نتائج مشروع بغداد عاصمة الثقافة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مرة اخرى تفوتنا فرصة جديدة لتطوير ثقافتنا، عندما أهدر قادة الثقافة فرصة استثمار مشروع (بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013)، فالبلدان الاخرى تحاول أن تسخّر الفرص التي تتاح لها في مجالات التطور الثقافي، على العكس مما حدث لنا، فقد مرّت السنة وتم اختتام مهرجان بغداد عاصمة الثقافة، ولم نستطع العثور على ما يثبت أنها كذلك فعلا، خاصة عندما نتحدث عن المبلغ المرصود لهذا المشروع الثقافي، وكيفية اهدار الاموال وصرفها، في فعاليات عادية جدا، إن لم تكن هابطة!.

إن العواصم الاخرى تحاول أن تحصل على الفرصة نفسها لكي تستثمرها بالعمل والتخطيط السليم لصالح الوعي والتثقيف، ولكن هل استثمر قادة الثقافة هذا المشروع والمبلغ المرصود له كما يجب؟؟، لقد تم تخصيص مبلغ خمسمائة مليون دينار عراقي، لمشروع (بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013)، لكننا لاحظنا مع انتهاء هذا المشروع الذي استمر سنة كاملة، أن العراقيين لم يحصلوا على ما يوازي هذا المبلغ ولا ثقافتهم ايضا، سوى الاهتمام بمظاهر ارتجالية لا تنحو الى العمق، وما يلاحظ ايضا أن المعنيين، لم يعيروا اهتماما كافيا للبنية الثقافية المهدَّمة، بل لم يخطر في بال القائمين الرسميين على الثقافة، أن يخططوا بالصورة السليمة لاستثمار مثل هذا المبلغ الكبير في تعمير البنية الفقيرة للمنشآت الثقافية والفنية.

لا يتعلق الامر بطريقة صرف الاموال، ولكن تثار الاسئلة دائما عن الاسباب التي تقف وراء عدم استغلال هذا المشروع، من اجل تطوير المنشآت الثقافية المعطّلة، ولماذا الانشغال بامور لا تخدم الوعي والفعل الثقافي كما يجب، فقد لاحظنا اهتماما بأمور وجوانب لا تمس الجوهر، فقد تم توجيه دعوات لمثقفين وفنانين أجانب وعرب، وكذلك فرق موسيقية ومسرحية وسواها، بصورة ارتجالية عشوائية، تقوم على العلاقات والمصالح الشخصية، والاتصالات ذات المنفعة الفردية، وهو اسلوب منفعي لا يخدم الثقافة، بقدر ما يخدم الافراد المتنفذين والمسؤولين، وجلهم موظفين لا تهمهم الثقافة ولا المثقفين، وهكذا جاءت أنشطة الضيوف (مع الاحترام لهم جميعا)، دون المستوى المطلوب والمتوقَّع، كما انها لا تصب في تدعيم الجوهر الثقافي، فبدت للجميع وكأنها فعاليات فنية وادبية وثقافية عامة، تفتقر للهدف الواضح، بسبب غياب التخطيط بصورة شبه تامة، ولعل ما يثبت هذا الرأي ظهور وجوه من الادباء والفنانين، من كلا الجنسين، لا يشكلون حضورا في بلدانهم، لهذا جاءت اعمالهم ومشاركاتهم ضعيفة، وبعضها تشبه العروض المدرسية البسيطة، فيما أخذ المسؤولون في وزارة الثقافة دورهم في التكريم العشوائي للفنانات!، وفقا للعلاقات الشخصية لهذا المسؤول أو ذاك بهذه الفنانة أو تلك!، وغابت اللجان الادبية والفنية الرصينة التي تسعى الى تكريس ثقافة النوع والجوهر، على حساب ثقافة الشكل الفارغ من المحتوى الجمالي والفكري على حد سواء، لتحل محلها القرارات والمعالجات الآنية المتسرعة.

 لذا كان الاجدى بوزارة الثقافة، والمؤسسة الثقافية عموما، أن تبدأ بترميم البنية الثقافية المادية اولا، بمعنى أن يتم استغلال فرصة (مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية) وتخصيصاته المالية، لكي تعاد الابنية والقاعات والمنشآت والبيوت الثقافية الى العمل والنشاط المتعارف، فضلا عن المسارح ودور العرض السينمائي وقاعات المعارض الفنية للنحت والتشكيل والزخرفة وسواها، ولكن ما قامت به الوزارة المعنية وتوابعها، تفضيل الصخب والارتجال والبذخ والاسراف، على العمل الثقافي المنظَّم.

 كذلك لاحظنا انخراط المؤسسة الثقافية المهنية ممثلة باتحاد الادباء العراقيين، في هذا المشروع بصورة عشوائية ايضا، وبما يحقق للاسف مآرب بعض الشخصيات القيادية في الاتحاد، لذلك لم نلاحظ ثقل الادباء العراقيين من خلال اتحادهم، بلا لاحظنا فعاليات ادبية شكلية ايضا، تقام في هذا الفندق أو ذاك، مع تقديم المنام والطعام وقراءة الشعر، ليحتفي الجميع بما يقولون!! من دون طرح السؤال الأهم، ماذا قدمنا لعاصمة الثقافة العربية في هذه الفعالية أو هذا النشاط؟؟

 لا أظن أن رئيس اتحاد ادباء العراق او نائبه طرحا على نفسيهما مثل هذا السؤال، فما بالك بالاجابة عنهما؟!، وثمة جانب آخر تخلخل هذا المشروع الثقافي الشكلي، عندما انعكست تلك الصراعات الخفية بين اقطاب المؤسسة الثقافية المصابة (حالها حال السياسة) بالتوافق والمحاصصة والانتماء الحزبي وسواه، فقد انهمك هؤلاء بصراعاتهم، والسبب بطبيعة الحال تقاسم (الغنيمة)، فالمبلغ كبير، وما نتج عنه من فعاليات لا ترقى الى جوهر الثقافة، يؤكد أن هناك أموالا لم ترصف في محلّها، لذلك لابد من الجهات المعنية الرقابية في الدولة، أن تستفهم عن مجالات الصرف بدقة، لأننا كمثقفين نريد أن نعرف أين ذهب هذا المبلغ الكبير، خاصة اننا لم نشهد معلما كبيرا نتيجة لهذا المشروع، يمكن أن يكون مكسبا للثقافة والفن، بل كل ما شهدناه فعاليات بسيطة لا ترقى الى موقع بغداد وشموخها الثقافي الأشم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/شباط/2014 - 24/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م