إنتحار جماعي في أوكرانيا

هادي جلو مرعي

 

وأخيرا سقط نظام الحكم المخادع في أوكرانيا الذي كان يضع قدما في موسكو وأخرى في مقر من مقرات الإتحاد الأوربي، بينما تجد روسيا نفسها في وضع حرج للغاية، وعليها أن تعمل لوقف زحف المتطرفين اليمينيين الذين يحتلون كييف الأن والمسماة (أم المدن الروسية) ويعطلون البرلمان ويرغمون أعضاءه على إصدار تشريعات تشبه مايسميه الليبيون (قانون العزل السياسي) أوما أطلق عليه العراقيون قانون المساءلة الذي يبعد كل مناوئ، أو من ثبت ولاؤه للنظام السابق، ومثل هذا في مصر.

هذا لايعني إنني ضد قوانين الإجتثاث والعزل وسواها من مسميات ربيع العرب المصفر. مايفعله الأوكرانيون شبيه بحالات الإنتحار الجماعي حيث يذهب فئة من الناس الى غابة، أو كهف معزول، ويتناولوا مادة سامة ليغادروا العالم السيء، وهذا بالضبط مايقوم به القادة الجدد في أوكرانيا دون أن نغمطهم حق الإنتحار فروسيا في النهاية لم تساعد في خلق عالم من الهناءة للأوكرانيين مع كل المساعدات، وبرغم كل ماقدمته من غاز وأموال وتخفيضات في الأسعار وإستثمارات، وهي المشكلة التي بقيت وماتزال عصية على الحل.

ولايظنن الأوكرانيون إن البارونة كاترين آشتون ستحلها بضغطة على الزر، فهي في النهاية وزيرة لخارجية الإتحاد الأوربي، وتتلقى راتبا شهريا، وستغادر خلال الأسابيع المقبلة، وستبقى أوكرانيا مهددة بالتقسيم والحرب الأهلية خاصة وإن الغرب الأوكراني فقير ولايمتلك الموارد، بينما يعيش الشرق متكئا على الدب الروسي، وتتركز فيه كل ثروات البلاد وإمكاناتها الإقتصادية، وغالب الشعب في الشرق يتحدث الروسية ويرفض الرضوخ للإنقلاب.

روسيا لن تسكت، وتعد ماحدث مؤامرة أمريكية أوربية عليها لمحاصرتها، وترى إن الأطلسي يتحرك نحو مجالها الحيوي وستعمد خلال الأيام المقبلة على جملة إجراءات رادعة ضد السلطات الجديدة، وسيتنوع الضغط بين السياسي والإقتصادي، فشحنات الغاز منخفض التكاليف تأتي منها الى كييف وشحنات تمر عبر الانابيب الى اوربا، عدا عن إن الإقتصاد الأوكراني يتركز حضوره في الشرق وتحديدا أقاليم القرم، ويوجد هناك الأسطول الروسي على البحر الأسود، ويتحدث الناس بالروسية، ويحضر هنا هاجس الإنفصال وإنشاء دولة تسمى شرق أوكرانيا، أو، أوكرانيا الشرقية.

يبدو الغرب منتشيا بنصره المتحقق في غرب أوكرانيا، لكنه لايستطيع ضمان الى أين تتجه الأمور، ولايبدو من ضمانات لإنتشال الإقتصاد المتهاوي والذي يعاني من الإنهيار، ومرشح للمزيد من التدهور خلال أسابيع، بينما روسيا تمسك بخيوط لعبة أكثر بكثير مما يمتلك الغرب والإنقلابيون، ومن الغباء تجاهل نوع الرد الروسي المفاجئ والصاعق خاصة وإن أوكرانيا تقع الى الغرب منها وهي مجال حيوي لها ويمثل ذلك تهديدا وجوديا لها وليس تهديدا لمصالح محدودة في بقعة جغرافية في مكان ما من العالم كما يحصل في روسيا او كما كان الحال في أنغولا أيام الحرب الأهلية وسواها من صراعات تحتدم بين القوى الكبرى.

الإنتحار الأوكراني كان يتطلب منعه من قبل حكماء. لكن حليقي الرؤوس كانوا هم من تسيد المشهد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/آذار/2014 - 29/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م