الصومال بين الفساد والقاعدة

 

شبكة النبأ: أرسلت محافظة البنك المركزي الصومالي خطاب استقالتها من دبي لتضع المانحين الغربيين في مأزق بشأن دعمهم لحكومة يحتاجون إليها لمكافحة حلفاء تنظيم القاعدة في الصومال، واستقالت المحافظة يسر أبرار بعد سبعة أسابيع فقط من تسلمها المنصب وقالت إنها تعرضت لضغوط حتى تقبل صفقات ارتأت أنها ستفتح باب الفساد.

وبرسالة واحدة عبر البريد الالكتروني وضعت يسر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في معضلة بشأن مدى امكان استرداد الأصول الصومالية المجمدة من الخارج فأحرجت مانحين غربيين تعهدوا بدفع المليارات لإعادة بناء البلد المقسم بعد عقدين من الفوضى.

وطيلة فترة حربه الأهلية الطويلة ظل الصومال يكابد سياسات الانقسام القبلي إلى جانب تمرد حركة الشباب وهي الفرع المحلي للقاعدة، قدمت حكومات غربية -تعتزم تفادي تدخل عسكري آخر على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان- دعمها للرئيس الصومالي وهو أستاذ جامعي سابق تلقى تعليمه في الهند وكان ناشطا في مجال الحقوق المدنية. كما دعمت بقوة يسر التي درست في الولايات المتحدة وتولت مناصب رفيعة في بنوك دولية لتصبح أول محافظة للبنك المركزي الصومالي.

ودبت الخلافات بين يسر ومحمود فالرئيس ينفي أي تجاوز كما لم تقدم يسر من جانبها أي وثائق تعضد الشكوى التي تضمنها خطاب استقالتها يوم 30 أكتوبر تشرين الأول، وعلى الرغم من ذلك أصابت المزاعم دبلوماسيين غربيين ومسؤولين في الأمم المتحدة بالصدمة بعدما وضعوا ثقة كبيرة في الرئيس لإعادة الاستقرار إلى الصومال. بحسب رويترز.

ووصف نيكولاس كاي ممثل الأمم المتحدة الخاص بالصومال استقالة يسر أمام مجلس الأمن الدولي بأنها "ضربة قاصمة" لثقة المانحين مضيفا أنها أكدت ضرورة اختيار إدارة اقوى للحفاظ على المال العام في البلاد.

وقال دبلوماسيون إن مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في الصومال والتي ترفع نتائج انشطتها لمجلس الأمن الدولي تنظر الآن في مزاعم يسر، وانتظرت يسر إلى أن سافرت للامارات العربية المتحدة حتى تعلن استقالتها. ولم تتهم يسر في خطابها الذي اطلعت عليه رويترز الرئيس محمود بأي نوع من الفساد لكنها قالت إن طلبات تقدم إليها باستمرار لإجازة صفقات وتعاملات تتعارض مع قيمها الشخصية وتنتهك ذمتها المالية أمام الشعب الصومالي، ودون أن تذكر أسماء قالت إن أطرافا مختلفة في الإدارة افسدت عملها.

وقالت يسر التي تولت من قبل منصب نائب رئيس سيتي جروب إنها عارضت بشدة عقدا مع شركة شولمان رودجرز القانونية الأمريكية تحاول بموجبه استعادة الأصول من الخارج. وأضافت أن هذا من شأنه أن يعرض الأصول المجمدة للخطر ويفتح الباب أمام استشراء الفساد، وأضافت يسر في خطاب استقالتها أنها تلقت تهديدات من أطراف عدة مفادها أن أمنها الشخصي سيكون في خطر إن هي عارضت رغبات الرئيس.

وقالت مصادر اطلعت على رواية يسر للأحداث لرويترز إن الضغوط عليها لقبول العقد جاءت من الرئيس ووزيرة خارجيته في ذلك الوقت، ولم تفصح يسر عن المزيد بشأن مزاعهما عندما طلبت منها رويترز ذلك لكنها قالت في رسالة بالبريد الالكتروني إن مكافحة الفساد ضرورية لبناء الثقة مع الشركاء الدوليين ولدفع البلاد إلى الأمام اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

ونفى الرئيس الصومالي لرويترز ممارسته أي ضغوط على يسر حتى توقع أي عقد. وقال على هامش قمة للاتحاد الافريقي إن تاريخه في الحكومة واضح للغاية منذ أن تولى السلطة، ونفى ممثل عن شولمان رودجرز أن العقد يفتح الباب أمام الفساد وقال لرويترز "إنه عقد سليم وصفقة نظيفة إلى أقصى حد ممكن"، ونقلت المصادر عن يسر قولها إن وزيرة الخارجية السابقة ضغطت عليها أيضا حتى تفتح حسابا بنكيا في دبي رغم إرادتها. واستقالت يسر دون أن تفعل ذلك، وقال محمود لرويترز إنه لم يطلب قط من أي محافظ للبنك المركزي فتح حساب باسمه، ونقلت المصادر عن يسر قولها إن الأصول والأموال القادمة من مانحين في الشرق الأوسط كانت ستنقل عبر الحساب البنكي في دبي قبل أن تحول إلى الصومال. وذكرت أن يسر اعتقدت أن هذا الحساب البنكي سيسيطر عليه الرئيس وأن الأموال خارج حساب البنك المركزي لا يمكن تعقبها مما يجعلها عرضة للفساد والنهب.

استقالت يسر بعد أشهر قلائل من مؤتمر حصلت الحكومة الصومالية فيه على وعود بتلقي 2.5 مليار دولار للمساعدة في اعادة اعمار الصومال. واعتبر الوعد تأييدا جماعيا لرئاسة محمود، وبعد أربعة أيام من استقالتها اجتمع سفراء غربيون يعيشون في كينيا ولا يذهبون إلى مقديشو إلا في زيارات قصيرة لانها لا تزال مدينة خطيرة في فندق بالعاصمة الكينية نيروبي في ظهيرة يوم أحد لبحث الرد على ما حدث.

وقال دبلوماسي حضر الاجتماع إن العديد من السفراء الذين دعموا محمود والقدر الكبير من المساعدات الغربية التي سيحصل عليها الصومال أثناء فترة رئاسته كانوا "غاضبين بشدة وشعروا بالخذلان"، والتقى مبعوثون من بينهم أمريكيون وأوروبيون بعد ذلك بأيام قليلة بمحمود في مطار مقديشو شديد التحصين نظرا لأن التوجه إلى القصر الرئاسي محفوف بالمخاطر بسبب الخوف من المفجرين الانتحاريين.

وكشف تسجيل الامم المتحدة لما دار في الاجتماع أن المبعوثين نقلوا إحساسهم في نقاش حول استقالة يسر، وجاء في التسجيل المكتوب للاجتماع الذي عقد في السابع من نوفمبر تشرين الثاني واطلعت عليه رويترز "عبر الاتحاد الاوروبي والسويد والنرويج والولايات المتحدة عن قلقهم العميق من الأحداث الأخيرة مشيرين إلى أن الثقة في الصومال اهتزت بشدة"، وأضاف أن الرئيس الصومالي رد قائلا إن يسر لم تفصح عن تفاصيل مخاوفها بشأن عقد شولمان رودجرز وإنه لم يهددها قط، وتحدثت رويترز إلى 12 دبلوماسيا يعملون في الصومال وقالوا جميعا إن رواية يسر للأحداث قابلة للتصديق.

كان عبد السلام عمر الذي سبق يسر في المنصب قد وقع على العقد مع شولمان رودجرز. واستقال عمر في سبتمبر أيلول بعدما جاء في تقرير للأمم المتحدة أن البنك المركزي الصومالي كان في ظل قيادته "بؤرة للفساد المالي" حيث خصص نحو 80 في المئة من الأموال المسحوبة لأغراض شخصية وليس لإدارة الحكومة، ورفض عمر الاتهامات الواردة في التقرير، ووفقا للمصادر المقربة من مزاعم يسر فإنها تعرضت لضغوط حتى تقبل الصفقة مع شولمان رودجرز بعد أن أصبحت محافظة للبنك المركزي.

لكن المصادر قالت إن يسر خشيت أن يحصل من يعملون في البحث عن الأصول المجمدة دون أن تعينهم الحكومة أو شولمان رودجرز رسميا على جزء من الأموال المجمدة. ولم تفصح يسر عن أساس هذا الاعتقاد، وقال متحدث رئاسي وشركة شولمان رودجرز إن رجل الأعمال الصومالي موسى جانجاب شارك في البحث. لكن الشركة القانونية والمتحدث نفيا دفع أي أموال له مقابل هذه المهمة أو حصوله على جزء من الأموال المستردة دون وجه حق. ولم يرد جانجاب على طلب من رويترز للتعليق، ونقلت مصادر عن يسر قولها إن الضغوط عليها لقبول الصفقة جاءت من مستويات عليا مثل وزيرة الخارجية السابقة فوزية يوسف حاجي ادن والرئيس، وقال الرئيس الصومالي إن هذا لم يحدث قط ولم يطلبه ولم يسمع به من قبل وإنه لم يعرف به إلا بعد استقالة يسر وليس قبلها.

وقالت شولمان رودجرز لرويترز إنها قضت قرابة أربع سنوات في البحث عن الأصول التي قال عمر إنها تضمنت أموالا في حسابات خاصة ببنوك سويسرية وذهبا في بنوك مركزية أجنبية ونقودا وعقارات، وقالت المصادر إن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة ليسر كانت الضغوط من فوزية ومسؤولين آخرين لفتح حساب في بنك بدبي. واعتقادا منها أن سلامتها كانت في خطر وافقت يسر على التعاون وسافرت إلى دبي لفتح الحساب البنكي لكن عند وصولها استقالت وتوجهت إلى الولايات المتحدة.

ونفى الرئيس الصومالي أن حسابا بنكيا كان من المفترض أن يفتح في دبي وقال إنه أمر شولمان رودجرز بتحويل الأصول المستردة إلى حساب في البنك المركزي. وأكدت الشركة القانونية الأمريكية الأمر ونفت اعتزام فتح حساب بنكي في دبي، ورفضت طلبات قدمتها رويترز عبر الرئاسة لإجراء مقابلة مع وزيرة الخارجية السابقة. لكن متحدثا رئاسيا قال إن قيام فوزية بالضغط على يسر بشأن عقد شولمان رودجرز أو الحساب البنكي في دبي "غير صحيح بالمرة"، وتركت فوزية الوزارة ضمن تعديل وزاري في يناير كانون الثاني، وأقر بعض الدبلوماسيين الذين أجرت رويترز مقابلات معهم بأن القوى الغربية لن تتراجع على الأرجح عن تقديم المساعدات أو الدعم العسكري للصومال بقيمة مئات الملايين من الدولارات سنويا، وأضافوا أن هذا من شأنه أن يقوض سلطة الرئيس ويعزز حركة الشباب التي تريد الاطاحة بالحكومة الصومالية لكنهم قالوا إن ثقة الغرب في محمود لن تعود إلا إذا كافح الكسب غير المشروع بجدية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/شباط/2014 - 21/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م