيمه لأن الاعلام يختنق اذا ما حوصر وحجم دوره، مؤكدا ايضا على ان مكانة الفن في كربلاء لا تزال محفوظة نظرا الى ان كربلاء مدينة مقدسة لا يزال الناس فيها يتذوقون الفن الهادف الرزين المتحفظ بعيدا عن الابتذال.

أخيرا فقد اعتذر لنا الأستاذ "طارق الخفاجي" كونه لم يستعد جيدا للقاء لأنه فوجئ به وإلا لكان قد زودنا بالصور التذكارية عن رحلته الطويلة ولتمكن ايضا من إستذكار أحداث أخرى مرت في حياته خلال مدة عمله في النشاط المدرسي والاعلام. ولكن ما يحمله الخفاجي من روح الدعابة والطرفة أضاف إلى لقائنا معه نكهة رائعة لا تنسى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آذار/2014 - 30/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م