ثقافة الاختلاف واكتشاف طريق النجاح

محمد علي جواد تقي

شبكة النبأ: عندما نقبل ونؤمن بمبدأ التنوع والتعدد في الحياة الانسانية، فمن البديهي أن نقبل بحالة "الاختلاف"، التي هي سنّة الهية، ليس فيما يتعلق بالانسان فقط، إنما في الحياة والكون بشكل عام، تعطي ثماراً ونتائج باهرة تؤكد دائماً حكمة البارئ عزّوجل في وضع كل شيء بمقدار وميزان دقيق. وهذه الحقيقة يبينها القرآن الكريم: "إن في اختلاف الليل والنهار لآيات لقوم يعقلون".

وهذا "الاختلاف" والتنوع الكوني ينسحب على الانسان ايضاً، فهنالك التعدد والتنوع في ظاهر الانسان، حيث اللون واللغة والمواصفات الجسدية، كما هنالك التنوع في بواطن الانسان، حيث نشهد التنوع في السلوك والعادات والثقافات وايضاً الافكار. وهنا تكمن الحاجة الى دراسة الحالة بشكل موضوعي، دون أحكام مسبقة او التسرّع بتشكيل أطر معينة بغية الاستفادة الاكثر وتحقيق المكاسب الاكبر، حتى يُصار الى تعميم الفائدة ما دامت الحالة عامة، لاننا عرفنا سلفاً ان هناك هدفاً سامياً من وراء هذه السنّة والمعادلة، وهي التعارف والتكامل، كما يبين لنا القرآن الكريم: " خلقناكم  شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم".

وبنظرة خاطفة على بعض الاسقاطات في الساحة الثقافية، نجد أن مردها الى تعدد الهدفية والغايات، ففي هذه الحالة من البديهي ان تتعدد اساليب التعامل والتعاطي، لان الاختلاف عند هذا، غير الاختلاف عند ذاك. فالبعض يعده أمراً حسناً، ومنطلق للبناء والنمو في المجالات كافة، مستنداً الى الحديث النبوي المتواتر "اختلاف أمتي رحمة"، ويدعمه بقيمة مقدسة وهي "حرية التعبير"، فيكون الاختلاف في ظل هذه الحرية، عامل لاكتشاف المواهب وطريق نحو التقدم، بينما يراه آخرون العكس تماماً، فهو ظاهرة خطيرة تهدد المصالح وتثير الكوامن والمشاعر، وتدفع الانسان نحو تغيير واقعه الفاسد، بل حتى مراجعة افكاره وقناعاته.

ويبدو ان في الساحة الثقافية تأثرت بظاهرة قديمة في السياسة تُعرف بـ"المحافظة على الوضع القائم"، ومنها تشكلت مدرسة "المحافظين" وهؤلاء لا يؤمنون بالتغيير في السلوك والقناعات وطريقة العيش، إنما يؤمنون ببقاء الانسان في حالته الموجودة، وهو منهج يستقي جذوره من العهود الارستقراطية في اوربا، حيث حكم "النبلاء" والطبقية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بمعنى انه اذا وجد الاختلاف في الرؤى والافكار داخل المذهب الواحد، فليس بالضرورة ان يفضي الى الحيوية في الساحة الثقافية والفكرية ويكرس المشاركة العامة في إثراء الافكار وتقويمها لايجاد الحلول الناجعة لعديد الظواهر المرضية التي نعاني منها.

لنأخذ مثالاً على ذلك؛ البعض يعتقد ان نشر الفكر الشيعي وثقافة أهل البيت، عليهم السلام، تتم عبر المشاعر والعواطف، فاذا تمت الإثارة والتعبئة الصحيحة عبر وسائل الاعلام والاتصال المتاحة حالياً، يمكن الحصول على افضل النتائج. بينما هنالك اعتقاد آخر، ربما لا يبتعد كثيراً عن هذا، ويذهب الى العقلانية وتحكيم التجربة والعِبرة ، أو "الدروس" – إن صحّ التعبير- فالى جانب مشاهد الظلم والاضطهاد المؤلمة التي مر بها أهل البيت ، عليهم السلام، واتباعهم منذ وفاة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وحتى اليوم، هنالك السيرة والنهج والطريقة التي يمكننا مراجعتها في عديد المصادر التاريخية وايضاً مصادر الحديث الموثوقة.

هذا المثال وأشباهه كثير، يؤكد لنا حقيقة الاشتراك في مبادئ وأسس في العقيدة والفكر، فالى جانب الاحكام والتشريعات المستندة الى تعاليم أهل البيت ، عليهم السلام، هناك "الفكر الحسيني" الناهض – مثلاً- وهناك ايضاً "الغيبة والانتظار" وغيرها، مما يعده المتابعون من اصحاب المدارس الاخرى في العالم، بانها تمثل كنوزاً ثمينة من شأنها ان تساعد الانسان على التقدم في حياته، وليس الاقتصار على الجانب المعنوي والعبادي. وهذا يدعو المعنيين بالشأن الثقافي في الساحة لأن يلتفتوا الى مسألة توحيد الهدفية والغاية من الاختلاف، كما يجمعون على حقيقة الاختلاف نفسه، أما التعدد في الاهداف، من شأنه ان يؤدي الى نتائج غير محمودة، منها تفرع المدارس والمذاهب الفكرية داخل المدرسة الواحدة. وهنا الاختلاف لن يكون على الفروع، كما يفترض، إنما سيكون على الأصول. لذا نلاحظ حالات المساس بأصل التوحيد والعدالة والولاية، والحجة التي يسوقها اصحاب هذا التوجه، هو مبدأة "الاختلاف"، وغير هذا، يكون الاستبداد ومصادرة الرأي الآخر..!.

ونتيجة أخرى نلاحظها كثيراً في الساحة، وهي حالة الإلغاء والإقصاء بأساليب عنيفة، فالبعض يجد نفسه أنه الأصل والمحور، فاذا كان هنالك اختلاف، فيجب ان لا ينال من هذا الاصل الذي هو عبارة عن مجموعة قناعات ورؤى معينة، ربما هنالك الافضل والأصوب منها في الساحة.

وهنا تحديداً تكمن الخطورة في ذهاب البعض بمبدأ الاختلاف بعيداً عن الاهداف السامية التي شرّعها الله تعالى وسنّها للكون والانسان, كما حدد المعيار الذي يجب ان يقف عنده المختلفون في الرؤى والافكار والاساليب دون استثناء، وهو "التقوى"، "إن اكرمكم عند الله اتقاكم"، هذه التقوى تمثل بالحقيقة الطريق والجادة التي تسير عليها عملية التعارف بين الألوان والاعراق والشرائح الاجتماعية ، وايضاً عملية تبادل الافكار ووجهات النظر، وبهذا الطريق تقدمت الشعوب والأمم، والعكس بالعكس تماماً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/شباط/2014 - 22/ربيع الثاني/1435