مخاطر الأفكار المتطرفة على البناء المجتمعي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يعدّ التطرف بكل أشكاله نتيجة حتمية للأفكار المتعصبة، لهذا ينصح المصلحون والمعنيون بالبناء المجتمعي الأفضل، بأهمية تجنب الفكر المتعصب، حتى لا تنمو جذور التطرف في تربة المجتمع، وتشكل عائقا أساسيا بوجه المجتمع، ومنعه من الاندماج في المجتمعات المتطورة والتناغم معها فيما يتعلق بمستجدات العصر في التقانة والتعامل الحيوي مع الابتكارات العالمية الحديثة، وبهذا يمكن أن نبني مجتمعا يرفض التطرف، ويضع حاجزا، بل سدّا منيعا أمام الفكر المتعصب المنتِج لكل المواقف والافعال المتطرفة.

وقد لا يرى بعضنا تلك المخاطر الخفية للأفكار، وربما نستخف بالآثار التي قد تنتج عن الفكرة، لكن النتائج التي تنتهي إليها الافكار، غالبا ما تؤكد الفعل الكبير والتأثير الخطير للافكار في واقع الحياة البشرية ككل، إذ من الممكن جدا، أن تتحول فكرة متعصبة، الى سلاح يفتك بالمجتمع ويحد من تطوره، بل ربما يعيده الى قرون مضت من حيث الجهل والتخلف، والابتعاد عن التقانة ومزايا العصر، ولكن اذا تعامل الانسان بالصورة الصحيحة مع الفكر، وقرر الانتماء الى التغيير والتطور وتنمية أواصر الاندماج والتعايش والتنوع والقبول وما شابه، فإن الفكر سيكون داعما للمتغيرات المهمة المطورة للمجتمع .

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، في كتابه الموسوم بـ (الشورى في الاسلام) حول هذا الجانب: (إنّ الفكرة التي تنتجها قد تكون سلاحاً مدمراً، أو وباءً ينشر الفساد والرذيلة في صفوف الناس، لكنها أيضا تنتج الأفكار العملاقة المغيّرَة للحياة. وهكذا كانت الأفكار من قديم الزمان.. أفكار تدمّر وأفكار تبني.. أفكار تقضي على الوجود وأخرى تبني صرح الحياة).

إيقاع الظلم بالآخرين

إن الاذى الكبير للتطرف، يكمن في حالات الظلم العقيمة التي يتسبب بها أصحاب هذا الفكر وهذا المنهج للآخرين، لذلك فإن المتطرفين غالبا ما يفتقرون للرؤية الانسانية السليمة التي تدفعهم للتعامل السليم مع الأفراد أو الجماعات المناقضة لهم في افكارهم ووسائلهم، لاسيما اذا عرفنا، أن الفكر المتطرف ومن يحمله، يرون ويعتقدون بصورة قاطعة، أنهم الأفضل والأصحّ، وهم في الغالب لا يعترفون بالمساوئ والمخاطر التي يتسببون بها للاخرين، خاصة ما يتعلق بالعوائق والمشكلات الكبيرة التي تقف بالضد من تطور المجتمع وتحد من فرص التقدم في مجال البناء المجتمعي الأمثل. لهذا رفضت المبادئ الاسلامية جميع اشكال التطرف، التي تتسبب بها الافكار المغلقة الرافضة للتآزر الانساني بأشكاله المتعددة.

يقول الامام الشيرازي، في منهجه المعروف بـ نظرية اللاعنف: (إن الإسلام كدين ونظام كوني ومنهج حياتي يقف من التطرف والعنف والإرهاب والعدوان والتعسف موقف المضاد فكرة وسلوكاً) نظرية اللاعنف. وعندما نحاول البحث في اسباب التطرف، وانتشار التعصب في بعض المجتمعات العربية والاسلامية، فإننا لابد أن نعود الى طبيعة البيئة التي تنمو فيها مثل هذه الافكار، وما يرافقها من عوامل جهل وتخلف وحالات انغلاق وعزلة، مع الاعتداد الخاطئ بالذات، ورفض التحاور مع الاخر، بحجة الخطر من الذوبان في ثقافة ذلك الاخر.

ولعلنا نتفق على أن معالجة الذوبان الثقافي، لا تتم بالانغلاق عن العالم!، لأن التطرف بكل اشكاله غالبا ما يكون وليد العزلة عن المجتمعات المتقدمة، وفقدان الاستفادة من التجارب الانسانية المتقدمة، واذا قرر قادة القوم وكباره، إقامة الحواجز والجدران لعزل الامة او المجتمع عن محيطه البشري، فإن النتائج معروفة سلفا، لأن الوقائع تشير بقوة الى أن بؤر الارهاب والتطرف تنطلق من حواضن مجتمعية منغلقة على نفسها!.

لا للقسوة والتعسف

يتفقد علماء النفس على أن القسوة وليدة فقدان الانسان للألفة والبيئة المتعاونة، فعندما يترعرع البشر في واقع أحادي يعزل ذاته عن الاخر، سوف يفتقر للعلاقات الانسانية الطبيعية، وهذا سيشكل دافعا للتعسف وايقاع الظلم بالاخرين، لذا من العوامل الاساسية التي تساعد المجتمع على البناء السليم، ابتعاده عن العزلة، والبحث الدائم عن فرص الاندماج بالمجتمع البشري الاكبر مع الحفاظ على الخصوصية، حتى يضمن محاصرة التعصب والتطرف من خلال الانفتاح المحسوب، والتحاور الانساني الذي يحد من التطرف.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن الدين الإسلامي لا يؤمن بمفهوم التطرف أو مفهوم المعاملة السيئة أو إيقاع الظلم بالآخرين أو استخدام القسوة أو التعسف ببني الإنسان). لذلك ليس أمام المسلمين سوى تعزيز فرص التعامل الانساني السليم، لتحقيق وتنمية ركائز البناء المجتمعي السليم، لذا فإن الجميع مطالبون بنبذ الاسباب التي تؤدي الى تنمية بؤر التطرف، ولعل أهم هذه الاسباب، حزمة القيم الانسانية مثل التسامح والتنوع والقبول والتعايش، وهي سمات تعزز البناء المجتمعي الامثل، وهو ما جاء في رؤية الاسلام لكيفية محاصرة التطرف.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (إن أفعال العنف بأنواعه التي تقع في المجتمعات وتستهدف الآخرين، والتي قد تبلغ أحياناً مستوى من التطرف والشدة أو الخروج عن القوانين. تعد خروجاً عن الدين وتعاليمه السمحة ودعوته إلى السلم والسلام).

من هنا فإن الامام الشيرازي (رحمه الله) يحثنا في عموم مؤلفاته بصورة عامة، وعلى وجه الخصوص في نظريته المعروفة عن اللاعنف، على التعقّل، والتدبّر، واللّين، والعمل المبرمج و المتواصل، من اجل محاصرة بؤر التطرف ونبذ التعصب، والاتصاف بالاخلاق التي ترتفع بقيمة الانسان، حتى يتفرغ الجميع لبناء المجتمع، بما يحقق حالة التقارب مع المجتمعات الاخرى، لكي نعيش العصر بكل ما ينطوي عليه من مزايا ومكتشفات وتقدم، مع الحفاظ على الجوهر الاسلامي الخلاق لمجتمعنا.

لذلك يقول الامام الشيرازي: ينبغي نبذ التطرف والتعصب و(الإتّصاف بالأخلاقيات الرفيعة، كما قال سبحانه:

*كُنْتُمْ خيْرَ اُمَّةٍ اُخرِجَتْ لِلنّاس تَأمُرونَ بِالمَعْروف* كالتعقّل والتدبّر واللين والرفق والتعاون والإخلاص والتشاور والتّحابب وغير ذلك - وَتَنْهَوْنَ عن المُنْكَر- وعن العنف والقسوة والإستبداد والفرقة والتباغض والتشاحن وغيرها، فقد ورد في الحديث: تخَلَّقُوا بِأخلاقِ اللّه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/آذار/2014 - 30/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م