أخلاقيات التغيير.. الحاكم والمعارضة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا تتوقف اخلاقيات التغيير عند افراد المجتمع بمعزل عن ادوارهم ووظائفهم، من سلوكهم اليومي والعادي فيما بينهم من تعاملات وتواصل، انه يتعدى ذلك الى أدوار البعض منهم ووظائفهم كحكام وولاة أمور، او محكومين وتابعين لأوامر الولاة.

ما يجمع القسم الأول هو اخلاقيات الحاكم، وما يجمع القسم الثاني هو اخلاقيات المحكوم أو المعارضة في الاصطلاح السياسي الحديث.

الموضوع وما يتعلق به لعله أقدم الموضوعات الذي تناولته الكتابات الاولى في التأسيس الفكري السياسي، رغم عدم اتساعه وشموله كما هو حاصل الان.

من افلاطون وجمهوريته، الى الماوردي واحكامه السلطانية، مرورا بالفارابي ومدينته الفاضلة، وليس انتهاءا باخرين، وخاصة في الفكر السياسي الإسلامي، والتي اكدت على العلاقة بين الحاكم والمحكوم واخلاقيات التعامل بين الاثنين..

في عالمنا العربي والإسلامي، ونتيجة لقرون طويلة من الاستبداد والطغيان، بسبب ممارسات الحكام، بدءا من الانحراف الأول في الاستحواذ على الحكم وممارسته، وصولا حتى اللحظة الراهنة، لحظة الانتفاضات العربية ونتائجها التي آلت اليها، خلقت نوعا من الفجوة التي لا يمكن ردمها بسهولة بين الحاكم والمحكوم والاخلاقيات التي تؤطر العلاقة بينهما.

لعل ابرز سبب يمكن تتبعه والعثور عليه في كل الحقب التاريخية التي ساهمت في تشكيل صورة تلك العلاقة المشوهة، هو تغييب المثل والنموذج الذي يجب الاقتداء به في تلك العلاقة، وهو الحاضر بقوة في مثلين اثنين، هما رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والامام علي (عليه السلام).

المثل والنموذج، هو العودة الأبدية التي يلجأ اليها جميع علماء الشيعة ومراجعهم، كإمكانية قائمة لتطبيق تلك الاشكال لعلاقة الحاكم بالمحكوم.

في كتاب من عبق المرجعية، يقارب المرجع الديني السيد صادق الشيرازي تلك العلاقة، ومن خلال المثل والنموذج العلوي الذي توقفت تجربته بعد خمس سنوات من المبايعة والاجماع عليه، من قبل المهاجرين والانصار.

في تجربة الحكم تلك، يقدم الامام علي (عليه السلام) الصورة المثالية لما يجب ان يكون عليه الحاكم في تعامله مع المعارضين له، وهي هنا اخلاقيات الحاكم، مع ما يقابلها من اخلاقيات المعارضة التي يكتب عنها السيد المرجع الشيرازي في كتابه المذكور سابقا، فهو عليه السلام، (لا يأمر بقطع رؤوس المعارضين، وهو الحاكم الأعلى الذي بايعته الامة قاطبة، ناهيك عن كونه منصبا من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبامر من العلي القدير) رغم ان تلك المعارضة له لم تكن تملك حتى الحد الأدنى من الاخلاقيات، والذين ابتلي باصحابها، الذين كانوا (ذوي نفسيات وضيعة) تنعكس على قولهم وفعلهم المعارض، فهي (ترد عليه وتقطع كلامه وتجادله بالباطل بل تتطاول عليه)، لكن حاكما مثل الامام علي (عليه السلام) لايقابل باطلهم بباطل يستعين به، أو حتى يفكر ان يصادر حقهم في الاعتراض، رغم بطلانه،  بل كان (يجيبهم ويترك لهم حرية العقيدة مالم يتآمروا ويلجؤوا الى استعمال القوة والسيف).

موقف الامام علي (عليه السلام) الأخلاقي حين اصبح حاكما، هو نفس موقفه الأخلاقي في معارضته لمن سبقوه، وهو تحصيل حاصل، لما تعلمه ومارسه طيلة حياته، وهو موقف مبدئي لا يتأثر بالظروف او الازمان او المواقع.

رغم شدة المعارضة التي نهضت في وجهه بعد ان اصبح حاكما لرقعة جغرافية واسعة، الا انه  (كان يدفع من ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب واراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها). انه محض دفاع فقط، وليس استمرارا في حرب يراد منها التنكيل بالخصوم بعد توقفهم. فما (إن يتراجع الخصم أو ينهزم حتى يتوقف الامام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه، وهو (عليه السلام) لم يبدأ احدا بقتال ابدا، وهذا الامر مشهود في تاريخ امير المؤمنين علي (عليه السلام).

تقوم المعارضة ووفقا لاشتراطاتها الأخلاقية على هدف رئيسي هو نفع الناس، والاحتجاج على الحاكم اذا بدر منه ظلم ضد المحكومين، وهي أيضا يجب ان لا تستعير نفس الأساليب والطرق التي يمارسها الحاكم واقتضى ذلك منها الاحتجاج عليها، انها في هذه الحالة ستقع في مازق أخلاقي خطير، يسحب منها شرعية احتجاجها ومشروعية أهدافها.

في التجربة العلوية، لم تكن المعارضة تستهدف نفع الناس، أو تحتج على ظلم وقع عليهم، انها معارضة لشخص الحاكم لانه علي بن ابي طالب (عليه السلام) وامتدادا لمواقف شخصية هي اقرب الى النفاق والباطل منها الى الصلاح والحقيقة.

لم يخرج عليه كمعترضين، الا المنافقين الذين ضل سعيهم، وهم امتداد للتجربة النبوية، في الدعوة او الحكم، والذين رافقوا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في مكة او المدينة، لكن رغم ذلك، فان (سياسة الامام التي هي سياسة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، والاسلام ومنهجهما في الحكم هو ان لا يستخدم سيف التخويف، ولا يقال عن المعارضين للحكم انهم منافقون، وان كانوا هم منافقين حقا).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/آذار/2014 - 29/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م