صوت العراقيين.. الغائب

نزار حيدر

 

 خيرا قال السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية العراق في كلمته الأسبوعية اليوم، عندما دعا العراقيين ليكون لهم صوت في أزمة (الميزانية) الحالية، ولكنه لم يقل خيرا عندما اتهم مجلس النواب بالهرب من الاستحقاقات الدستورية والقانونية التي تخص مصالح الشعب العراقي.

 ولقد كُدْتُ ان أصدّقه في قوله الاول لكنني ترددت كثيرا عندما تصفحت مواقفه ممن يوجه له نقدا او استفسارا او حتى تهمة في امر ما، لتبدأ ماكينته الاعلامية، الرسمية وغير الرسمية، المرئية والمسموعة والمقروءة ومعها مواقعه الإليكترونية، تدور وتدور لتخّون وتتهم وتطعن وتشكّك وتُسقِّط وربما تنشر ملفا او ملفين كانا مركونين على الرف، وقد حان حينها الان.

 كما كدت ان اصدّق قوله الثاني، لولا انني تذكرت أمرين:

 الاول: هو انه من بين الذين يهربون من الاستحقاقات الدستورية والقانونية، ولذلك لا يحق له ان يتهم الآخرين بما ابتلي به، والا بالله عليك، دولة الرئيس، حدثنا قليلا عما يجري منذ (٥٢) يوما في الأنبار؟ حدثنا قليلا عن أجساد الشهداء من القوات المسلحة، ممن قضوا في الأنبار، والتي تحتفظ بها الحكومة في برّادات المستشفيات ولا تسلمها الى ذويها في المحافظات الجنوبية؟ حدثنا قليلا عن المبادرة التي تبنتها الحكومة بشأن الأنبار؟ حدّثنا عن بيان وزارة الدفاع، أهو اعلان عن انتهاء العمليات العسكرية هناك؟ أم مجرد هدنة؟ أم ماذا؟ حدثنا عن السلاح الاميركي والروسي الذي قلت بان العراق استلمه واستخدمه في عمليات الأنبار، هل كان فاعلا ام لا؟ وماذا حقق من نتائج؟ حدثنا ما اذا قضيت على (داعش) كما وعدتنا؟ ام انها قضت علينا؟ اذا حدثتنا عن هذه او بعضها، فسأُصدّق اتهامك لمجلس النواب بالهرب من الاستحقاقات وأُبَرِّؤُك.

 اذا حدثتنا عنها فسيكون للعراقيين صوت.

 الثاني: ان مجلس النواب يتألف من ثلاث كتل برلمانية كبيرة، تتزعم انت احدها، فهل انها مشمولة بالاتهام؟ ام ان على راس كتلتك ريشة؟.

 اذا كانت مشمولة فتلك مصيبة، وإذا لم تكن مشمولة فالمصيبة اعظم.

 لا علينا، فتلك كانت دردشة وانتهت.

 اعود هنا لأسأل سؤالا في غاية الأهمية، وهو: كيف ومتى يكون للعراقيين صوت في القضايا المهمة والمصيرية؟ فكل السياسيين يدعونهم ليكونوا كذلك، ولكنهم ليسوا كذلك، فكيف يمكننا تحقيق هذا الامر المهم جدا في بلد ضاعت فيه مصداقية السياسيين، وغابت عنه الثقة بين الفرقاء، ولم يعد الشارع يصدق بكلام احد لان السياسيين يُكَذّبُ بعضهم بعضا، مجلس النواب والحكومة، المركز والإقليم، المركز والمحافظات، الكتل لبعضها، وهكذا، كل يتّهم الاخر، وكل يكذّب الاخر، وكل يرمي المسؤولية على الآخرين كلما مر البلد بأزمة، والمضحك في كل ذلك هو ان كل نتائج اجتماعاتهم إيجابية وقد اتفقوا على كل شيء وأنهم تجاوزوا مشاكلهم، ليخرجوا علينا أمام الشاشة الصغيرة وقد تشابكت الأيدي المرفوعة وهم يوزعون الضحكات يمنة ويسرة.

 لا يمكن ان يكون للعراقيين صوت مسموع ومؤثر في الشأن العام، خاصة وقت الأزمات، ما لم تكن المعلومة متاحة بالنسبة لهم، يصلوا اليها بشكل صحيح وسليم، ومن مصادرها الحقيقية، متى ما شاؤوا، حتى لا يقعوا ضحية الكذب والتزوير والتضليل، فكيف يمكن تحقيق هذا الامر؟.

 يمكن ذلك من خلال المقترحات التالية:

 الف: ان تُنشر محاضر الجلسات والاجتماعات، وبكل أشكالها، في الاعلام الرسمي، بعد مصادقة الأطراف التي تحضرها، حتى لا يتنصل عنها احد عند المحاسبة مثلا او توجيه السؤال اليه، وسنضمن بذلك عدم تكرار تجربة تمرير قانون التقاعد بنسخته السيئة والتي اثارت جدلا واسعا لعدم اطلاع الرأي العام العراقي على محاضر الجلسة الخاصة بالتصويت عليه.

 باء: وإذا حصل ان اتفقت أطراف اجتماع ما من الاجتماعات على ان تكون محاضره سرية لا تنشر في الاعلام، فلا باس بذلك، شريطة ان يتم حفظ المحاضر هذه والموقعة من الأطراف المعنية في خزينة الدولة، مثلا، ليتم الرجوع اليها في أية لحظة تتفجر فيها الخلافات بينهم.

 جيم: ان مجرد وجود إمكانية للعراقيين للاطلاع على محاضر الجلسات والاجتماعات يعد، بحد ذاته، رقيبا فاعلا وحاسما ومؤثرا على المجتمعين، يعلمهم كيف يتخذون القرار؟ وكيف يتفقون؟ وكيف يختلفون؟ فمثل هذه الإمكانية مدرسة للسياسيين تعلمهم كيف يحترمون كلامهم وتوافقاتهم وحواراتهم، وقبل كل شيء المواطن فلا يفكروا بالتنصل عن كلام قالوه او موقف اتخذوه، او ان يعتذروا له اذا ما ارتكبوا خطأ.

 الى متى تُطبخ القرارات كأمور تدبر بليل؟ الى متى يظل المواطن يأكل نتائج الأزمات من دون ان يكون له اي دخل في صناعتها؟.

 دال: ان اطّلاع العراقيين على المحاضر المصدقة، سيمنحهم الفرصة والقدرة على الرقابة والمشاركة والصوت المرتفع الذي تحدث عنه السيد رئيس مجلس الوزراء.

 سيمكّنهم من معرفة حقيقة وجوهر الاتفاقات، وما اذا كانت تصب في الصالح العام ام انها مجرد محاولة للانحناء امام عاصفة أزمة فهي تحقق مصالح طرف دون اخر، او فئة دون اخرى؟.

 سيمكنهم من معرفة ما اذا كان هذا الاتفاق او ذاك دستوريا ام لا؟ استراتيجيا ام لا؟ حقيقيا ام دعاية انتخابية؟ واقعياً ام هو مجرد ملف جديد سيحتفظ به طرف من الأطراف ليكشف عنه في اقرب أزمة؟ وهكذا.

 هاء: اذا اختلف الفرقاء المعنيين على نصوص اتفاق ما من الاتفاقات، فلا نقبل منهم ان يظهر علينا كل واحد منهم على حدة ليفسر ويحلل ويبرر ويدافع ويتهم ويلوم على كيفه، وبما يحمي نفسه من التهمة والتقصير، وبما يحمّل الآخرين المسؤولية، وإنما عليهم ان يظهروا لنا في مناظرة تلفزيونية على الهواء مباشرة، كل يدلي بدلوه، وليدعوا للعراقيين فرصة التحكيم، فعندها سيقرر الشارع الحقيقة وأين هي ومع من؟.

 ان ذلك يُبصّر العراقيين بحقيقة خلافات السياسيين، أهي دستورية كما يدعي البعض؟ ام انها دعاية انتخابية كما يذهب الى ذلك بعض آخر؟ ام انها خلافات سياسية او حزبية او كتلوية او شخصية او بسبب عقد نفسية او بسبب مواقف عنصرية او طائفية؟ ام ماذا؟.

 بذلك سيكون الشعب حاكما على خلافاتهم، او على الأقل ناظرا وشاهد حق، يعرف عن ماذا يدافع اذا دافع، ولماذا ينتقد اذا انتقد؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/آذار/2014 - 28/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م