تضاؤل سقف الحريات في الديمقراطيات الناشئة

ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل للحرية حدودها في التجارب الديمقراطية الراسخة؟، انها مقدسة تلك الحرية، لا يمكن المساس بها او تقييدها، طالما لا تزدري اديان الاخرين، او تحاول تهديد السلم الاجتماعي.

في نظم الحكم المختلفة التي حكمت على مدار عقود متعددة بلدانها، اتخذت من وسائل الإعلام أداة للسيطرة وتوطيد السلطة، ومن خلال سيطرتها الإعلامية شددت قبضتها الحديدية وعقوباتها القاسية على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية التي حاولت ان تتجرأ على تحدي سلطاتها. قبل ثلاثة أعوام تقريبا، ومع الانتفاضات العربية، انطلق نوع جديد من الحراك الذي أتاح للناشطين تحدي الوضع الراهن والتغلب على القنوات الإعلامية القديمة الخاضعة لسيطرة الحكومة. واكتسبت صحافة المواطن أهمية كبرى خاصة بعد أن تعلمت المؤسسات الإعلامية في العالم العربي أن تتقبل فكرة الطبيعة المتغيرة للمعلومات والأخبار.

لكن هذه الحريات في الديمقراطيات الناشئة، وخاصة الفردية منها، مثل حق التعبير او التفكير او الاعتقاد، تعاني من عدد من التحديات والمعوقات التي تحاول تقييدها او الغائها، لما تشكله من خطر على النظام السياسي، او جملة أنظمة ثقافية أخرى، لا تفهم من الديمقراطية الا بمقدار اتخاذها وسيلة للوصول الى السلطة ودون ايمان منها بتبادلها.

في العراق الذي يعيش معضلة الانتقال الديمقراطي منذ عشر سنوات، وتتصارع فيه قوى سياسية ودينية وثقافية، يعيش هامشا مقبولا من الحريات مقارنة بدول أخرى محيطة به، الا ان هذا الهامش، آخذ بالتضاؤل تدريجيا، لان المتحكمين في المشهد السياسي والمشاهد الأخرى، لا يرتضون ان يتسع هذا الهامش ليشكل متنا راسخا في البنيان الديمقراطي، خوفا على مصالحهم وحماية لاستثمارهم السياسي او الاجتماعي او الديني، الذي لا ينسجم تمدده وتغوله مع مفاهيم حقوق الانسان، وخاصة الفردية منها وشديدة التطلب.

حول هذا الموضوع واشكالات أخرى كان ملتقى النبأ الأسبوعي الذي طرحت فيه جملة من الآراء، للحفاظ على هذا الهامش الممكن والمتحقق من الحريات.

بدأ مرتضى معاش رئيس شبكة النبأ المعلوماتية في الحديث، منطلقا من مفهوم السلطة، والتي رأى انها في العراق تستحوذ على تفكير الفاعلين السياسيين من خلال الصراع بين الاخرين على امتلاكها، وامتلاك المساحة الأكبر منها، منطلقين من دوافع سلطوية مقدمة في الكثير من الأحيان على الدين او المذهب، والذي يكون مجرد وسيلة للحصول عليها. إضافة على تقديمهم لمصالحهم الفئوية الضيقة، من هنا كما يرى معاش فان ما يتبدى صراعا طائفيا هو في حقيقته صراع فئوي مصلحي، لا علاقة للطوائف به. ويخلص مرتضى معاش الى نتيجة في حديثه عن السلطة، وهي ان استخدام الدين او الطائفة في الصراع عليها، هو من اجل تعضيد السلطوية وتراكم المال والذي يؤدي الى تغول القائمين عليها.

على العكس من ذلك، كما يرى معاش، ان بعض الديمقراطيات الغربية لا تسمح بمثل هذا التغول في السلطة والمال، فهي كثيرا ما تقف بوجه ذلك، وتضع حدودا لهذا التغول توقفه عند القواعد المتعارف عليها في الممارسة. ويستشهد بمثل لذلك وهو روبرت مردوخ وإمبراطوريته الإعلامية التي تغولت كثيرا وحاولت الخروج على قواعد التعامل الديمقراطي مستفيدة من سلطتها الإعلامية ورؤوس أموالها.

ويرى معاش، ان الوعي الشعبي في بلد مثل العراق، ونتيجة لتدني مستوياته، يساعد على تراكم السلطة والمال، ويرى ان سبب ذلك اجتماعي يعود بالأساس الى نظرة الفقير الى الغني، ومحاولة تقليده في الكثير من الأمور الحياتية، التي يطمح من خلالها ان يتشابه معه، مع احساسه بالحقد عليه والإحباط منه، الا انه حقد واحباط لا يرتقي الى درجة الاحتجاج والثورة عليه.

في حديثه عن الاعلام والحريات، يرى معاش ان الاعلام بمعناه الذي استقر عليه، هو الشفافية والوضوح، وليس الخوف من طرح الأفكار. وهو يعني أيضا الاعتراف بالاخطاء التي تقع فيها الحكومات واصلاحها.

والحرية كما يعبر معاش، مقدسة، وقاعدتها الراسخة والمتجذرة موجودة لدينا في القران الكريم والحديث والسنة، وهو يرى اختلافا عميقا وجوهريا بيننا وبين الغرب حين يعقد مقارنة بين الحريات الموجودة لدينا وبين ما موجود لديهم، انه الاختلاف في التفكير.

 يختم معاش رؤيته حول السلطة والحريات، بقوله ان المعترضين على انتهاك الحريات يجب ان لا يبقوا لوحدهم في الميدان، بل يجب الوقوف معهم في احتجاجاتهم واعتراضاتهم، وهو يفكر بالاجيال القادمة وكيف سيكون وضعها لو ان اباؤهم تنازلوا عن سقف الحريات وقبلوا بالطغيان، ولم يقاموا هذا النهش المستمر لحرياتهم. يختم معاش قائلا: من يؤسس للمنهج القمعي يقع ضحيته.

في مداخلة احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى ان بعض المؤسسات الدينية، اخذت بعد العام 2003 من توسيع مجالات نفوذها في الاستثمارات الاقتصادية والإعلامية، مستفيدة من دعم الدولة لها، واسست لها حضورا نافذا في (السلطة السياسية) على حساب بقية مؤسسات الدولة التي تعاني من الضعف والتهميش، مما يؤدي الى عدم تطبيق القوانين، أو تطبيقها بازدواجية، وانسحب ذلك على اهم سلطة وهي السلطة القضائية، التي أصبحت خاضعة للسلطة السياسية، مثلها مثل بعض النقابات وبعض منظمات المجتمع المدني، الذي يرى جويد انها تسير نحو نهاية دورها، على العكس مما يفترض ان تقوم به وهو تنظيم الطبقات الوسطى وجعلها قوة دافعة للتغيير في المجتمع.

يقترح احمد جويد ان تتمتع كل المؤسسات المستقلة بالشجاعة لمواجهة ما يراد لها.

وفي الجانب الإعلامي يقترح القيام بالتنسيق بين وسائل الاعلام، وخلق نوع من الاتحاد بينها، والعمل على التنسيق مع وسائل الاعلام الأخرى.

إضافة الى تفعيل ما موجود أصلا ولو بحده الأدنى، كما يجب تفعيل دور مراصد الانتهاكات التي تعترض على تلك الانتهاكات كي تولد ضغطا مستمرا على أصحاب القرار السياسي، من خلال استغلال المساحة المتوفرة لدينا من الحريات.

الدكتور علي ياسين التدريسي في جامعة كربلاء، في تعقيبه على الكلام السابق، يطرح تساؤلا يراه مهما ومحوريا فيما يتعلق بالاعلام والحريات، وهو: لماذا تريد بعض المؤسسات السيطرة المطلقة على الاعلام؟ يرى ياسين ان الصراع على السلطة غريزي حتى لدى الحيوانات، وهو لدى الانسان يأخذ مجالات أخرى حول النفوذ ومداه.

يتحدث علي ياسين عن المجتمعات الديمقراطية، والتي تعد حرية الصحافة ابرز تمظهراتها وتجلياتها، التي لا يمكن وضع القيود عليها، ولا يمكن منعها من تناول أي قضية تهم المجتمع وتكشف عن فساد طبقته الحاكمة، وهو في كلامه يستشهد بالصحافة الامريكية التي كتبت عن فضيحة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا بولانسكي، والتي نشرت أيضا وقائع الاستجواب في القضية، وأثبتت الصحافة الأمريكية ان لا احد فوق القانون حتى رئيس أمريكا نفسه.

في واقعنا السياسي العراقي، يرى ياسين أن جميع المؤسسات الحرة قد اخذت تفقد حريتها نتيجة لمحاولات الحكومة من الهيمنة عليها، والاستئثار بالسلطة ومصادرة الحريات.

هذا الواقع نابع من البنية الذهنية للمجتمع العراقي، والتي تخضع لكل من لديه سلطة وقوة، وتنمي ذلك فيه، فأي جهة في العراق، ورغم اختلاف عناوينها او متبنياتها الفكرية، ستتصرف بهذه الطريقة لو حازت على سلطات أوسع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آذار/2014 - 30/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م