إيران.. من الثورة الى الدولة

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: مثل جميع الثورات، تأخذ الثورة في ايران نصيبا مستمرا من السجالات والجدال، يبدأ من قراءة الإسلام السياسي الشيعي، ولا ينتهي عند اللحظة التي تحولت فيها الثورة الى دولة، تركت خلفها الكثير من الشعارات التي رفعتها اثناءها، وعمدت الى تقديم شعارات جديدة تتناسب مع كل مرحلة تبتعد فيها عن الجذور الأولى..

انقضت المرحلة الثورية، والتي تداخلت فيها الكثير من القضايا، محليا وإقليميا ودوليا، واصبح الكثير من الثوار قادة في الدولة ومراكز القرار السياسي الذي كان نتيجة واثرا لتلك المرحلة..

يتفق معظم المراقبين، على أن للثورة الإيرانية تراث مختلط، تداخل فيه الكثير من التنظير والتطبيق، ترك اثارا وتقييمات مختلفة في الداخل أو الخارج.

فعلى المستوى الدولي، ينظر إلى الثورة الإيرانية على أنها المسؤولة عن بدء حقبة الأصولية الخمينية، من خلال شعارات تصدير الثورة، ومن خلال ظهور حزب الله على الساحة الشيعية، إلى تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المتنوعة على الساحة السنية.

على الصعيد الداخلي، لقيت بعض أهداف الثورة العامة والتي رفعتها في بداياتها بعض النجاحات المعقولة، مثل القضاء على العلمانية والنفوذ الاميركي في الحكومة داخل ايران. لكن شعارات أخرى، لم تحقق ذلك النجاح مثل، زيادة الحرية السياسية والمساواة الاقتصادية والاكتفاء الذاتي وتثقيف الجماهير، والنزاهة والفعالية والكفاءة في إدارة الحكومة.

واذا كان التذمر من الاستبداد والفساد تم توجيهه ضد الشاه وحاشيته وكان سببا في قيام الثورة، فانه الان يوجه الى (رجال الدين في السلطة)، وكذلك بروز حالة من الخوف من الحرس الثوري.

أيضا لم يتحقق الازدهار الاقتصاد والذي كان هدفا من اهداف الثورة، ولا زال الاعتماد على النفط هو الطاغي في مجمل النشاط الاقتصادي الإيراني.

هذه القضايا وغيرها، كانت محور نقاشات ملتقى النبأ الأسبوعي، الذي تعددت فيه الآراء والتحليلات حول التجربة الإيرانية، وانتقالها من الثورة الى الدولة.

يطرح البعض سؤالا يرى انه محوريا ويفتح به أبواب النقاش، وهو: لماذا فشلت الثورة في الداخل حين تحولت الى دولة ونجحت في الخارج من خلال بعض الجماعات التي تدافع عن تلك التجربة؟.

في مقاربته للثورة الإيرانية، والعوامل التي ساعدت على نجاحها، يؤكد على ان الثورة الإيرانية قادتها الطبقة الوسطى واصبح الخميني قائدا لها. وبعد ان ترسخت السلطات بيد عدد محدود من قادتها او المشاركين فيها، استبعدت تلك الطبقة، وأصبحت في موقع المعارضة لسياسات الدولة والحكومة.

ومما يلاحظ أيضا، ان الثورة الإيرانية قد ساعدت على تغيير الديموغرافية السكانية في ايران، واصبح القادمون من الريف، على اعتبار ان ايران تكثر فيها المناطق الريفية والزراعية، هؤلاء القادمون هم الذين قادوا الدولة في مراحل لاحقة، مما أدى الى بروز نظرة احتقار لابن المدينة لابن الريف وحقد ابن الريف ضد ابن المدينة، نتيجة لظهور الصراع الطبقي بين مجتمعين (ريفي – حضري) وثقافتين. بتراجع الطبقة الوسطى، كمؤيدة للثورة وشعاراتها، ومعارضتها للدولة وسياساتها، أصبحت الطبقات الفلاحية والريفية هي القاعدة العريضة والمؤيدة للسلطة في ايران.

امتلكت الثورة الإيرانية عند حدوثها وهجا قويا جذب الشيعة الى الكثير من شعاراتها التي رفعتها، واعتقد الشيعة في اوطانهم التي لم تمنحهم أي حق من حقوقهم، هي المدافعة عنهم وعن تلك الحقوق. لكن مثل هذا التصور والموقف وتلك القراءة ستشكل لاحقا الكثير من عوامل التوتر في علاقة الشيعة مع اقرانهم في بلدانهم التي يعيشون فيها.

وفي معرض التحليل لتراجع الثورة عن شعاراتها، بان تلك الثورة وهي تتحول الى سلطة اخذت تستبعد الاخرين الذين يختلفون معها، وتقصيهم من أي مشاركة محتملة في صنع القرار أو تنفيذه.

ويتحدث بعض المراقبين عن ولاية الفقيه وكيف تحولت الى حكم مطلق في التجربة الايرانية. وهو يرى ان نظرية ولاية الفقيه، ليست نظرية عقائدية اصلية، بل هي نظرية سياسية ليست الا واحدة من نظريات الحكم في الفقه الشيعي، وهي تستبطن بعض الجوانب من نظرية المستبد العادل.

ولاية الفقيه وقبل ان تصل الى ما انتهت اليه، كانت سببا رئيسيا للخلاف الذي نشأ بين الخميني ومن كان مرشحا لخلافته وهو حسين منتظري. حين رأى ان ولاية الفقيه مكتسبة من الامة على العكس مما كان ينادي به الخميني.

انتهت ولاية الفقيه في ايران الى ان تكون حاكمية مطلقة وعابرة للدستور وفوق القوانين والتشريعات. مما قاد الى ان تكون مرفوضة في الكثير من الأوساط الشيعية.

وحول التصورات عن الوضع الإيراني الحالي، والتقارب مع أمريكا، فان التغيير في ايران قادم لا محالة تبعا لكثير من التطورات على المستوى المحلي والدولي.

محليا قيام الرئيس الإيراني حسن روحاني بالانفتاح على أمريكا وأوربا، والموافقة على ترتيبات جديدة، لشراكة مستقبلية حول الوجود الإيراني في مناطق نفوذ متعددة.

من هنا فان جميع اللاعبين السياسيين والذي يلعبون بطريقة متعجرفة سيسقطون.

في مداخلته يقدم الإعلامي محمد امين، قراءة أخرى للثورة وللدولة في ايران، وهو يرى ان الكثير من التوقعات التي رافقت الثورة قد أصابها الإحباط، نتيجة لعدم وجود أو احداث تحولات إسلامية واقعية. إضافة الى ان الصورة التي كانت راسخة في اذهان الجماهير حول رجال الدين قد أصيبت بتشوهات عديدة حين اصبح رجل الدين تنفيذيا في السلطة والحكومة.

ويضيف محمد امين، ان الخميني وفي بدايات الثورة، وفي طريقه الى تشكيل حكومة، لم يكن لديه مساعدون من رجال الدين بل كانت الحلقة المحيطة به هي من العلمانيين الذين يتوفرون على حس ديني.

ويذكر بشخصية الدكتور إبراهيم اليزدي ومجموعته الشبابية التي شكلت الحكومة واسسوا فيما بعد الحزب الجمهوري.

 وهو يعتقد ان المشروع الأمريكي والذي يدعم عودة ايران الى ان تكون لاعبا مشاركا في الترتيبات الجديدة، وهذا ماكان يتردد كثيرا قبل الانتخابات الأخيرة، ومقدار التغيير في ايران خلال السنوات الأربع القادمة.

في معرض تعليقه على النقاشات السابقة، يرى الدكتور علي ياسين التدريسي في جامعة كربلاء، ان الثورة الإيرانية قد امتلكت عوامل نجاحها من داخل المجتمع الإيراني نفسه.

واذا كان الشاه وهو يؤسس لدولة علمانية في سنوات حكمه، قد عمل على ترسيخ مشاعر المواطنة داخل الفرد الإيراني، فان الثورة قد زادت هذا المفهوم ترسيخا في وعيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/شباط/2014 - 23/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م