الديمقراطية وما يجاورها

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كتب صديقي محمد على سبورة الكلام الحر والشخبطة الملونة: الديمقراطية تجبرك على الاستماع لآراء الحمقى..

القول ليس ما قاله محمد، انها استعارة لا أتذكر من قالها، ومن المؤكد انها ليست لمفكر أو كاتب عربي، يفتقد الى الديمقراطية، انها بنت بيئتها الاجتماعية والثقافية، وهي وصفة قد جربتها كثير من المجتمعات، وهي في طريقها للتنويع والتطوير عليها، وقد قطعت اشواطا طويلة في ذلك. لا يهم الان من قالها، بقدر اهتمامنا بصحتها من عدمه.

هل العبارة صحيحة؟. نعم، انها كذلك.

وفي واقعنا السياسي قد نضيف الى الحمقى، أصنافا أخرى من الناس، منهم المجانين، الفوضويين، المغفلين، الطائفيين، المتطفلين، السارقين، المجرمين، وغيرها من أصناف يزخر بهم فضاءنا السياسي او الثقافي..

ولا يقتصر الامر على سماع اراء الحمقى وحدهم، بل سنكون مجبرين على تلقي وتقبل سلوكهم وسلوك تلك الأصناف..

واذا كانت الديمقراطية، في اجبارها على تمكين الحمقى للاستماع اليهم، فانها في مجتمعاتنا العربية، والعراق تحديدا، تمكن كل تلك الأصناف من اجبار الاخرين، ليس على الاستماع لهم، بل القبول صاغرين لأفعالهم وسلوكهم.

اراء الحمقى في العبارة – المفتتح، ما يجاور الديمقراطية  في المجتمعات الغربية، وهو يبقى رأي احمق لا يلتفت اليه عندما يتعارض ذلك مع السياسة العليا للدولة، او ان كان مهددا للأسس الديمقراطية نفسها، او للسلم الأهلي.

على العكس من ذلك، فان الآراء والتي تخرج من اطار حماقتها، وتتحول الى سلوك ينسف ويخرب الأسس ويهدد السلم الأهلي، هو جوهر ديمقراطيتنا..

في سؤال (الكيفية) كيفية تطبيق الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا العراقي، لنسأل عن سؤال اهم من ذلك، وهو كيف نؤسس ونبني لجذر ديمقراطي، في بيئة ثقافية واجتماعية، لا تفهم من أسس الديمقراطية الراسخة الا بمقدار حظها من الصراخ والتهريج، والغبار المتطاير من صراعات الخصوم، الذين لا يملكون القدرة على الحرث الممكن في بيئاتهم وزرع ما يخالفها..

الحديث عن الديمقراطية في هذه السطور، ليس في الجانب السياسي، والذي تعني فيه: (شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين). ما أعنيه هو المعنى الأوسع لوصف ثقافة مجتمع. وهي بهذا تكون نظاما اجتماعيا مميزا يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة، لتصبح أسلوبا في الحياة يقوم على المساواة وحرِّيّة الرَّأي والتَّفكير والتعددية والتسامح ونبذ العنف وغيرها من مفاهيم تفرعت عنها، وأصبحت تحت عنوان عريض اخر تحت مظلتها وهذا العنوان هو حقوق الانسان.

في منازلنا، حيث الطفولة هي المدرك المبكر لكل ما يحيط بالإنسان، وهي التأسيس الأول والاهم لكل ما يأتي لاحقا، تنعدم كل ممارسة او قول او سلوك يستبطن ولو مقدارا ضئيلا من الديمقراطية، فمعظم الإباء متسلطين ومستبدين في اراءهم وما يرونه في صالح الاسرة، دون تدريب بقية افرادها على النقاش او الحوار حول ما هو الصالح او الطالح.

والمراة، الام والاخت والزوجة، لا تملك حق الاعتراض على سلطة الاب او الزوج او الأخ، الذي استمدها من مجتمعه بحكم العرف الاجتماعي، أو بحكم فهم مغلوط للدين، تلك السلطات المتنوعة، تفرض قيودا تصادر كل حركة او فكرة، يمكن لها ان تنعتق من مثل هذه البيئة.

الطفولة تتحرك ضمن هذه المساحات، مساحة الاب المستبد والام التي يقع عليها فعل الاستبداد الأكبر، ينتج خوفا (اموميا) وهميا لكل ما يمكن ان يتهدد سلامة الأبناء، خارج دائرة البيت وجدرانه..

الخوف حالة معدية، تنتقل بسرعة كبيرة الى الاخرين، وليس شرطا للخوف ان يكون واقعيا، فهو في اغلبه متوهم في اذهان الخائفين، وحتى الواقعي منه، يزيحه بمجرد مواجهته، لكننا لا نمتلك القدرة على المواجهة..

فالاب المستبد والام الرازحة تحت صنوف الاستبداد، تنقل كل ذلك الى أبنائها، والذين بالمحصلة يتصرفون مع اقرانهم، حين يجتازون عتبة البيت الى خارجه، بكل تلك المخاوف وصنوف الاستبداد، في العابهم وخلافاتهم وصداقاتهم.

سلطة الاب المستبدة في البيت، تقابلها سلطة المعلم في المدرسة، وسلطة المناهج التعليمية، وسلطة التعليم نفسه، انها تلقين مستمر للقبول بالاستبداد ومصادرة أي حق في الاختلاف او التمايز عن الاخرين، ويصبح كل تلميذ الان امام سلطتين، سلطة البيت التي تهمها صورتها امام الاخرين، الصورة المفترضة وليست الحقيقية، وسلطة التعليم الذي تمثله المدرسة وتمظهراتها المتعددة، من المعلم والمنهج ومابين ذلك من طرق في التعامل وأساليب في التلقين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/شباط/2014 - 26/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م