بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء
والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم
المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما
خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم
الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
(المتقدمات) على الظهور محذرّات ومنبهِّات
(المتقدمات) على الظهور المبارك للامام القائم المنتظر (عجل الله
تعالى فرجه الشريف)
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ
بِنُورِ رَبِّهَا) ([1])
ويقول جل اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
([2])
البحث يدور باذن الله سبحانه وتعالى حول عناوين أ- (المتقدِّمات) ب-
و(المقدِّمات) ج- و(الممهِّدات) وبعض العناوين الاخرى المشابهة لذلك في
اطار عنوان المرابطة.
المتقدمات والمقدمات والممهدات
فمن المعروف ان لظهور سيد الكائنات الحجة المنتظر (صلوات الله
وسلامه عليه) علامات، ومبحث العلامات يحتاج الى بسط من الكلام لاندخل
فيه الان، لكن سنتحدث بايجاز عن ثلاثة عناوين اخرى اصطلحنا في بعضها
على ذلك العنوان كي تكون هذه العناوين حاكية عن الواقع كما هو.
ان عنوان المقدمة والمقدمات والمقدّمية، عنوان معروف، اما عنوان (المتقدمات)
فهو عنوان اخر نجد ان من الضروري ان ننحت له هذا المصطلح الى جوار
عنوان المقدمات، ثم ان لنا عنوانا اخر وهو (الممهدات) فماهو الفرق بين
(الممهدة) و(المقدمة) و(المتقدم)؟ وما هي الثمار التي تترتب على ذلك؟
هذه العناوين الثلاثة ستكون المحور في هذا البحث ان شاء الله تعالى.
الفرق بين (المتقدمة) و(المقدمة) و(الممهدة)
هناك أمور كثيرة ينطبق عليها عنوان المقدمة، اذا ان الكثير من
الاشياء هي مقدمة لأشياء اخرى، كما في المشي الى المسجد أو إلى السوق،
حيث انه مقدمة للوصول إليه، لكن هناك اشياء اخرى هي(متقدمة) وليست
بـ(المقدمة) والفرق بينهما كبير؛ اذ تارة يكون بين الشيئين تعاقب بدون
اقتضاء ولا علية ولا سببية او مسببية، وعندها يكون ههنا تقدم، بحيث
لايكون (المتقدم) مقدمة للمتاخر منهما، بل هو صِرف التقدم، وذلك نظير
المتقارنين اذ قد يكونان متلازمين، وقد تكون المقارنة اتفاقية.
ثم ان التقدم قد يكون زمانيا او مكانيا او كلاهما، وقد يكون في
المتقدم (الاقتضاء) للاخر وقد لايكون كذلك.
ثم ان (المقدمة) تختلف عن (الممهِّدة) اذ الاولى هي ماتوصلك الى
الشئ، اما الثانية ـ الممهدة ـ فهي ماتصنع الشيء.
كمثال لتوضيح الفكرة: اذا خرجتم من داركم قاصدين المسجد، فأعترضكم
جبار وصفعكم فان هذه الصفعة (متقدّمة) على وصولكم الى المسجد وليست
بمقدمة له، بينما مشيكم نحو المسجد (مقدمة) لذلك أي ان مشيكم علة معدة
للوصول الى المسجد.
ثم ان مشيكم لما كان (مقدمة) للوصول فانه يختلف عن (الممهدة) وهي
الاشخاص والعوامل التي صنعت المسجد كالبنّاء والمهندس والعمال وحفر
الارض وتعبيدها وغير ذلك.
بعد هذا التوضيح يقع كلامنا في (المتقدمات) على الظهور المبارك لولي
الله الاعظم (صلوات الله تعالى عليه) وهي كثيرة جدا لكنها ليست (مقدمات)
كما قد يتصور البعض خطأً، كما انها ليست بـ(ممهدات) للظهور المبارك.
ومن هذه (المتقدمات) والتي هي ليست مقدمات أو ممهدات للظهور او لم
يدل دليل على ذلك في بعضها على الاقل، ما جاء في:
الكافي الشريف بسندين ومع قطع النظر عن حجية روايات الكافي بشكل عام،
فان هذه الروايات بعضها معتبر.
من (المتقدمات) على الظهور المبارك
فقد روى الشيخ الكليني ـ طاب ثراه ـ حديث الإمام الصادق (عليه
السلام)([3]) مع حمران وقد جاء فيه قوله (عليه السلام): (فإذا رأيت
الحقّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد)
فانه احيانا يغزو الجور بعض ارجاء البلاد لكنه في احيان اخرى يدخل
في كل بيت بيت وفي كل حجر حجر، وفي كل عشيرة واسرة وشخص، وهذه من
المتقدمات لا المقدمات، وسوف نشير الى الثمرة في فرقها عن المقدمات ان
شاء اللــه.
(ورأيت القرآن قد خلق، واُحدث فيه ما ليس فيه، ووُجِّه على الأهواء،
ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفىء الماء)
فان الانسان قد يصب الماء شيئا فشيئا لكنه احيانا اخرى يقلب الاناء
على وجهه تماما فهل يبقى من الدين عندئذٍ شيء؟ وألا يحيق بكل واحد منا
هذا الخطر؟
(ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق) وهذا ما نجده الان كذلك،
من الشرق الى الغرب ومن العام الى الخاص.
(ورأيت الشرّ ظاهراً لا يُنهى عنه، ويُعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد
ظهر، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء)
(ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبَل قوله،ورأيت الفاسق يكذب ولا يُردّ
عليه كذبه وفريته)
(ورأيت الصغير يستحقر الكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من
يُمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردّ عليه قوله، ورأيت الغلام يعطى ما تعطى
المرأة، ورأيت النساء يتزوجنّ بالنساء)
(ورأيت الثناء قد كثر) والان تجدون ان كثيراً من الناس يتغنَّون
بأمجاد عائلتهم أو سياسييهم أو عالم منطقتهم أو مرجعهم او غير ذلك، مع
ان الثناء المذموم يراد به ـ ولو بمناسبات الحكم والموضوع ـ الثناء
بالباطل عادة، الا ان الاغلب لعله جرى على ان فضيلة الغير تطمس بينما
فضيلة المتكلم او من يحبه يروج لها اكثر مما تستحق
(ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى عنه ولا يؤخذ
على يديه) فانك ترى الملايين بل المليارات تنفق في تشييد دور السينما
الفاسدة او المخامر او المقامر او الفضائيات او مدارس الضلال او
الاحزاب الضالة المضلة ولا يوجد احد ينهى عن ذلك مع ان المطلوب النهي
عن المنكر باستمرار ودون كلل أو ملل بل المطلوب ان يؤخذ على يديه ويمنع
بالقوة درءأ للفساد والافساد،
(ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع)
ولعل إطلاق هذا الكلام (وإلا فملاكه) يشمل الدولة الجارة تؤذي
الدولة الثانية فتتدخل في شؤونها وتؤوي الارهابيين وتقود التفجيرات
الإرهابية، وكذلك تحاول: زعزعة وضعها الاقتصادي أو الاجتماعي وغير ذلك.
(ورأيت الكافر فرحاً لِما يُرى في المؤمن، مَرِحاً لِما يرى في
الأرض من الفساد)، والا نرى الكفار فرحين بما يجري في بلادنا من حروب
داخلية وسفك دماء وظلم الحكام لشعوبهم وثورة الشعوب على حكامهم،
والاستبداد والتخلف والاثرة وتحطم الزراعة والصناعة.. ويكفي فرحهم بما
تشهده دول الخريف العربي!
(ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله تعالى)
(ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً) فمن يستطيع ان يتجرأ ويخاطب الحاكم
او الرئيس او غيرهما؟ وان تجرأ فانهم يسعون بمختلف الطرق لإذلاله.
(ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات
يحتقرون ويحتقر من يحبّهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً، وسبيل الشر
مسلوكا)
(ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله) فيتكلم مع الناس عن الصبر ثم تجده
جازعا في ادنى مصيبة!! او يتكلم عن الورع او الحلم فلا تجده في مظان
الشبهة أو غيرها ورعا ولا حليما!!،
(ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال، والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته
من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما
يتّخذها الرجال، وتُنُوفس في الرجل، ويغار عليه الرجال)
(وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن، وكان الربا ظاهراً لا يعيّر، وكان
الزنا تُمتدح به النساء، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً، ورأيت
البدع والزنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدون بشهادة الزور، ورأيت الحرام
يحلّل)
(ورأيت الدين بالرأي) كما نجده في القياس الذي أضحى سيد المواقف
والذي اصطلحوا عليه الآن بمصطلح برَّاق: (تاريخية الأحكام) و(نسبية
المعرفة) وغير ذلك!
(وعطّل الكتاب وأحكامه) بعناوين شتى ومنها عنوان الأهم والمهم
المتوهَّم! ومنها عنوان تعدد القراءات! وغيرها.
(ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله) فقد اصبح الليل
الوقت المفضل للفساد والإفساد في كل العالم كما تجد الافلام الفاسدة
تبث ليلا بعد منتصفه، ومن الغريب ان بعض الدول الاسلامية تعتبر شهر
رمضان ولياليه موسم الافلام والمسلسلات.
(ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر الّا بقلبه، ورأيت العظيم من المال
ينفق في سخط الله عزّوجلّ، ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون
أهل الخير) فتجد أبرز مستشاري الدول الاسلامية حكومات وشركات هم من
المؤسسات أو الشخصيات الغربية الكافرة وفي مختلف الاختصاصات!
(ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد) وقد
تعارف مؤخرا بيع وشراء المناصب في الصفقات السياسية!!
(ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهنّ، ورأيت الرجل يُقتل على
التهمة وعلى الظنّة، ويُتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله،
ويأكل الرجل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت
المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها)
(ورأيت الأَيمان بالله كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت
الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع)
(ورأيت النساء يبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت
يُمرّ بها لا يجتري أحد على منعها)
(ورأيت الشريف يستذلّه الذي يُخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من
الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبّنا يزوّر ولا تقبل
شهادته، ورأيت الزور من القول يُتنافس فيه)
(ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخفّ على الناس استماع
الباطل)
(ورأيت الجار يكرم جاره خوفاً من لسانه)
(ورأيت الحدود قد عُطِّلت وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد
زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشرّ، قد ظهر
والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا)
فترى البغي منتشرا في كل مكان في الأسواق والعشائر والجامعات
والحوزات الا من عصم الله. والبغي تارة يكون من الأعلى للأدنى، وأخرى
من الأدنى للأعلى، والثالثة من المساوي للمساوي!
(ورأيت الغيبة تُستَملَح ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب
الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يذلّ للكافر المؤمن) أي يذل
المؤمن لأجل رضا الكافر! وما أكثر ذلك في حكومات بلاد الإسلام اليوم!
(ورأيت الخراب قد اُدِيلَ من العمران)، ألا ترى كثرة الأراضي اليباب
البائرة في بلاد الإسلام وألم تكن العراق مثلاً أرض السواد سابقاً؟ فما
بالها اليوم؟
(ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان)
(ورأيت سفك الدماء يُستخفّ بها)
وهذا ما نشاهده بوضوح في عصرنا الحاضر، بل لعله لا يوجد له في
التاريخ نظير، فتجد أمراء الحروب وملوك التفجيرات ومن ورائهم
الديمقراطيات الزائفة يقتلون الالوف ومئات الالوف بل بعضهم يلتذ بسفك
الدماء أيَّ التذاذ خصوصا دماء أتباع اهل البيت عليهم السلام
وينقل عن ذلك الارهابي الهارب ان شهيته كانت مسدودة عن الطعام لمدة
ثلاثة ايام فلما بلغه نجاح العملية التفجيرية التي اعد لها قال: الان
انفتحت شهيتي! هلموا بالطعام!!!
(ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لغرض الدنيا) فعلى الانسان ان يراقب ذاته
في كل ذلك (ويشهر نفسه بخبث اللسان ليُتّقى، وتُسنَد إليه الاُمور،
ورأيت الصلاة قد استُخِفّ بها)
(ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه).
وفي الحادثة التالية عِبرة: فقد زار أحد العلماء تاجراً في احدى
البلاد الاسلامية وطلب منه المساهمة في مشروع خيري فوعد بما يعادل
حوالي (2000) دولار، ثم اخذ يماطل الى ستة اشهر مع انه تاجر كبير
مليونير بل ملياردير!! فما قيمة (2000) دولار في بحر أمواله، لكن الله
يمهل ولا يهمل؟! واذا به بعد مدة يخسر في صفقة تجارية ضخمة بما يعادل
(24) مليون دولار!! فالبلاء قد يأتي على اثر المعصية.
(ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتمّ
بما الناس فيه، ورأيت البهائم تُنكح، ورأيت البهائم يفرس بعضها بعضاً،
ورأيت قلوب الناس قد قَسَت وجمدت أعينهم)
وما أكثر من يرى المعاصي فلا يهتم ولا يبالي!، وفي السابق كنا اذا
سمعنا عن سرقة او ظلامة فان قلوبنا كانت تنكسر ويعتصرها الألم لكن الان
نسمع ونرى أمواجاً من المعاصي والجرائم المهولة خاصة تفجيرات
الإرهابيين وجرائمهم فلا نبالي ونمر عليها مرور الكرام، فالقلوب أضحت
قاسية، وقد قال امير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه:
"...وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ
عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاْخْرَى المُعَاهَدَةِ،
فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما
تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ
انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ
أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ
هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي
جَدِيراً"([4])
ان القلوب أصبحت الان قاسية، فكيف يرحمنا الله تعالى؟ وهل نحن
مأهّلون لظهور الامام (عليه السلام)؟ كلا، إذ اين مظهر النور ومعدن
القداسة والطهارة والكمال من هذا البشر نازل المستوى في اقل التعابير؟
(وثقل الذكر عليهم) تقول لهذا أو ذاك: (اذكر الله) وأنت في الطريق
أو السوق أو الجامعة أو الوزارة، فيثقل عليه ذلك!!
(ورأيت السُحتَ قد ظهر يُتنافس فيه، ورأيت المصلّي إنّما يُصلّي
ليراه الناس)،
(ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس
مع من غلب) في كل مكان تجد الناس مع من غلب! الا من عصمه الله.
(ورأيت طالب الحلال يُذمّ ويُعيّر، وطالب الحرام يمدح ويعظّم، ورأيت
الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم
وبين العمل القبيح أحد)
(ورأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
فيقوم إليه من ينصحه في نفسه، فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر
بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور)
(ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد)...
(ورأيت كلّ عام يحدث فيه من الشرّ والبدعة أكثر ممّا كان)
(ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء، ورأيت المحتاج
يُعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا
يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد
منكراً تخوّفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله،
ويمنع اليسير في طاعة الله)
(ورأيت العقوق قد ظهر واستُخِفّ بالوالدين، وكانا من أسوء الناس
حالاً عند الولد، ويفرح بأن يُفترى عليهما)
(ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كلّ أمرٍ لا يؤتى إلّا
مالهنّ فيه هوى)
(ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما)
(ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكتسب فيه الذنب العظيم من فجور أو
بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر، كئيباً حزيناً يحسب أنّ
ذلك اليوم وضيعة من عمره)
(ورأيت السلطان يحتكر الطعام)
(ورأيت أموال ذوي القربى تُقسَّم في الزور ويُتقامَر بها وتشرب بها
الخمور)
(ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها)
(ورأيت الناس قد استَوَوا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وترك التدين به)
(ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرّك)
(ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر)
(ورأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف الله، يجتمعون فيها للغيبة وأكل
لحوم أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلّي
بالناس وهو لا يعقل ولا يُشان بالسكر، وإذا سكر اُكرم واتُّقي وخِيف
وتُرك، لا يعاقب ويعذر بسكره)
(ورأيت من يأكل أموال اليتامى يُحمد بصلاحه)
(ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون
الخونة للطمع)
(ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسق والجرأة على الله،
يأخذون منهم ويخلّونهم وما يشتهون)
(ورأيت المنابر يُؤمَر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر)
(ورأيت الصلاة قد استُخِفّ بأوقاتها)
(ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله، وتُعطى لطلب الناس)
(ورأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم لا يبالوا بما أكلوا وما نكحوا،
ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد دُرِست)
(فكن على حذر، واطلبْ إلى الله تعالى النجاة، واعلم أنّ الناس في
سخط الله تعالى، وإنّما يُمهلهم لأمر يُراد بهم، فكن مترقّباً، واجتهد
ليراك الله تعالى في خلاف ما هم عليه، فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم
عجّلت إلى رحمة الله، وإن أخّرت ابتلوا وقد كنت قد خرجت ممّا هم فيه من
الجرأة على الله تعالى. واعلم أنّ الله لا يضيع أجر المحسنين، وأنّ
رحمة الله قريب من المحسنين).
وفي رواية اخرى عن الامام عليه السلام في نهج البلاغة: "يدرس
الاسلام كما يدرس وشي الثوب فعند ذلك اخذ الباطل ماخذه، ولبس الاسلام
لبس الفرو مقوبا"
فتراه يعمل بالمنكر فاذا انكرت عليه بادرك ان هذا هو المعروف!! وهذه
هي الشريعة وهذه هي الأدلة!! كذبا وزورا.
ولذا يقول الامام عليه السلام كما في اكمال الدين: "ان الاسلام بدأ
غريبا وسيعود غريبا كما بدأ"([5])
وفي رواية اخرى في مكارم الاخلاق: "سيأتي من بعدي أقوام يأكلون
طيبات الطعام و ألوانها و يركبون الدواب و يتزينون بزينة المرأة لزوجها
و يتبرجون تبرج النساء وزيهم مثل زي الملوك الجبابرة هم منافقو هذه
الأمة في آخر الزمان شاربوا القهوات لاعبون بالكعاب راكبون الشهوات
تاركون الجماعات راقدون عن العتمات مفرطون في الغدوات يقول الله تعالى:
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) يا ابن مسعود مثلهم مثل
الدفلى زهرتها حسنة و طعمها مر كلامهم الحكمة و أعمالهم داء لا تقبل
الدواء"([6])
وكم تجد الآن من أشخاص عملهم عمل الحاسد الحاقد الظالم الجائر لكن
كلامهم معسول منمّق؟!
وفي رواية اخرى: "يَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ
وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ الْآدَمِيِّينَ وَ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ
الشَّيَاطِين..."([7])
فتجده استاذا في المكر والتدليس والحيلة، الى درجة ان الشيطان قد
يتعلم منه.
حاكم إسلامي معاصر يستنسخ تجربة معاوية!
وقد نقل لي بعض أهل الخبرة والتتبع والإطلاع عن احد حكام بلاد
الاسلام انه قبل فترة شكل لجنة لدراسة كيفية سيطرة معاوية بن ابي سفيان
على البلدان الإسلامية تلك المدة الطويلة؟ وماهي الحيل السياسية التي
استعملها معاوية في ذلك؟ وكيف قتل غيلة؟ وكيف أدار البلاد بالمكر
والخديعة حتى خضعت لحكمه وجوره؟
وقد تتبعت شخصيا سياسة ذلك الحاكم ومنهجيته وأنواع قراراته فرأيت ان
بعض أساليبه الآن مقتبسة بالفعل من سياسة معاوية بن ابي سفيان: نفس
الاسلوب ونفس المنهج!!.
الثمرة في المتقدمات: انها محذِّرات
وصفوة القول: ان هذه الأمور هي من (المتقدمات) وليست من (المقدمات)،
فما هو الفرق؟ وما هي الثمرة من هذا التفريق؟
ان هذه (المتقدمات) ليس لها عِلِّيه للظهور المبارك بل وليس لها
اقتضاء ولا أية جهة إعدادية أبداً، فلا هي علة موصلة ولا هي من
الممهدات، بل هي (متقدمات) فقط، أي: أمر يحدث قبل امر اخر فهو كالتقدم
المكاني وتظهر الفائدة في ذكرها انها (محذرات) على الانسان ان يحذر مما
جاء فيها من الأهاويل والفدائح والمعاصي وكل من يطالعها يشعر في عمقه
ان الإمام عليه السلام لم يأتِ بها لمجرد الأخبار الغيبي الصرف بل يشعر
انها تحذره وتشير - بدلالة الإيماء والتنبيه أو غيرها - الى ان لا يكون
كذلك.
ان على كل منا ان يحذر من ان يكون قلبه قاسيا، او كقلوب الشياطين او
ان يمر على المعصية ولا ينقلع قلبه لها!
اننا نسمع في الفضائيات او نقرا في الجرائد والمجلات الكثير الكثير
من مصاديق هتك المقدسات من قبيل هتك حرمة بعض اهل البيت سلام الله
عليهم ولكن نمر على ذلك مرور الكرام.. وانني شخصياً اعرف احد العلماء
سمع ذات مرة خبرا ان احدهم قال كلمة غير مهذبة عن امير المؤمنين عليه
السلام فبقي هذا العالم الموالي اياما متالما قَلِقا مضطرباً، كيف ان
شخصا يتكلم عن الامير (صلوات الله تعالى عليه) بها الكلام؟!! ثم اتخذ
سلسلة من الاجراءات والخطوات لمنع تكرار مثل تلك الاساءات...
ان الكثير منا قد يسمع شخصا يتكلم بكلام يجترئ به على مقدساتنا
وحرماتنا ومحرماتنا لكن نمرّ عليها مروراً عابراً... وما ذلك الا لقسوة
القلوب والعياذ بالله.
والحاصل: ان هذه المتقدمات محذِّرات... فهل من معتبر؟!.
اتهام احد العلماء العاملين بانه يرى الإفساد مقدمة لتعجيل الظهور!
ثم ان بعض الجهلة تصوروا وبعض المغرضين اتهموا بعض العلماء منا، ان
الظهور المبارك متوقف على هذه العلامات وبذلك حوّل هذه (المتقدمات) الى
(مقدمات) بل الى (ممهدات)، لانه ورد متواترا ان الامام المنتظر (عليه
السلام) يملأها قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا، فهؤلاء الجهلة
تصوروا ان عليهم ان يكثروا من المعاصي والموبقات والظلم وكل ما ذكر في
تلك الروايات حتى يعجلوا الظهور للامام عليه السلام!!!
وبذلك فقد صوروا ـ خطأ منهم أو عمداً وعناداً ـ المتقدمات كمقدمات
بل كممهدات
ثم جاء بعض المغرضين واتهموا بعض العلماء بذلك ـ وحاشاهم منه ـ وممن
أُتّهم المرحوم الشيخ محمود الحلبي وهو احد كبار العلماء العاملين
الابرار الذين ربوا عشرات الآلاف من خيرة الشباب الجامعيين وغيرهم، وقد
رأيت الكثير ممن رباهم هذا الشيخ الرباني الكبير في دول عديدة وقد
وجدتهم من خيرة المتدينين.
لكن بعض المغرضين اتهموه انه يدعو إلى نشر الفساد والظلم والرذيلة،
وغير ذلك من الكذب عليه قدس سره، لكي يكون ذلك سبباً لتعجيل الظهور
المبارك!.
وكلامنا فعلا ليس عن ذلك العالم ـ وان كان إحقاق الحق والدفاع عن
المطلوب مطلوبا لازماً ـ الا ان كلامنا عن اصل الشبهة القائلة: ان
الظهور يتوقف على نشر الفساد والافساد فعلينا ان نقوم بذلك لتعجيله
وتقريبه!! ومن البديهي انها شبهة باطلة واهية مخالفة لضروريات الدين
ومعارضة لمسلمات الكتاب والسنة.. وعليه: فلا مجال ابداً للخلط بين
(المتقدمات) و (المقدمات)، فالمتقدمات ليست مقدمات ولا هي ممهدات ان لم
تكن معوقات!.
مسؤولية (المرابطة) في زمن الغيبة
لقد ظهر إذن بجلاء: ان عالم ما قبل الظهور فيه متقدمات، لكن السؤال
المهم هو: ما هي المسؤولية الملقاة على عواتقنا في عصر الغيبة وعالم ما
قبل الظهور؟
نقول: المسؤولية هي (المرابطة) والحديث حول المرابطة طويل مضى منه
شطر في محاضرات سابقة وسياتي كلام اخر ان شاء الله، لكننا نشير هنا الى
قاعدة مهمة:
وضوح الرؤية يضاعف الحافز
وهذه القاعدة تقول: "كلما كانت الرؤية تجاه خطر من الاخطار اوضح،
كان الحافز للتصدي له اكبر"
وهذا امر فطري وجداني، فلو ان الانسان كانت رويته واضحة اتجاه خطر
الأفعى الرقطاء وان سمها قاتل له على الفور فانه سوف يحذرها ويتجنبها
بكل ما يستطيع:
والمشكلة الاساسية هي اننا لا ندرك مخاطر عصر الغيبة جيدا، نعم قد
ندرك بعض المخاطر أو بعض أبعادها ثم نتناساها في زحمة العمل والالتهاء
الروتيني في الحياة اليومية، لذا فان من النافع والضروري ان يطلع
الانسان على مختلف المتقدمات التي اشرنا اليها وغيرها، وبشكل مستوعب
وان يقرا على الاقل رواية واحدة عن ذلك كل يوم، فان استعداده عندئذٍ
سوف يكون اكثر واكبر.
وسوف نذكر رواية من هذه الروايات ونختم بها الكلام: فقد اورد صاحب
كتاب عوالم العلوم والمعارف والاحوال:
عن الامام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
واله ذات يوم وعنده جماعة من اصحابه: "اللهم لقني اخواني" مرتين، فقال
له من حوله من اصحابه: اما نحن من اخوانك يارسول الله فقال: لا، انكم
اصحابي، واخواني قوم في اخر الزمان امنوا بي ولم يروني ولقد عرفنيهم
الله باسمائهم واسماء اباءهم من قبل ان يخرجهم من اصلاب اباءهم وارحام
امهاتهم، لأحدهم اشد بُقيةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء)
وخرط القتاد مثل يضرب لشدة مقاساة الالم في مواجهة المخاطر الكبيرة
فان دخول الشوكة الواحدة في يد الإنسان مؤلم جداً فكيف بان يمسك
الإنسان بيده غصناً مليئاً بالأشواك المدبّبة ثم يخرطها بقوة من أعلى
إلى أسفل! كم ذلك مؤلم؟ وكم انه يحتاج إلى صبر دؤوب حتى انتهاء العملية
بأكملها! وقد جاء في (مجمع البحرين): القتاد كسحاب شجر صلب شوكه كالأبر
تضرب فيه الأمثال.
ولا شك ان مواجهة الابتلاءات الدنيوية التي تنازع المؤمن على دينه
كالظلم وحب الدنيا والرياسة والاموال وغير ذلك من الخطورة بمكان بحيث
كانها كخرط القتاد (او كالقابض على جمر الغضى) وهو نوع من الشجر حطبه
يستمر كثيرا في الاشتعال والاستعار حتى ينطفئ (اولئك مصابيح الدجى
ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة)
نسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن اشار اليهم رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): ممن يتصفون بهذه الصفات ويكونون جديرين
باخوة رسول الله صلى الله عليه واله.
اللهم ارني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني
اليه، وعجل فرجه وسهل مخرجه واوسع منهجه واسلك بي محجته.. امين رب
العالمين.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله
الطيبين الطاهرين.
* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mortadashirazi.htm
................................................
([1]) الزمر:69
([2]) آل عمران:200
([3]) لم يورد السيد الأستاذ (حفظه الله) الرواية
بطولها بل اقتصر على مقاطع منها وهي التي علّق عليها فقط، إلا اننا
أوردنا أكثرها تتمة للفائدة (المقرر).
([4]) نهج البلاغة ص 19.
([5]) كمال الدين ج1 ص200 ومستدرك الوسائل ج11 ص323.
([6]) مكارم الأخلاق ص448.
([7]) مستدرك الوسائل ج11 ص377 |