التحمّل من صفات العظماء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: التحمّل مفردة تعني قدرة الانسان على مواجهة المصاعب والمشكلات التي تعترض طريقه في الحياة، وطالما أن الهدف الاساسي للانسان الجيد، هو النجاح في تحقيق احلامه وطموحاته بما يرضي الله تعالى، فإن العوائق التي سوف يواجهها لن تكون سهلة ولا قليلة، وهناك نسبة تصاعدية في المصاعب، فكلما عظمت اهداف الانسان وتميزت بالسمو، كلما كانت المصاعب التي تعترض تحقيقها كبيرة وجدية، تتطلب قدرة مضاعفة ومتميزة ايضا على التحمّل، حتى يمكن للانسان أن يقطف ثمار كفاحه وجهده من اجل ما يطمح وما يريد ويخطط له.

ومن بداهة القول أن الطبيعة علمَّت كائناتها، بدءاً بالانسان وحتى اصغر كائن، أن الحصول على النتائج الجيدة التامة المكتملة، لن يأتي من دون قوة التحمّل التي يجب أن يتحلى بها الكائن، فبعض الثمار مثلا، لا يمكن أن تنضج إلا بعد أن تتعرض الى موجات قاسية من الحرّ اللافح، كما هي الحال مع التمور مثلا، وغيرها من الثمار ايضا، وهذا دليل واحد من بين المئات او الآلاف، تقدمه الطبيعة للانسان لكي تقول له، إذ أردت أن تقطف ثمار الكفاح والجهد من اجل هدف ما، عليك أن تتسم وتتصف بالتحمّل، حتى تجني ما تريد كاملا مكتملا.

إن العظماء هم أصحاب التحمّل، وهم اولئك القادرون على التصدي للمشكلة الكأداء بروح وقلب وإرادة لا تلين، حتى تتحطم عليها جميع المصاعب والعوائق التي تواجه الانسان وهو يغذّ الخطى نحو قمة العظمة.

لذا يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) وهو يبيّن طرق تقوية الإيمان والصبر والتحمّل والاستمرار بالعمل: (يمكن للإنسان أن يكون من العظماء، بلا شكّ، وحقيقة إنّه لباعث على التأسّف أن تخلص دنيا الإنسان، وحينها يرى أنه كان بإمكانه أن يكون عظيماً فيها. وهذا الأمر لا يحتاج إلاّ إلى العزم وتحمّل المشكلات).

المثابرة والجدية في العمل

لا يكفي بطبيعة الحال، أن يقول الانسان إنني تحمّلت الكثير لذا يجب أن أقطف نتائج هذا التحمّل، فربما يكون التحمل احيانا غير مصحوب بالتصميم والسعي والتخطيط المبرمج لتحقيق الهدف المطلوب، بمعنى أن الانسان لا يكفي أن يتحمل الشدائد والمصاعب، ويبقى مكتوف الايدي، بل لابد أن يرتفق مع سمة التحمل والتصدي للمشكلات الجمة والمصاعب الكبيرة، الاستعداد المسبق والقدرة على التخطيط الصحيح، ومن ثم التنفيذ الدقيق، وكل هذا يتم بحضور التحمّل الحقيقي، والارادة الصلبة، وعندما تجتمع كل هذه العوامل والظروف، سوف يكون نجاح الانسان مضمونا في الوصول الى اهدافه المشروعة بطبيعة الحال.

وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (على الإنسان أن يكون عزوماً في كل ما يعتقده ويؤمن به. كما عليه أن يصمّم ويعزم، ويحترم تصميمه وعزمه). هكذا يغدو بالامكان تحقيق النتائج المرتقبة للتحمل والاصرار والمطاولة، أي لابد أن يضع الانسان في حسبانه وتخطيطه، قضية السعي المتواصل والمدروس، مع حضور التحمّل في الشخصية والارادة التي تتصدى للمشكلات بأنواعها المختلفة.

فالعارفون، وأهل الحكمة والحنكة، وأصحاب الكنوز الفكرية، والتجارب الثرية، كلهم يجمعون على أن نجاح الانسان يستدعي جملة من الملكات والصفات والظروف، تتقدمها جميعا قدرات الانسان نفسه ومواهبة، وأولى هذه القدرات طاقة التحمّل التي يملكها الانسان في التصدي للمصاعب التي تواجهه في حياته، على أن تكون هذه الطاقة مدعومة بالعوامل المساعدة، لكي تتحقق أهداف الانسان في حياته، وهي في مجملها، تحقيق النجاح بشقيْه المادي والمعنوي، ولكن بما يتفق ومرضاة الله، من خلال اعتماد الاساليب المشروعة لتحقيق ما يصو له الانسان.

ثلاث كلمات

ولعلنا نتفق على ان كل شيء يتصدى له الانسان، ويسعى الى تحقيقه، يتطلب معرفة الطريق الذي يؤدي الى ذلك الشيء، فهو عندما يريد أن يقوّي صفة التحمّل في شخصيته، لابد له أن يفهم الطرق والسبل والخطوات التي تساعده على تنمية التحمّل في ارادته الشخصية، وحتما عندما يرغب الانسان في ذلك، يمكنه البحث عن المعرفة التي تقوده بدورها الى ما يريد التعرف عليه.

فعندما سأل أحد المؤمنين سماحة المرجع الشيرازي هذا السؤال: (كيف يمكن للإنسان أن يقوّي إيمانه، ويقوّي صبره وتحمّله للمشاكل، ويقوّي استمراره ومثابرته في العمل؟). أجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

 على الانسان (أن يلتزم بثلاث كلمات موجودة في القرآن الكريم بتعبيرات مختلفة، وهي: الأولى: الدعاء. فعلى الإنسان أن يدعو الله تعالى يومياً، ويطلب منه جوامع التوفيق، حيث قال تبارك وتعالى: - قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُم-. الثانية: التوسّل بالمعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. الثالثة: العزم. فقد قال تبارك وتعالى: - فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ-. وقال: - وَ َمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ-).

هذه الكلمات الثلاث التي أشار إليها سماحة المرجع الشيرازي، تساعد الانسان حتما، على تنمية طاقة التحمّل لديه، وهو يخوض في غمار الحياة، ويتعرض للمشكلات بصورة يومية، وتعترضه المصاعب بصورة يومية ايضا، فطالما يعمل الانسان ويسعى ويجّد، ويتعب من اجل تحصيل رزقه وعائلته اولا، فإنه لابد أن يتعرض لعوائق شتى، وكلما كان السعي والامل والطموح اكبر، كلما كانت المشكلات اكثر واصعب، فهل على الانسان أن يتراجع، ويقبل أن يبقى على هامش الحياة؟.

كلا، من طبيعة الانسان انه لا يكتفي بواقع الحال، كما أن عينه وفكره وعقله يتابع الاخرين، ويراقب ماذا حققوا، وعندما يتطور فرد او جماعة او مجتمع ما، فإن الاخر ينظر ويتابع، ويرغب ان يحقق التقدم الى امام ويطوّر حياته، وهذا الهدف والطموح - كما ذكرنا سابقا- لن يتحقق من دون توافر جملة من الشروط، من بينها طاقة (التحمّل)، التي اكد عليها سماحة المرجع الشيرازي، واهمية سعي الانسان لتطويرها في ذاته وإرادته كونها من صفات العظماء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/شباط/2014 - 19/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م