مآزق علي الوردي

المرض.. الجهل.. السرقات !!

ناظم السعود

 

" ليش يا بغداد؟! " هذا آخر سؤال ممض أورده العلاّمة علي الوردي – مؤسس ورائد علم الاجتماع في العراق - ضمن المسلسل العراقي الذي يحمل اسمه والذي أكملت عرضه قبل أيام إحدى القنوات المحلية، والواقع ان هذا المسلسل بالذات يعد مثالا فاقع السواد لما يمكن ان تفعله او تجنيه الدراما المحلية بحق رموزنا وعلمائنا الى حد ان تمسخهم او تضيع بصماتهم التي افردتهم عن سواهم من المجايلين او حتى اللاحقين، وبالطبع هي – او ممن ورائها – لا تفعل ذلك قصدا بل ان الجهل وقلة الخبرة هما السبب في هذا الغمط وذلك التشويه الذين نكاد نسجلهما مع أي عمل يتناول مبدعا عراقيا.

 هذا المسلسل عمل بالضد من مبدعنا الدكتور علي الوردي ومشروعه التغييري وان كانت النيات هي عكس ذلك لكن نتائج الأمور هي التي تسود وتحكم ولا يمكن لمن شاهده الا ان يتوصل لنتيجة اولى قوامها ان هذه الحلقات الضعيفة أسهمت في ضياع شخصية متنورة وارث رائد كان يمكن لهما ان يضيفا الشيء الكثير للمجتمع ولا سيما للاجيال الجديدة، وكنا امام ملخصات وثائقية (تغرقها الكآبة) اكثر من كوننا مام مسلسل دراما ناضج يظهر لنا – من خلال سيرة ذاتية معطاء – مفاصل من المجتمع العراقي وشخصية لها امتزاجات مع هذا المجتمع مثل الشخصية المختارة كالدكتور علي الوردي لها علامات بيض على مجتمعها وتطوره.

 وكنت آسفا – مرة أخرى – لأننا أضعنا او تجاهلنا الذكرى المئوية لعالمنا البارز على الوردي مع ان هذه الذكرى مرت أمامنا بحزن كظيم العام الفائت ولكننا اشحنا بوجوهنا عنها كما نفعل كل مرة مع سواه من الأعلام، فعلي الوردي كان قد ولد في بغداد عام (1913) والعام الماضي (2013) شهد مئويته وكان بإمكاننا تتويج هذه الذكرى بعمل تلفازي (او حتى مسرحي او اذاعي) يقربنا أكثر من هذه الشخصية ويدلنا بعمق ونفاذ على تحولات المجتمع العراقي والأثر الذي أحدثته فيه ومدى الريادات التي تركتها هذه الشخصية اسريا ومجتمعيا وسياسيا لا ان يكون العمل مفككا ومبسطا - ونقدمه للنشء الجديد -على انه دراما سيرية لأحد مفكرينا الكبار قبل رحيل الوردي في بغداد عام 1995.

 ان ابرز ما سجلته على هذا المسلسل المحلي انه لخص للمشاهدين المرغمين مشاهد مبتورة من حياة العلاّمة علي الوردي سواء في بيته وعائلته وجيرانه ووسطه الجامعي وغربته وضديته في مجتمعه ولكن كل ذلك جاء بشكل سطحي، مفاجئ، لا يتيح معرفة ولا يؤدي الى منفعة ما في أذهان المشاهدين الذين قد يهربون من عمل هو في الغالب جزءا منهم او من تاريخهم المضاع وسط الاجتهادات، ولا بد من القول – او الاعتراف – ان هذا المسلسل عمد ربما من دون قصد الى التعريف المخل بمجموعة المآزق التي واجهت الوردي ولعل أهمها : المرض.. الجهل.. السرقات.. وان كان المعوق الأخير قد أحس به المشاهد فقط !

 ومن الاوفق على من يشاهد محنة مرض علي الوردي ان يتذكر انه يتابع دراما مجوفة أكثر من كونها محنة مرضية تحبس الأنفاس لواحد من أهم المؤسسين للتاريخ العراقي وقد تداعت الأفراد والدول لمعالجته او في الأقل لتخفيف آلامه من أمراضه التي قادته في الآخر – مرغما ووحيد وعليلا – الى السرطان اولا والنهاية ثانيا، وقد أحسن صانعو العمل على استبطان وكشف ظاهرة الجهل التي أحاطت بالوردي وحاصرته داخل بيته وفي كليته بحيث أصبح الجهل به وبأفكاره الجديدة يشعا لا يطاق !.

 لكن ما جذبني الى متابعة حلقات المسلسل – فضلا عن موضوعته وتناوله لأحد مبدعي العراق – انه يحاول تغييب او طمس واحدة من ظواهر معروفة إذا ما تطرقنا الى سيرة زاخرة كالتي رافقت رائد بحجم علي الوردي واعني بها " السرقات " التي رافقت نظرياته وكتبه ومنجزاته العديدة وكيف ان القائمين عليه حاولوا تجاهل هذه الظاهرة او تغييبها وتفتيتها وسط مشاكل أخر لكن احد افراد عائلة المبدع فضح الموضوع كله حين تحدثت نجلة الوردي لجريدة المؤتمر مؤخرا فقالت بالنص (ان كل كتب والدي وهي كثيرة والكل يعرف هذا يتم طبعها ونشرها من قبل دور النشر العربية والعراقية دون ان يكون لنا اي علم بهذا الأمر لا ماديا ولا معنويا وهو ما جعلنا نشعر بالذنب تجاه رجل أعطى الكثير من وقته وجهده وفكره لبلاده وشعبه وماذا كانت النتيجة؟ ضياع ارثه المادي والمعنوي دون ان نجد جهة تطالب بهذا الارث..)!.

 وقد لاحظت هذه الظاهرة شخصيا وكتبت عنها وشخصتها اكثر من مرة بعد ان تألمت كثيرا لهذا الوأد العلني وقلت عن هذه السرقة المباشرة ان الكتاب "المقصود" صدر تحت عنوان (دروس من حياتي) وكتب في أعلى الغلاف الأول اسم العّلامة العراقي الراحل الدكتور علي الوردي،ومن اليسير على من يطالعه (أو حتى من يلقي عليه نظرات ظاهرية) أن يلحظ ان هناك كثرة من الشكوك والتساؤلات تحيط بالكتاب حال ظهوره وبعد تداوله من قبل القراء والمعنيين، من ذلك انه صدر من دون ذكر أي معلومات أو توضيحات تخص جهة الإصدار أو تاريخه او سوى ذلك من اسنادات توثيقية، فمن الغريب أن يصدر كتاب جديد وينسب الى باحث وعالم متمّرس مثل الدكتور علي الوردي من دون ان يظهر اسم جهة النشر او تاريخ الإصدار او رقم الطبعة ورقم وإجازة النشر أو المشرف على الطبع والمحقق له وهذه أمور بديهية يستلزم وجودها على صفحات اي كتاب تحقيقا لمصداقيته وتبيانا لعلميته، غير ان القائمين على إصدار هذا الكتاب شاؤوا هم او الجهة التي دفعتهم لإصداره بهذا الشكل المجهول والمريب ان يجرّدوا الكتاب من أي معلومات توثيقية تبين مصداقيته وجلّيته !.

 وكخلاصة ماسة لما يحصل من الدراما العراقية ولا سيما التلفازية منها وإساءاتها العديدة - ان كان بقصد او سواه - لرموز الثقافة لم أتعجب من القرار الذي أعلنته عائلة الراحل علي الوردي من رفض مسبب لهذا العمل واعتراضها الصريح على بثه وعرض حلقاته على الجمهور العام نتيجة ضعف العمل وإساءته للعلامة علي الوردي، بقي ان نقول ان العائلة سلمت قرارها الى هيئة الإعلام والاتصالات لإيقاف العمل ورفض ورثة الراحل له.. وحتى اليوم لم يتم اتخاذ أي قرار !!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/شباط/2014 - 25/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م