السوريون ينتظرون الطاولة السعودية – الإيرانية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: كمثل الصاعقة نزلت على رؤوس الاطفال والنساء والمشردين السوريين، عندما أعلن الاخضر الابراهيمي فشل محادثات "جنيف 2"، في التوصل الى نتائج تضع حداً للقتال الدائر بين الجماعات المسلحة والجيش السوري.

فماذا بعد..؟

هل يعني ان يتطبع حوالي عشرة ملايين انسان على العيش خارج بيوتهم في العراء وتحت الخيام وعلى الهبات والمساعدات، داخل وخارج بلادهم، ولأشهر او ربما سنوات اخرى؟.

انه لأمر مريع حقاً، ان تستمر اراقة الدماء ومشاهد الدمار في سوريا، يدفع ثمنها الشعب السوري لوحده، فقد كان يتصور أن جماعات المعارضة، بشقيها "الارهابي" والسياسي، من جهة، والنظام الحاكم من جهة اخرى، بيدهم الحل والعقد، و ربما تكون هنالك منافذ او قنوات معينة يكتشفها السياسي والدبلوماسي المخضرم الجزائري الأصل (الاخضر الابراهيمي)، وتحصل المعجزة باتفاق الطرفان على وقف الاقتتال، على الاقل لتأجيل القصف الجوي والمدفعي من جهة والعمليات الارهابية وحرب الشوارع من جهة اخرى، حتى يتسنّى لهم ايجاد كسرة خبز هنا او هناك يسدّوا به جوعهم، ثم يلتمسوا الطريق الآمن ويخرجوا بعيداً من جحيم الحرب الى مناطق آمنة، لا أن يتعرضوا للقنص والقصف والاختطاف وهم في طريقهم للنجاة من الموت!.

المراقبون السياسيون أجمعوا على أن محادثات "جنيف 2" أثمرت عن نتيجة مهمة، وهي وجود أطراف اخرى أكثر فاعلية وأهمية يجب ان تتحاور وتتفق بشأن الوضع السوري بشكل عام. وليس الطرفان اللذان شغلا العالم بالحوار العقيم وتبادل الاتهامات وقتل الوقت خلال فترة طويلة، لاسيما بعد فشل المعارضة في إقناع الغرب بالخيار العسكري للإطاحة بنظام الأسد، واستثمار الأخير هذا الفرصة لتعزيز موقفه داخلياً وخارجياً، لإيجاد حل سياسي مرضٍ والخروج من عنق الزجاجة.

وعندما يكون واضحاً للجميع أن ما يجري على الأرض السورية هي "حرب بالنيابة"، فان الاستحقاق يبدو واضحاً جداً في جلوس الاطراف الإقليمية والدولية ذات المصالح للتباحث بشأن وضع حدٍ للحرب، هذا اذا كانت فعلاً ثمة نية صادقة وحقيقية، وشعور أو إلهام في نفوس السياسيين بأن آن الأوان لوقف النزيف السوري وعدم دفن اعداد اخرى من الاطفال والنساء والابرياء تحت الانقاض.

من هنا يرى المراقبون أن الحاجة الماسّة اليوم الى اجتماع طرفي المصالح الاقليمية، متمثلاً في ايران والسعودية، وفتح كل الملفات او بالحقيقة، نزع كل صواعق القنابل المزروعة في الارض السورية، وهذا ليس امراً محالاً او منافياً للباقة الدبلوماسية، بدعوى أن الشعب السوري هو من يقرر مصيره، والقضية تتعلق بيد الحكومة والمعارضة السوريين.. وهذا صحيح، لكن الصحيح ايضاً أن الواقع الموجود الذي يعترف به الطرفان السوريان، هو وجود البصمات الواضحة ومواطئ القدم العميقة لدى كل من ايران والسعودية، الى جانب المصالح الامريكية والاوربية والروسية التي تسعى دائماً لأن تضمن لها حصة جيدة من الكعكة السورية في المستقبل.

ولعل الخطوة السعودية الاخيرة تؤكد ما نذهب اليه، فالقرار الملكي السعودي بمنع التحريض والتعبئة والذهاب الى سوريا للقتال مع الجماعات الارهابية، لم يكن فقط محاولة لتنظيف اليد السعودية من الدماء والتنصّل من المسؤولية، إنما هو الإعلان بشكل واضح عن وجود دور سعودي لابد ان يأخذ طريقه في أفق المستقبل السوري، بعد ان وجدت الاخيرة انها تتخلف يوماً بعد آخر عن التطورات السياسية اقليمياً ودولياً في مقابل صعود نجم ايران في المنطقة والعالم، فالسعودية التي تعرف ان قرارها جاء متأخراً جداً، تعلن بوضوح انها تتمسك بشعاراتها الدينية وتتخذها على الدوام لافتة عريضة تدعو بها للمحورية في المنطقة والعالم الاسلامي، وهو ما عبر عن المفتي السعودي "الشيخ عبد العزيز آل الشيخ" من أن قرار الملك "يحقق مقاصد الشريعة"، كما وصف بلده بأنه تمثل العمق الاستراتيجي لكل المسلمين ولا يجوز أن تتشتت كلمة أهلها بين هذا التيار وذاك" ودعا إلى وجود "أن تكون هذه البلاد قدوة للمسلمين في وحدة الصف والتعاضد والتكاتف"!.

من جانبها ايران ، لا تبرح عن نشر مبادئها وافكارها التعبوية على صعيد العالم الاسلامي، وحثّ الدول الاسلامية على اقتفاء اثرها في تحدي القوى العالمية من خلال استثمار مواردها وقدراتها وعدم السماح للقوى الكبرى بالتدخل والحصول على مكاسب سياسية واقتصادية ، وهو ما جاء في كلمة للرئيس الايراني حسن روحاني في مؤتمر برلمانات دول التعاون الاسلامي المنعقد في طهران ، حيث ربط بين الأزمات والحروب التي شهدتها البلاد الاسلامية طيلة  القرن الماضي، بدءاً بخسارة المسلمين لفلسطين، ومنتهياً بالأزمة في سوريا، وبين عدم استثمار هذه البلاد لمواردها الطبيعية وقدراتها  البشرية وموقعها الجغرافي وغير ذلك من امكانات التقدم والنمو.. وهي رسائل واضحة للدول الاسلامية جمعاء، وايضاً الى الدول الكبرى، بان ايران تعد من المحاور الرئيسية في العلاقات الدولية وفي صنع أي قرار عالمي يخصّ المنطقة، ولايمكن تجاهلها بأي حال من الاحوال.

إذن؛ فالاثنان يدعيان المحورية في العالم الاسلامي، وليس منطقة الشرق الادنى والأوسط، وهو مدعى يعود الى اليوم الاول الذي تقاطعت فيه مصالح البلدين على هذا الملف او ذاك في المنطقة في حقبة الثمانينات.

وما نزال نشهد هذا التقاطع واضحاً في الملف العراقي كما حصل في وقت لاحق في لبنان واليمن وحتى مصر، طبعاً مع الفارق في طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية الخاصة بتلك الدول، فاذا كانت هناك جذور عميقة للخلاف والنزاع، كما هو الحال في العراق، فان المؤكد هو زيادة الافرازات السلبية الخطيرة، وفي غير ذلك، كما في اليمن او مصر، فان الاعلام لا ينقل مشاهد دموية يومية وحوادث اقتتال كالذي تنقله من العراق.

ورب سائل يعترض على فكرة اللقاء والتباحث بين السعودية وايران تحت أضواء الاعلام، مما يعني تحمل الطرفان مسؤولية كل ما حصل خلال السنوات الثلاث في سوريا، وكذلك يصدق الامر على الملفات الاخرى. ولابد من قاعدة منطقية ومقبولة يتم على اساسها التباحث لا تنتهك فيها سيادة سوريا بشكل لا يرتضيه المجتمع الدولي. ولعل التجربة العراقية في جمع ممثلين من ايران والولايات المتحدة عام 2007 على طاولة واحدة في بغداد بهدف إبعاد الملف النووي الايراني، عن الساحة السياسية في العراق، وعدم اتخاذها وسيلة للتعرض للمصالح الامريكية، حيث كان وقتذاك يقيم اكثر من (100) ألف جندي امريكي في العراق.

وإذن؛ لتكن المحادثات سرية وغير معلنة، المهم، ان يفهم المتحاربون في سوريا بدايةً، أن لا مستقبل للحرب والاقتتال فيما بينهم، ثم لا مكاسب مطلقاً سوى العار الذي يلاحقهم بسبب إزهاق أرواح مئات الآلاف من الابرياء وتعريض الشعب السوري لضربة موجعة ربما لا يبرأ منها إلا بعد عقود من الزمن. وإن كانت هناك مكاسب لمن يرى لنفسه موقعاً ودوراً في مستقبل هذا البلد، فعليه الايمان بنتيجة "لا غالب ولا مغلوب" في هذه الحرب.

وقد توقع بعض المراقبين الغربيين أن الغياب النافع لايران عن مؤتمر "جنيف 2" والقرار السعودي الاخير بالتبرؤ من الجماعات التكفيرية والطائفية المسلحة في سوريا، يمثلان معاً خطوة في طريق ربما يكون طويل نحو ترتيب الاوراق السعودية والايرانية على الساحة السورية، وبدفع امريكي وروسي وحتى اوربي، وتحديد حجم المصالح لكل منهما، حتى يُصار الى سحب اليد كاملةً من الجبهتين، والاتفاق على وقف اطلاق النار ويتنفس الشعب السوري الصعداء، كما يتخلص المجتمع الدولي من الحرج الكبير أمام الرأي العالم العالمي بسبب صمته المريب من كل ما يجري في هذا البلد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/شباط/2014 - 19/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م