عنف داعش واستخدام الاعلام على طريقة هوليوود

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: طالما ساهم الاعلام في تشكيل الرأي العام والتأثير في الاخرين خصوصاً في زمن الحروب والصراعات، داعش استغلت هذه النقطة تحديداً في العراق، ولعل عملياتها الأخيرة التي استهدفت في المقام الأول السيطرة على المدن، اعلامياً، يأتي في سياق هذا التوجه، وان كان من خلال الاشاعة (كما حدث في المسيب) او ليوم واحد (كما في سليمان باك).

نفس هذه القاعدة تنسحب على مدينة الفلوجة التي اخذت مديات كبيرة وتحولت الى شد وجذب بخطابات سياسية اخذت بعضها ابعاداً طائفية ووجهت أصابع الاتهام الى المالكي.

كما مارست داعش أسلوب أكثر تطرفاً في حربها المعلنة ضد القاعدة والفصائل المسلحة الأخرى في سوريا، مستهدفتاً حلفاء الامس بالمفخخات والعمليات الانتحارية بعد ان وصل عدد قتلاهم الى أكثر من (300) مسلح.

ويبدو ان داعش تعول كثيراً على التحرك من خلال عملياتها الإرهابية في رصد أكثر المناطق تأثيراً على خصومها في العراق، إذا كانت ذات "ضربة إعلامية" تزيد بالمحصلة النهائية من قوة مكانتها وايهام الاخرين بمدى سطوتها، بغض النظر عن مدى النجاح الفعلي في السيطرة او تحقيق المكاسب في الواقع، وهي بذلك لا تستثني طائفة دون أخرى او مذهب دون سواه، ولعل استهداف رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي الذي نجا بأعجوبة من الموت بعبوة ناسفة كانت مزروعة على طريق قرب موكبه في مدينة الموصل توضح الامر أكثر.

حرب المدن

من جانب اخر قال رئيس بلدية سلمان باك طالب محمد إن القوات العراقية تدعمها طائرات الهليكوبتر استعادت السيطرة على البلدة الواقعة في شمال العراق بعد يوم واحد من سيطرة متشددين سنة على مناطق بها، وأضاف محمد أن الجيش قتل ما لا يقل عن 12 من المتشددين الذين قال إنهم ينتمون الى الدولة الإسلامية في العراق والشام.

ومضى يقول إن الجيش يحرز تقدما جيدا في البلدة مضيفا أن المهمة لم تكن سهلة نظرا لوجود قناصة ولأن المقاتلين زرعوا قنابل على جانبي الطرق مما دفع قوات الجيش إلى التزام الحذر وإبطاء تحركها، وبدأت جماعات إسلامية سنية مسلحة تستعيد قوتها في العراق على مدى العام المنصرم لاسيما في محافظة الأنبار بغرب العراق حيث سيطر مسلحون يعارضون الحكومة المركزية على مدينة الفلوجة الشهر الماضي.

ويحاصر الجيش العراقي الفلوجة وهدد بشن هجوم بري لاستعادتها اذا لم يلق المقاتلون سلاحهم، وتقع سلمان باك على بعد 160 كيلومترا شمالي بغداد ويقطنها حوالي 25 ألف نسمة أغلبهم من السنة وبها أيضا بعض التركمان والأكراد، وقال رئيس البلدية إن قوات الشرطة تسيطر على المباني الحكومية بالرغم من محاولات متكررة من قبل المقاتلين الإسلاميين لاقتحامها.

وأضاف أن قوات الجيش المدعومة بطائرات هليكوبتر تسيطر الآن على حوالي 70 بالمئة من البلدة وأن المسلحين بدأوا في ترك مواقعهم، وقال ضابط بالجيش إن من الصعب مطاردة المسلحين لأنه يسهل على كثيرين إخفاء أسلحتهم والاختلاط بالمدنيين، وغادر البعض البلدة بالفعل إلى القرى المحيطة.

وقال النقيب فلاح عبد الأمير الضابط بالجيش العراقي إن المسلحين مثل الأشباح يظهرون فجأة ويختفون في لمح البصر، وتوقع أن يهاجموا القوات من جديد حتى بعد انسحابهم، وفي حادث منفصل قالت الشرطة إن أربعة من أفرادها على الأقل قتلوا عندما هاجم مسلحون موكبا للشرطة على طريق سريع قرب تكريت، وقتل مدني وأصيب ثلاثة آخرون في انفجار قنبلة في طوزخورماتو.

فيما قالت الشرطة إن مسلحين سنة أسقطوا طائرة هليكوبتر فيما يمثل أحدث تطور في صراع يزداد حدة، وقتل افراد الطاقم الاربعة حين أسقطت طائرتهم خلال دورية استطلاع فوق بلدة الكرمة بمحافظة الانبار بغرب العراق حيث يخوض الجيش مواجهة مع مقاتلين مناهضين للحكومة.

وقال شهود ان عشرات المسلحين اقتحموا بلدة الصينية قرب بيجي على بعد نحو 180 كيلومترا شمالي بغداد مستخدمين سيارات دفع رباعي بعد أن قصفوا مقر الشرطة المحلي واشتبكوا مع القوات لعدة ساعات اثناء الليل، وقال مسؤولون ان اربعة من رجال الشرطة واثنين من مقاتلي العشائر السنة المدعومين من الحكومة على الاقل قتلوا في الاشتباكات، ورفع المسلحون علم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام على مبان حكومية في البلدة وسجلوا انتصارهم بالفيديو قبل ان ينسحبوا.

وقال أحد السكان ويدعى ياسر "بدأ الهجوم في السابعة والنصف صباحا حين سمعنا إطلاق نار كثيف وانفجارات قذائف مورتر متتالية قرب مركز الشرطة، استمر هذا الوضع لنحو ثلاث ساعات"، وأضاف ان المسلحين تجولوا في البلدة طوال الليل وأخذوا يبثون اناشيد دينية تمجد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام من سياراتهم.

وقالت مصادر بالشرطة ان المسلحين جاءوا من محافظة الانبار حيث يحاصر الجيش العراقي مدينة الفلوجة منذ اوائل هذا العام حين سيطر مسلحون بينهم اعضاء في الدولة الاسلامية في العراق والشام على المدينة، وقالت مصادر امنية ان مفجرا انتحاريا يقود سيارة ملغومة فجر نفسه في مدخل قاعدة عسكرية شرقي الرمادي عاصمة الانبار مما ادى الى مقتل مالا يقل عن ستة أشخاص.

وحذرت وزارة الدفاع المتشددين من استغلال ذلك لشن هجمات على القوات المسلحة والمدنيين والمنشئات الحكومية والمستشفيات من اجل اعطاء الانطباع بان الحكومة لم تف بوعدها، وقال البيان ان الوزارة تؤكد انها ستتابع وستحقق في اي من مثل هذه التحركات الشريرة وان الرد سيكون عنيفا وقاسيا، وقال مسؤولون امنيون ان الدولة الاسلامية في العراق والشام التي تنشط ايضا في سوريا المجاورة تريد تحويل اهتمام قوات الامن بعيدا عن الفلوجة، وقال مسؤول أمنى كبير طلب عدم نشر اسمه "انها حرب استنزاف وهم يحاولون استنفاد قدرات الجيش من خلال جره الى قتال عشوائي هنا وهناك".

مكافحة الإرهاب

في سياق متصل دافع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن استراتيجية حكومته في مكافحة الإرهاب وتعهد بهزيمة القاعدة في الوقت الذي لقي فيه 49 شخصا على الاقل حتفهم في انفجار قنابل في بغداد ومدينة أخرى، وقال المالكي إن المعركة ضد المتشددين في العراق جزء من صراع أكبر ناجم عن الحرب الأهلية في سوريا التي تمثل تهديدا للشرق الأوسط والعالم بأسره وطلب دعم المجتمع الدولي.

وكتب المالكي في مقال افتتاحي نشر مؤخراً على الموقع الالكتروني لمجلة فورين بوليسي الأمريكية للشؤون الدولية "العراق هزم القاعدة من قبل ولدينا استراتيجية شاملة لهزيمة القاعدة مرة أخرى"، وأضاف "القاعدة تؤمن بنظرية تفجير الناس وليس كسب ودهم لذا فان هزيمتها ممكنة ويجب أن تهزم وسوف تهزم"، وقال المالكي إن العراق بدأ مناقشات مع المسؤولين الأمريكيين لاستئناف تدريب قوات مكافحة الارهاب العراقية.

وكان العام الماضي هو الأكثر دموية في العراق منذ بدء انحسار موجة العنف الطائفي في عام 2008، واستعاد المسلحون الإسلاميون السنة اراضي في العراق خلال العام الماضي واجتاحوا عدة بلدات في الاسابيع الماضية، ويقول منتقدون للمالكي إن سياساته مسؤولة بشكل جزئي على الأقل عن عودة العنف الذي بلغ ذروته في عامي 2006 و2007، ويشعر كثير من الاقلية السنية بالتهميش في النظام السياسي الذي يقوده الشيعة والذي تشكل عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003. بحسب رويترز.

وقال رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي اعلن انسحابه من الحياه السياسية ان العراق يحكمه "ذئاب متعطشة للدماء ونفوس تلهث خلف المال" ووصف المالكي بانه "دكتاتور وطاغوت"، وكان الصدر قاد انتفاضات ضد القوات الأمريكية في العراق قبل انسحابها وأصبح قوة رئيسية في الحكومة، وقال الصدر انه قرر التقاعد كي ينأ بنفسه عما وصفها بحكومة فاشلة وفاسدة وظالمة.

وقال في أول خطاب له منذ حل حركته إنه عندما يعترض عليهم شيعي او سني او كردي يتهمونه بالطائفية أو بأنه إرهابي، وفي الهجمات الأخيرة قالت الشرطة ومصادر طبية إن قنابل انفجرت في أحياء تقطنها أغلبية شيعية في العاصمة بغداد ومدينة الحلة في الجنوب مما أدى إلى مقتل 49 شخصا على الأقل، ولم تعلن أي جماعة على الفور مسؤوليتها عن أي من الهجمات لكن الشيعة غالبا ما يكونون أهدافا للمتشددين السنة.

تدريب العشائر

فيما سعى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال زيارة مفاجئة الى مدينة الرمادي التي يسيطر مسلحون على اجزاء منها، الى استمالة سكان الانبار نحو دعم حكومته عبر الاعلان عن اعمار المحافظة السنية وتدريب مسلحي عشائرها، ومنذ بداية العام الحالي، يسيطر مقاتلون مناهضون للحكومة ينتمي معظمهم الى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، احدى اقوى المجموعات الجهادية المسلحة في العراق وسوريا، على الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) وعلى اجزاء من الرمادي (100 كلم غرب بغداد).

وتخوض القوات الحكومية معارك ضارية مع هذه المجموعات المسلحة بهدف استعادة السيطرة الكاملة على الرمادي، فيما تتريث في مهاجمة الفلوجة التي تتعرض لقصف عسكري متواصل ولحصار عسكري، وكان المالكي علن مؤخراً عن خطة تهدف الى دمج مقاتلي العشائر في الانبار التي تسكنها غالبية من السنة، والذين يقاتلون الى جانب القوات الحكومية، بشرطة المحافظة.

وقال علي الموسوي المستشار الاعلامي للمالكي ان رئيس الوزراء اطلع خلال زيارته الاولى الى الانبار منذ بدء الاحداث الاخيرة فيها "على سير العمليات العسكرية" خلال لقاءات في قيادة عمليات الانبار في الرمادي، واضاف ان المالكي "قام بجولة على القطعات العسكرية المنتشرة في الرمادي واستقبلته الحكومة المحلية وشيوخ العشائر، يرافقه وزير الدفاع (سعدون الدليمي) ومستشار الامن الوطني (فالح الفياض)".

ونقل الموسوي عن المالكي قوله خلال زيارته العلنية الاولى الى الانبار منذ اندلاع الاحداث الاخيرة فيها "جئنا لنؤكد وقوفنا الى جانب اهلنا وعشائرنا في الانبار"، وتابع ان المالكي امر "بتخصيص مئة مليار دينار (نحو 83,3 مليون دولار) لإعمار محافظة الانبار، وبتدريب ابناء العشائر من اجل حماية المحافظة وسحب الجيش الى ثكناته".

لكن المالكي شدد رغم ذلك على ان "الجيش لا يمكن ان ينسحب في الوقت الحاضر (من كل المدن) لان هذا الامر سيؤدي الى سقوطها في ايدي الارهابيين"، ولم يتضح ما اذا كان الاعلان عن تدريب مسلحي العشائر مرتبط بالإعلان السابق عن دمج هؤلاء بالشرطة، علما ان قناة "العراقية" الحكومية نقلت عن المالكي قوله انه سيتم تعيين "10 الاف من ابناء العشائر" من دون ان توضح ما اذا كان هؤلاء سيعينون في الشرطة.

في هذا الوقت، قتل عشرة جنود و13 عنصرا من الشرطة بينهم ضابطان في سلسلة هجمات استهدفت قوات الامن، وقال ضابط برتبة عقيد في الشرطة ان "خمسة من عناصر الشرطة قتلوا واصيب اثنان بجروح في انفجار عبوة ناسفة قرب انبوب للنفط في بيجي" (200 كلم شمال بغداد). بحسب فرانس برس.

وتزامنا مع هذا الهجوم، قتل عقيد في الشرطة في منزله في تكريت (160 كلم شمال بغداد) على ايدي مسلحين، بينما هاجم مسلحون سيارة تقل جنودا من الموصل الى بغداد على الطريق السريع في تكريت فقتلوا اربعة منهم واصابوا ثلاثة بجروح، بحسب المصدر نفسه، كما قتل في وقت سابق اربعة من عناصر الشرطة بعد إطلاق النار عليهم على الطريق السريع في تكريت، وقتل شرطي في هجوم في كركوك (240 كلم شمال بغداد)، وفقا لمصادر امنية وطبية.

هجمات انتقامية

الى ذلك قتل 13 عراقيا على الاقل واصيب 65 بجروح في انفجار ثماني سيارات مفخخة استهدفت مناطق متفرقة من بغداد ومحافظة بابل، ليرتفع الى 12 عدد السيارات المفخخة التي انفجرت في العراق في اقل من 24 ساعة، وقال ضابط برتبة عقيد في وزارة الداخلية العراقية ان خمسة اشخاص قتلوا واصيب 12 بجروح في انفجار سيارتين مفخختين في منطقة البياع في جنوب بغداد، وانفجرت في وقت متزامن سيارة ثالثة في حي الاعلام القريب من البياع ما ادى الى مقتل شخصين واصابة ثمانية بجروح، وفقا للمصدر ذاته، وسيارة رابعة في منطقة الشرطة الرابعة (جنوب) اصيب فيها اربعة اشخاص بجروح، واكد مصدر طبي رسمي حصيلة ضحايا هذه الهجمات.

وبعد وقت قصير من هذه التفجيرات، قتل ستة اشخاص على الاقل واصيب 45 بجروح في انفجار أربع سيارات مفخخة في وسط مدينة الحلة (95 كلم جنوب بغداد) وقضاء المسيب في محافظة بابل، بحسب ما افادت مصادر في الشرطة ومصادر طبية، واوضحت ان ثلاث سيارات مفخخة انفجرت في ثلاثة شوارع في مركز الحلة، ما ادى الى مقتل خمسة اشخاص واصابة 22 بجروح.

كما انفجرت سيارة رابعة في قضاء المسيب في بابل ايضا على بعد نحو 40 كلم جنوب بغداد، ما ادى الى مقتل نقيب في الشرطة واصابة 23 شخصا بجروح، وكانت بغداد شهدت ليلة دامية حيث قتل 16 شخصا واصيب العشرات بجروح في انفجار أربع سيارات مفخخة في عدة مناطق، بينها حي اور في شمال العاصمة حيث قتل سبعة اشخاص، ومنطقة الكرادة (وسط) حيث قتل سبعة اشخاص ايضا.

ومنذ بداية شباط/فبراير الحالي، قتل نحو 480 شخصا في اعمال العنف في البلاد بحسب حصيلة اعدتها وكالة فرانس برس استنادا الى مصادر امنية وطبية، فيما قتل أكثر من 1460 شخصا في هذه الاعمال منذ بداية العام الحالي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م