بسبب أنه لم يتم اختياره لاتخاذ قرارات سهلة، فإن رئيس الوزراء
الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود "بنيامين نتانياهو" يحوز على تأييد أعداد
كبيرة من الإسرائيليين، فيما يتعلق بقيادة الدولة بشكلٍ عام، على الرغم
من أن سياسته وعلى المستويين المحلي والخارجي، لدى الفلسطينيين على
الأقل، توحي بأنه يعاني وبشدّة من أمراض نفسية وانفصامية مختلفة، لا
سيما بسبب ميوله بقوّة، للبعد عن الواقع، بخصوص نظرته الاستعلائية
للذات اليهودية، وقياساته الدونيّة لغير اليهود وبخاصة باتجاه الشعب
الفلسطيني. حيث يرى أن الشعب اليهودي فقط، هو المنوط بالحماية والرعاية
– المثاليتين- في أماكن تواجده في أنحاء العالم، وسواء كانت تلك
الحماية مسؤولة من قِبل حكومات الدول التي تعيش الجماعات اليهودية
فيها، أو من قِبل الدولة الصهيونية على نحوٍ خاص.
منذ وصوله إلى حكم الدولة، كان اتبع "نتانياهو" سياسة متناقضة جداً
باتجاه الأفراد اليهود من جهة والشعب الفلسطيني وخاصةً فلسطيني 48 من
جهةٍ أخرى. فخلال سياسته باتجاه تحمّله مسؤولية حماية اليهود، ليس في
إسرائيل وحسب، بل في أنحاء العالم (على اعتبار أن دولة إسرائيل لم تقُم
في الأصل، إلاّ بهدف ضمان أمن الشعب اليهودي)، كان قد سار إلى كل السبل
في فرض التطبيقات العملية في هذا الشأن، وسواء في تلك التي اعتمدت على
اتفاقات ثنائية مع الدول الحاضنة للجماعات اليهودية، حيث تتكفّل من
خلالها وتأخذ على عاتقها، بإنزال أشد العقوبات ضد الأشخاص الذين يلجؤون
أو لديهم النيّة بالمس بأشخاص يهود أو مصالح يهودية، وهناك الكثير من
العرب والفلسطينيين ما زالوا محتجزين منذ الأزل وإلى ما لا نهاية في
السجون حول العالم، نتيجة مدافعتهم عن حقوق الشعب الفلسطيني، التي قامت
بمصادرتها الدولة الصهيونية أمام مرأى الجميع الدولي.
ومن جهةٍ أخرى تقضي تلك التفاهمات على تغاضي تلك الدول عن عمليات
إرهابية إسرائيلية ضد عرب وفلسطينيين تقوم على أراضيها كما حدث الكثير
منها وعلى سبيل المثال، لجوء العديد من الدول إلى طي ملف قضية استشهاد
"محمود المبحوح" القيادي في حركة (حماس) الذي تم استهدافه على أراضي
دولة الإمارات العربية من قِبل الموساد الإسرائيلي منتصف يناير/كانون
الثاني 2010.
أيضاً، لا يُخفي "نتانياهو" تباهيه باللجوء إلى تنظيم عمليات
مخابراتية وأمنية مشتركة، تهدف إلى صدّ أخطار احترازية ضد الجماعات
والمصالح اليهودية، من خلال العمل على تكثيف التواجد الأمني الإسرائيلي
السرّي والعلني، كما هو حاصل في العديد من الدول الصديقة، والتي لا
تربطها أيّة علاقات معها.
كما أن من سُبله الواسعة والميسّرة في هذا المجال، الاعتماد على
القيام بعمليات نوعيّة إرهابية ضد دول وأفراد مشتبه بهم أو في مقصدهم
الإضرار باليهود، كما حدث وأن هاجمت إسرائيل العديد من الأهداف
الفلسطينية في الداخل وفي مختلف الدول الأخرى بدعاوى انتقامية تارة
ولإحباط هجمات ضد الجماعات اليهودية تارة أخرى، كما حدث – مثلاً- في كل
من أفغانستان والعراق والسودان وسوريا ولبنان وغيرها.
وكان جدد "نتانياهو" تأكيده على تحمّله مسؤولية المدافعة عن الشعب
اليهودي بكافة الطرق والوسائل جميعها، وذلك خلال رده على التساؤلات
المختلفة، حول ما نُشر عن قصف سلاح الجو الإسرائيلي لموقع تابع لحزب
الله اللبناني على الحدود السورية اللبنانية خلال الأسبوع الفائت، حيث
أكّد بأن إسرائيل سوف تستخدم كافة الطرق والوسائل للدفاع عن مواطنيها.
كان ما يسنُد مواقف "نتانياهو" وقراراته، في هذا الصدد، هي درجة
المغالاة في القيمة اليهودية لدى اليهود في مقابل غيرهم والعرب بوجهٍ
خاص، إلى جانب مواتاة الظروف والبيئات في أغلب الأحايين، وكأنها سُنّة
باتت باقية منذ الأزل، حيث تبدو مناسِبة لتحقيق مآربه وعلى أي جانب.
على سبيل المثال، كان سهلاً عليه إصدار المزيد من أوامره بالعمل
سياسياً ضد سوريا وحزب الله، ومن ناحيةٍ أخرى لجوؤه من غير ضرورة إلى
تعمّد تنفيذ هجمات عسكريّة باتجاههما على مدار العامين الماضيين، لعلمه
مُسبقاً بافتقارهما إلى إمكانية الرد المماثل، أو القيام بصد الهجومات
الإسرائيلية على الأقل، بسبب انشغالهما بالحرب الدائرة. وكان سهلاً
عليه أيضاً، قيامه بإرسال طائراته الحربية إلى الشرق البعيد حيث العمق
الأوكراني وتحليقها فوق - ما يقول - بأنها معسكرات الإبادة النازية ومن
ضمنها (أوشفيتس) وإنزال ضباط أمن وفرق كوماندوز إسرائيليين مدربين،
لحماية الجالية اليهودية والدفاع عنها في ظل خشية كبيرة – كما الزعم
الإسرائيلي- من ارتفاع وتيرة الأعمال اللاسامية والمتطرفة، التي تقوم
بها منظمات أوكرانية معادية في مدن البلاد، على اعتبار أن ذلك الإجراء،
هو رسالة واضحة، مفادها أن دولة إسرائيل مسؤولة عن أمن يهود العالم،
وأنها ستعمل على ضمان هذا الأمن، وقد حانت اللحظة التي تستوجب ترجمة
هذا الشعار إلى فعل وتدخل إسرائيلي مباشر.
وبالمقابل، لم يفتر "نتانياهو" ساعة، عن القيام إلى تعزيز الفكرة
الإسرائيلية القائلة، بأن لا وصاية لأحد غير إسرائيل على فلسطيني ألـ
48– كما يسميهم فلسطينيّ إسرائيل- ولم يتوانَ عن صدّ أيّة مطالبات
فلسطينية بإشراكهم في الحياة السياسية الفلسطينية، أو بالتواصل معهم في
جملة الأمور الاجتماعية والثقافية والفكرية الخاصة بهم، أو بالمدافعة
عن حقوقهم، والاستفسار عن ظروف معاناتهم، فهو وعلى الرغم من أنه لا
يطيق أحد منهم، ويُودّ لو أنهم ذهبوا فجأة من أمام عينيه، فهو يتسبب في
أنهم عرب إسرائيليين ويحملون الهويّة الإسرائيلية، وإسرائيل فقط هي
المخولة الوحيدة والمسؤولة عنهم، ولا شأن لأيّة جهة فلسطينية أو عربية
أن تتصدر مسألة اقحامهم في أيّة مواضيع سياسية كانت أو اجتماعية، على
الرغم من أن قضية فلسطيني الداخل تعتبر قضية حساسة جداً وخاصة فيما
يتعلق بحقوقهم التي تضمنها – كما يُقال- الأعراف والمواثيق والقوانين
الدولية، حيث شكّلت مسائلهم وقضاياهم منعطفات هامة، ألقت بظلالها على
مصير المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية، وخاصةً فيما يتعلق بمسألة
إطلاق سراح الأسرى منهم.
يأتي على تطبيق تلك الإجراءات، وهو يعلم – نتانياهو- بأنه لا يتبوّأ
إلاّ مركز الخطأ، وبأنّه ليس على حق بشأن اعتمادها أو في كل ما يصدر
عنه في هذا الصدد، باعتبارها نابعة من عنصرية متجذرة وقوّة متغطرسة ليس
إلاّ، حيث يتبيّن ذلك من خلال عدم سماحه بالتواصل الفلسطيني-
الفلسطيني، ويُسارع إلى اختراق سيادة الدول والتدخل في شؤونها، بحجة
تقديم الحماية للجماعات اليهودية، مع أن تلك الجماعات هي تابعة لتلك
الدول، ويحملون جنسياتها، ولا يحق له حسب القوانين الدولية والأدبية،
القيام بإلزام نفسه بالتكفل بكل ما يتعلق بحمايتهم وتأمين سلامتهم،
ولكنّه - مع الأسف - يلقَ الدعم والمساندة من جهات ودول مسؤولة، على
الرغم من أن تلك الجهات ذاتها تعلم باليقين، بأن المطالبات الفلسطينية
الخاصة بالتواصل مع فلسطينيي الداخل، هي حقوق أصيلة، تابعة للشعب
الفلسطيني، وتعلم أيضاً بأن تلك المطالبات تأتي في إطار (السلام)
وبالاعتماد عليه، إلاّ أنها لا تُلقي لها بالاً، ولا تُعيرها أي
اهتمام.
* خانيونس/فلسطين |