الإبتكار والإبداع في المشاريع

زاهر الزبيدي

 

مع الثلاثة مليار إنسان ممن تابعوا إحتفالية إفتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الثانية والعشرون "سوتشي 2014" في روسيا، عشنا ساعات من الإنبهار بهذا الإحتفال العالمي كحال بقية الإحتفالات العالمية حيث الإبتكار أهم عناوين الإحتفالية حين اجاد منظموها ايما إجادة في إخراج تلك الإحتفالية العالمية ليضعوا بصمتهم على هذا العنوان العالمي الكبير، تقنيات حديثة وألوان مشعة، ولانعتقد أنه سيكون الأجمل في التأريخ فالعالم في تجدد مستمر وسنفاجئ بإحتفاليات مبهرة قادمة فكل زمن وله قياساته وله العقول المبتكرة القادرة على صنع شيء قد يضعه البعض في خانة المعجزات.

تقول إيلين بيرس Piers أن الإبتكار هو " القدرة على تجنب الأنظمة المألوفة والطرق التقليدية فى التفكير مع أنتاج أصيل جديد وغير شائع ويمكن تفيده وتحقيقه " أما سيمبسون فيعّرف الإبتكار على أنه " المبادأة التي يبديها الفرد في قدرته على التخلص من السياق العادي للتفكير وإتباع نمط جديد من التفكير"، فالقابلية على الإبتكار Innovation لاتبتعد كثيراً عن إحداث نقلة نوعية جديدة بعيدة عن التقليد من خلال توظيف القدرات الخلاقة للأفراد لإنتاج فرقاً ملحوظاً في كل شيء..

 ومن هناك ننطلق الى مجال القابلية على الإبتكار الصناعي والإداري والخدمي على حد سواء.. لنستكشف قابلياتنا في وإبتكار شيء جديد لعالمنا الصغير الذي يدعى العراق.

لامناص من الإعتراف بالفشل فمجرد الإعتراف بذلك نكون قد وضعنا اللبنة الأولى لتطوير قابلياتنا على الإبتكار بل وللشغف به، وفشلنا لايمكن عزله عن الفساد وفسادنا لا يمكن عزله عن ضعف التشريعات الدقيقة التي تصل الى كل مفاصل المشاريع الصغيرة والكبيرة منها..

 نحن بحاجة أولاً الى النزاهة التامة والإخلاص في العمل لأننا بدون ذلك نحكم بالفشل على كل المشاريع الصناعية والإدارية والخدمية المقدمة للمجتمع.. بحاجة الى تولية أمور الخدمات العامة لرجال يدركون معنى الإبتكار بل ويمتلكون الشغف الكامل به ليتمكنوا من التخطيط بجد لذلك.

في بغداد.. تتوالى عملية رصف الأرصفة بأنواع البلاط "المقرنص" وبإصرار كبير وغريب على هذا النوع الذي أثبت فشله الذريع كنوع وكطريقة عمل في شوارعنا وتتكرر العملية لذات الشارع ولمرات عدة مما يستنزف الموارد الكبيرة للدوائر البلدية، كما أن مشاريع تجميل الشوارع التي من الظلم القبول بها لكونها لا تمثل أي إضافة الى الشوارع فهناك شوارع لا تحتاج لتلك المشاريع التافهة التي ما أن تمر عليها أشهر قليلة حتى تنهار ومثال ذلك الشارع الرابط بين جسر البنوك وحتى كلية الإمام الصادق وغيرها من الشوارع التي زرعت بالأشجار لعشرات المرات وكأن الذي يقوم بذلك رجل جاهل غير قادر على إختيار الأشجار التي تتناسب والظروف الجوية التي يمر بها البلد.

مبالغ هائلة تصرف، بلا وجع قلب، يظن البعض ممن ابتدع أوجه الصرف لها بأنه يحقق شيء للمدينة ولكنه تخلفه وعدم وجود الرؤية الصحية يُذهب بتخصيصات المدينة أدراج الريح، ويتحسر أبناء المدينة على تلك المبالغ التي تذهب النسبة الأكبر منها كرشى لتعود من موازنة الحكومة الى جيوب المفسدين من موظفيها حينما تخرسهم تلك المبالغ عن الدفاع عن أرث المدينة وهو ينهار أمامهم.

قبل فترة وجيزة ومع نهاية العام الماضي كانت إحدى البلديات في بغداد قد قررت أن تصرف ما تبقى من موازنتها ولم تجد باباً للصرف غير وضع أشجار معمرة في أصص "سنادين" حمراء كبيرة ! والغريب أنها اختفت بعد حين ولم يعرف لها مصير بعد أشهر من وضعها في الشوارع وبكثافة شديدة لتؤشر للمواطنين حجم الفساد الكبير.

في شارع فلسطين أذكر أن شركة تسمى "الناقة للمقاولات الإنشائية" كانت قد أحيل لها إعمار الشارع وبفترة 200 يوم فقط، انتهت المهلة منذ فترة طويلة، والحال نراه يومياً فما أن تمر في هذا الشارع حتى تشعر بما فعلته تلك الناقة في الشارع الذي كان بشكل أجمل قبل أن تعبث به تلك الناقة.

في باب المعظم، المجسر وسط المنطقة أعوام مضت وهو يشل بحركة المرور الكثيفة في المنطقة.. فعلى الرغم من أن هناك إنجازات تحققت في تلك المجسرات إلا إن هذا المجسر الكبير له تأثيره المباشرة على حياة المواطنين حين لم تسطع عقول واضعي هذا المشروع الى وضع شوارع بديلة تتناسب وكثافة العجلات التي تمر بتلك المنطقة.

مجرد بعض الأمثلة من "خطط الإعمار" التي كان يفترض أن نطلق عليها "خطط التدمير" بدلا من ذلك، فعلى الرغم من وجود تحسن ما في تلك الشوارع إلا إنه لا يكافئ، بأدنى الدرجات، حجم ما يصرف من مبالغ له.

ما يثير أن العالم يقفز قفزات هائلة في مجال الإعمار والتطوير ونحن نتكالب على الشركات التي تدفع لنا أكثر من الرشا لترتع بطون المفسدين ممن لا يمتلكون أي قابلية على الإبتكار أو ان يتوفر لديهم حسن الاختيار، مبالغ هائلة توضع بيد مفسدين فتضيع هباءاً وسط ركاماً من الطين والطابوق المقرنص.

للحكومة هدف واضح وجليّ في مجال إعادة الإعمار ؛ إلا إن الأهداف لايمكن أن تقاس على أساس المبالغ والخطط، الأهداف أعم وأشمل من ذلك بكثير ـ الإعمار لا يمكن أن ينجح دون توفر القابلية على الإبتكار إذا كان المشروع العادي والمبتكر بذات الكلفة، فما الضير من تشكيل مجلس إعمار في مدينة بغداد بديلاً عن مكتب الاعمار والتطوير وتناط به كافة مهام المكتب التي جاءت على موقع مجلس محافظة بغداد كـ " الاشراف على اقامة مشاريع جديدة والاشراف على عملية البنية التحتية والاشراف على تطوير واقع المحافظة ومتابعة العقود والاتفاقيات المبرمة بين محافظة بغداد والجهات الاخرى المتعلقة بمحافظة بغداد، على أن يتكون هذا المجلس من أساتذة العمارة والهندسة المدنية والفنانون ليناقشوا المشاريع التي تتبناها المحافظة والبلديات التابعة لها ويقيّموا ما تحتوية من إبتكار وتجديد في واقع المدينة، وما الضير من أن توكل لهم مسؤوليات وصلاحيات رفض إقامة أي مشروع لا يضيف شيئاً جديداً لواقع المدينة ويثري شوارعها البائسة من فرط الفساد وقباحة الإرهاب.

نحن أمام مسؤولية تأريخية كبرى في الحفاظ على أرث مدينتنا الغالية التي ينهش بها الإرهاب فعسى أن لاندع للفساد موطىء قدم في شوارعها وأحياءها وأن ننمي لدى مسؤولينا القابلية على الإبتكار والإبداع في كل شيء.. حفظ الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/شباط/2014 - 21/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م