أخلاقيات التغيير.. الاعتراف مقدمة للتراجع

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل بداية تقود الى نهاية، طالت خطواتها أم قصرت، وكل خطوة في سعيها، تترك اثرا من خير او شر، يثاب صاحبها عليه او يعاقب، ما بين الثواب والعقاب، مساحة من دفع اثمان معينة، تتعثر بها الخطوات بين حين واخر.

كل خطوة في غير محلها يمكن التراجع عنها، وكل خطوة تسير على ارض صلبة يمكن الاستمرار بها.. الوقوف عند الخطوة المتعثرة يتطلب الاعتراف باثرها المنطبع على الطريق، والاعتراف مقدمة للتراجع، وهو يستدعي من ضمن مايستدعيه طلب العفو والاستغفار.

الانسان خطّاء كبير، لكنه وطوال مسيره يمكن ان يتوقف وان يتراجع عن اخطائه تلك.. لكنه في زحمة سيره في هذه الحياة الدنيا، فانه ينسى، وهو كثيرا مايفعل ذلك، معتمدا على طول الامل والرجاء.. النسيان قد يستغرق فيه الانسان كثيرا، وهو ما يؤدي الى حالة من تكرار الخطأ الذي يختفي تحت اكوام من الأخطاء والسنوات.. يعجب الانسان أحيانا، حين تصيبه سيئة أو شر ما، ويحاول ابعاد نفسه كمسبب لما أصابه، معتقدا أنه على صواب دائما في سيره نحو الكمال.

يتوقف المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، في كتابه (نفحات الهداية) عند هذا الشر وتلك السيئة التي تصيب الانسان في مسيرة حياته، ويشرح لها ويفسرها من خلال قوله تعالى: في كتابه الكريم: (ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك).

و(هذه الاية الكريمة تخبر الانسان ان ما يصيبه من حسنة ونفع وربح وخير وكل شيء في صالحه فانما هو من الله تعالى، لان الله لا يريد لاحد شرا او سوءا. واما السيئات والمصائب التي تصيب الانسان فهي من الانسان نفسه. وكل ابتلاء يصيب الانسان فسببه الانسان نفسه).

أي (ان ما يصدر عن الانسان اما ان يكون حسنة وخيرا ينتفع به، او سيئة وشرا يضره).

وهذه (الإصابة) وتحديدا في جانبها السيء، هي بسبب هذا النسيان، وحسن الظن بالنفس الذي يعيشه كثير من الناس، والذي يتحول الى (العجب) احد المهلكات الثلاث التي حذر منها الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، واعجاب المرء بنفسه).

وهو متأت من وقوف الانسان عند لحظة معينة والاعتقاد في كماله عندها.. لهذا فان (الاسلام يحث على تربية الفطرة في النفس مع توجيهها نحو الخير، فهو يرغب في ان يرى الانسان نفسه دون كماله المنشود، حتى يجاهد ويجتهد ويكد مدى الحياة). كما يعبر المرجع الشيرازي عن ذلك في كتاب (جامع المسائل الشرعية).

العجب (يشل القوى الخيرة، ويوجب الكسل والبطالة، ويوقف النشاط عن العمل، وبذلك يتدهور الانسان الى حيث النقص).

بالعودة الى الآية القرانية، تخبرنا ان كل عمل سيء قام به الانسان، وفي أي مرحلة من عمله، سيرتد عليه، سوءا وشرا، لايدري سببه لانه نسي ما عمله وما قام به، وهو الذي يأخذه العجب بعيدا في تصور الكمال وعدم رؤية عيوبه.. وتقف الغفلة كذلك خلف الكثير من تلك الشرور التي لا نعرف لها سببا، لكنها موجودة في سلوكنا الماضي، (فربما ظلمنا انسانا او غصبناه حقه وان لم نكن منتبهين)، مما يرتب على ذلك (اثارا تكوينية للاعمال لا تغيرها النوايا ولا الجهل بها، فهي تترك اثارها، سواءا علم الانسان بها ام لم يعلم).

هناك من الناس من يكترث بما تؤول اليه نتائج فعله، وهناك من لا يكترث بذلك، وهذا (ستلحقه النتيجة السيئة طالت المدة او قصرت، وعلى الانسان ان يكون حذرا ولا يغتر).

يقتبس المرجع السيد صادق الشيرازي قولا لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو: (يابن ادم اذا رايت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وانت تعصيه فاحذره).

ويقدم المرجع الشيرازي شرحه حول ذلك بقوله: (اتدري لماذا؟. لان هذا معناه ان الله اخر له السوء في الاخرة. وهناك المصيبة اعظم، لان الدنيا تنتهي وتنصرم والانسان ينجو منها على كل حال).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/شباط/2014 - 22/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م