شبكة النبأ: الانتفاضة البحرينية ما
زالت تراوح في مكانها، وسط الاتهامات التي تتقاذفها بين الطائفية
والتبعية من دون سماع أي صوت يغرد خارج سرب تلك الاتهامات، والانصاف
الذي حظيت به غيرها من ثورات الربيع العربي، ربما باستثناء بعض
المنظمات الدولية التي تراعي في سياق عملها حقوق الانسان والانتهاكات
الجسيمة التي يتعرض لها الناشطون في البحرين كمنظمة "هيومن رايتس وتش"
او منظمة العفو الدولية"، إضافة الى موقف كوريا، (بعد ممارسة الضغط
عليها من قبل تلك المنظمات)، بإيقاف تصدير العبوات الخاصة للغاز المسيل
للدموع والتي اجادت القوات النظامية والمرتزقة في اطلاقها على
المتظاهرين في كل مناسبة.
الولايات المتحدة الامريكية كانت اول المبادرين لتجاهل الثورة من
خلال غض البصر عن المطالب الإصلاحية التي نادى بها النشطاء منذ ثلاث
سنوات، وتجاهلت الرد الحكومي الذي أطلق العنان للقسوة بدلاً من الحوار
الذي ما فتئ يزداد تعثراً ويبعد الهوه بين الحكومة ومن ينوب عن
المعارضة، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة للبيت الأبيض بان قضايا
الشرق الأوسط وترسيخ الديمقراطية فيه من اهم سلم الأولويات لديها، غضت
الطرف، ايضاً، عن تدخل القوات السعودية تحت مسمى "درع الجزيرة" لسحق
الانتفاضة بالقوة.
ومن جديد، ومع المحاولات المتواصلة للنشطاء والمطالبين بالتغيير،
تحاول الحكومة المالكة (بدلاً من الاستماع الى مطالبهم بجدية)، جر
المتظاهرين الى متاهات تصعب الحوار، وتزيد من تعقيد المطالب، بعد ان تم
تشديد القوانين وتقييد الحريات وحل المجلس الديني واعتقال النشطاء
وأصحاب الرأي من القيادات والشخصيات البارزة، إضافة الى استخدام الوتر
الطائفي وإطلاق مصطلح "الإرهاب" والترويج له من خلال المحاكم والتهم
التي تنتظر من يرفع مطالب التغيير.
الذكرى الثالثة للانتفاضة
في سياق متصل بعد ثلاث سنوات من اندلاع انتفاضة شعبية في البحرين
أخمدتها قوات الأمن بدأت الاسرة الحاكمة حوارا جديدا مع المعارضة وإن
كان التقدم اللازم لإنهاء الاضطرابات مازال بعيد المنال، واستقرار
النظام في البحرين مسألة تهم دول الخليج والغرب اذ تستضيف الاسطول
الخامس الامريكي وتقع بين قوتين اقليميتين متنافستين هما إيران
والسعودية.
لكن البحرين تبدو أسيرة صراع سياسي محدود في الذكرى الثالثة
لانتفاضة 14 فبراير شباط التي قادتها الأغلبية الشيعية التي تسعى إلى
الإصلاح الديمقراطي وإنهاء التمييز المزعوم ضدها من جانب الأسرة السنية
الحاكمة، وتتجسد المواجهة في احتجاجات شبه يومية في الشوارع، وقال شهود
إن بعض الشباب نظموا مظاهرات محدودة في محيط المنامة قبل الذكرى
السنوية التي حلت، وأغلقوا الطرق بالقضبان المعدنية وصناديق القمامة
والحجارة حتى لا تدخل قوات الأمن القرى الشيعية.
وقال شهود إن عشرات المحتجين نظموا مظاهرات في مناطق مختلفة في
أنحاء البلاد، ورشق شبان الشرطة بالحجارة وردت الشرطة بإطلاق قنابل
الغاز المسيل للدموع، وقال موظف (34 عاما) عرف نفسه باسم أبو علي في
قرية سار "بعد ثلاث سنوات منذ بدء الاحتجاجات لم نر أي سلام، كل يوم
هناك مشكلة في منطقتنا، يخرج الشباب ويحرقون الإطارات على الطرق
وتهاجمهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع".
وانتهت جولتان من الحوار أجريتا بهدف المصالحة بين المعارضة
والحكومة منذ عام 2011 دون نتيجة حاسمة ويعول ابناء البحرين الآن على
محاولة جديدة لإحياء المحادثات يدعمها ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل
خليفة، وتدخل ولي العهد الشيخ سلمان في محاولة لتضييق هوة الخلافات بعد
أربعة أشهر من تعليق الجولة الثانية من محادثات المصالحة بسبب مقاطعة
المعارضة لها.
ويعتبر ولي العهد من الأعضاء المعتدلين نسبيا في أسرة آل خليفة التي
تحكم البحرين منذ القرن الثامن عشر، ومنذ ذلك الحين عقدت عدة اجتماعات
بين وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزعماء المعارضة
في محاولة لتمهيد الطريق لاستئناف المحادثات الرسمية، ويتوقع عقد جلسات
أخرى لكن لم يتضح متى.
ويشير محللون الى أنه لا توجد علامات تذكر على استعداد أي من
الجانبين لتضييق هوة الخلافات الكبيرة وهو الحال منذ بداية الأزمة،
وقال جاستن جنجلر وهو خبير في شؤون البحرين بجامعة قطر في الدوحة
"الصراعات الرئيسية الثلاثة في البلاد مستمرة بلا توقف، المعارضة ضد
الحكومة والسنة ضد الشيعة والإصلاحيون ضد المعرقلين".
وقبل قرارها بمقاطعة محادثات المصالحة اتهمت المعارضة الحكومة
بمحاولة تنحية قادتها جانبا بعد التحقيق مع اثنين على الاقل بتهمة
التحريض وقضت محكمة بحرينية بحل مجلس لرجال الدين الشيعة، ويتصاعد
القلق من ان يلجأ شباب الشيعة إلى مزيد من العنف إذا فشل زعماء
المعارضة في التوصل الى تسوية سياسية تعطي الشيعة دورا أكبر في الحكومة
وتحسن ظروف المعيشة. بحسب رويترز.
وتعاني المملكة التي يقطنها 1.7 مليون نسمة من الاضطرابات منذ أخمدت
الشرطة بمساعدة قوات سعودية انتفاضة عام 2011، وتقول الحكومة انها أجرت
منذ ذلك الحين بعض الإصلاحات التي أوصى بها فريق تحقيق دولي وأنها على
استعداد لمناقشة المزيد من المطالب، ويريد الشيعة عملية تحول ديمقراطي
واسعة تشمل حكومة يختارها برلمان منتخب بدلا من النظام المعمول به حيث
يعين الملك الحكومة.
ويدعون أيضا إلى وضع حد للتمييز المزعوم في الوظائف والسكن ومزايا
أخرى، وتنفي الحكومة انتهاج سياسة لتهميش الشيعة، والقى الأمين العام
لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان باللوم على ما سماه تفضيل السلطات
للحملات الأمنية على الانفتاح السياسي الحقيقي لحل الازمة، وقال الشيخ
سلمان إن هذا هو العام الثالث "للثورة" وأضاف أنه لو كانت الحكومة تحلت
بالحكمة لما اندلعت "ثورة" شعبية ولأمكن التوصل الى حل سياسي في الاشهر
الاولى.
وقالت وزيرة الإعلام سميرة رجب إن مزاعم "الإرهابيين" بأن هناك ثورة
في البحرين كلها أكاذيب واشارت إلى أن البحرينيين يمارسون حياتهم بصورة
طبيعية، وقالت الوزيرة إن الاشتباكات المحدودة التي بدأت لن تؤثر على
الحوار الوطني لأنها من عمل "إرهابيين" لا يجلسون على طاولة الحوار مع
الحكومة مضيفة أن المعارضة هي التي تجلس مع الحكومة.
وقال عضو البرلمان عادل العسومي إن الحوار يتمتع بدعم الملك حمد
واصفا الملك بالضامن الوحيد للتعايش بين جميع الطوائف في البحرين، وقال
العسومي إن للجميع حق ممارسة الأنشطة السلمية وإن الدستور يكفل ذلك
لكنه شدد على أن الاساليب العنيفة لا مكان لها في البحرين.
ويرفض البحرينيون الموالون للحكومة ذكرى الانتفاضة ويستعدون لإحياء
الذكرى الثالثة عشرة لإدخال الملك إصلاحات بعدما خلف والده، وشملت تلك
الإجراءات توسيع صلاحيات البرلمان لتشمل استجواب وزراء وسحب الثقة من
الحكومة، وقالت أم عبد الله وهي سكرتيرة عمرها 42 عاما من مدينة عيسى
إن الوقت حان ليجلس الطرفان بهدف التوصل إلى حل مفيد للجميع في البحرين.
اعتقالات متكررة
بدورها اعتقلت السلطات البحرينية 29 شخصا لقيامهم بأعمال شغب، وأتت
هذه الاعتقالات عشية الذكرى السنوية للاحتجاجات التي عصفت بالمملكة عام
2011 والتي كانت وما زالت الأكثرية الشيعية عمادها.
وقالت البحرين إنها اعتقلت 29 شخصا لقيامهم بأعمال شغب في عدة قرى،
وذلك قبل يوم واحد من حلول الذكرى السنوية الثالثة للاحتجاجات التي
عصفت بالمملكة الخليجية عام 2011، ما قد يطلق شرارة مزيد من الاضطرابات
في الشارع، البحريني وما بين العائلة المالكة والأكثرية الشيعية.
ومنذ تلك الاحتجاجات، التي نزل فيها متظاهرون أغلبهم من الشيعة إلى
الشوارع في فبراير/شباط عام 2011 للمطالبة بمزيد من الديمقراطية، تتكرر
مشاهد التظاهرات والاشتباكات في مملكة البحرين التي تحكمها عائلة مالكة
سنية ولها ارتباطاتها الوثيقة بجوارها الخليجي عموما وبالمملكة العربية
السعودية خصوصا.
وصرحت وزارة الداخلية بنيتها التصدي للدعوات إلى إقامة تظاهرات
ومسيرات وأنها قامت بتكثيف الدوريات الأمنية لهذه الغاية، وكانت جماعة
المعارضة الرئيسية في البحرين (حزب الوفاق) دعت إلى القيام بتظاهرات في
الذكري السنوية.
وقد تظاهر المئات في شوارع القرى الشيعية في البحرين تلبية لدعوة
المعارضة في الذكرى الثالثة لانطلاق انتفاضة 14 شباط/فبراير 2011، فيما
نشرت وزارة الداخلية البحرينية تعزيزات أمنية في الشوارع الرئيسية
ومداخل القرى الشيعية في محاولة لمنع المظاهرات.
وقد تعددت محاكمات بحرينيين من الشيعة الملاحقين بتهمة القيام
بأعمال عنف ضد قوات الأمن في الأشهر الأخيرة، وقالت الوزارة إن "بعض
القرى شهدت أعمالا تخريبية، تمثلت في حرق إطارات وقطع للطرق وإخلال
بالأمن ومحاولة منع الناس من الخروج للعمل وقضاء مصالحهم"، وأضافت أن
"قوات حفظ النظام وانطلاقا من واجبها الأمني والقانوني تصدت لمجموعات
تخريبية وتمكنت من فتح الطرق بعد اتخاذ الإجراءات المقررة".
وأوضح الشهود أن سحب الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها الشرطة
لتفريق المتظاهرين انتشرت في شوارع القرى، وبحسب شهود، فإن وزارة
الداخلية البحرينية نشرت تعزيزات أمنية في الشوارع الرئيسية ومداخل
القرى الشيعية لمنع اي تظاهرات.
وأوضحت الوزارة أن "ما يتناوله البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي
والمواقع الإلكترونية من دعوات تحريضية مخالفة للقانون، يشكل في حد
ذاته جرائم جنائية معاقب عليها قانونا، فضلا عن أن الاستجابة لها
يستوجب المساءلة الجنائية للمشاركين، وذلك وفقا لقانون العقوبات"،
وشددت الوزارة على أن قوات الأمن ستتخذ كافة لإجراءات تجاه "كل ما من
شأنه تعطيل مصالح الناس وتهديد أمن واستقرار الوطن".
من جهتها، أعربت منظمة العفو الدولية في بيان عن مخاوفها من لجوء
السلطات إلى القوة في التعامل مع المتظاهرين، وقال المدير المساعد
للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سعيد بومدوحة إنه "يجب السماح
للمحتجين بالتظاهر سلميا دون الخوف من تعرضهم للرد أو لهجوم"، ونددت
المنظمة بـ"دوامة القمع المستمر خلال السنوات الثلاث الماضية" في بلد "يضيق
فيه بسرعة هامش حرية التعبير والتجمع"، ولم يسفر الحوار الوطني الذي
أطلق قبل سنة لإخراج البلاد من الأزمة إلى أي تقدم ملموس، وقد تم
تعليقه بعد انسحاب الأطراف.
تشديد القوانين
فيما أقر عاهل البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة قانونا يعاقب من
يهينه بطريقة علنية بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات ودفع غرامة تصل إلى
عشرة آلاف دينار (26500 دولار)، ويبرز إقرار القانون حساسية البحرين
ودول خليجية عربية أخرى من انتقاد كبار المسؤولين وأفراد الأسر الحاكمة
ومن المعارضة السياسية.
وكانت محاكم في الكويت وقطر قد أصدرت أحكاما بالسجن على عدد من
المواطنين خلال السنوات القليلة الماضية بتهمة إهانة الحكام، ويطبق
القانون الذي نشرته وكالة أنباء البحرين مؤخراً على "من أهان بإحدى طرق
العلانية ملك البحرين أو علمها أو شعارها الوطني"، وكان قانون سابق
صادر عام 1976 ينص على معاقبة من يهين أمير البلاد أو علمها أو شعارها
الوطني بالسجن لكنه لم يحدد المدة.
ويقضي القانون الجنائي بأن تتراوح أي عقوبة بالحبس بين عشرة أيام
وثلاث سنوات ما لم يحدد غير ذلك، وقالت المحامية البحرينية جليلة سيد
إن القانون الجديد يغلظ عقوبة السجن إلى ما بين سنة وسبع سنوات
بالإضافة إلى فرض غرامة تتراوح بين ألف وعشرة آلاف دينار بتهمة إهانة
الملك. بحسب رويترز.
وواجهت المملكة انتقادا متزايدا بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان
خلال السنوات الثلاث المنصرمة، لكن أزمة الثقة بين المعارضة الشيعية
وأسرة آل خليفة لاتزال قوية بعد ثلاث سنوات من قمع السلطات لأولى موجات
الاحتجاج، ولازال المحتجون يشتبكون من آن لآخر مع شرطة البحرين.
خريطة طريق للحوار
من جهة اخرى اقترحت المعارضة البحرينية في بيان اصدرته مؤخراً خريطة
طريق لاستئناف الحوار الوطني المتوقف في الوقت الراهن، ومن شأنها اخراج
البلاد من الازمة السياسية التي تعصف بها منذ حوالي ثلاث سنوات.
وخريطة الطريق هذه التي اعلنت قبل ايام من الذكرى الثالثة لحركة
الاحتجاج التي انطلقت في 14 شباط/فبراير 2011 في البحرين للمطالبة بحكم
ملكي دستوري "حقيقي"، هي استجابة لبادرة ولي العهد سلمان آل خليفة الذي
التقى في منتصف كانون الثاني/يناير المجموعات السياسية لإعادة إطلاق
عملية المفاوضات.
ومن اجل تشجيع الحوار، تدعو المعارضة التي تتزعمها جمعية الوفاق
الشيعية السلطات الى "إطلاق سراح معتقلي الرأي" و"وقف المحاكمات
السياسية" والعمل على وقف "التحريض الطائفي والمذهبي"، وابدت المعارضة
استعدادها "لثلاثة اجتماعات اسبوعيا على اقل تقدير" لتسريع الحوار الذي
يتعين طرح نتائجه على استفتاء شعبي كما تقول.
وطالبت ب"تأسيس نظام انتخابي عادل وشفاف تتولى الإشراف على تطبيقه
هيئة مستقلة"، ورسم الدوائر الانتخابية وتحديدها "بما يضمن المساواة
بين المواطنين"، كما جاء في البيان، وبالإضافة الى المجلس النيابي الذي
يتفرد "بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية" و"حكومة منتخبة"، تريد
المعارضة ان تدرج في جدول اعمال الحوار اصلاح القضاء و"ايقاف التجنيس
السياسي" الذي يتم كما تقول على حساب الطائفة الشيعية التي تشكل
الاكثرية في هذه المملكة الخليجية الصغيرة التي تحكمها عائلة آل خليفة
السنية.
وفي خريطة الطريق التي سلمت الى وزير شؤون الديوان الملكي الشيخ
خالد بن أحمد ال خليفة، وذلك عبر البريد المسجل، اعربت المعارضة عن
"حرصها التام على التعاون والتوافق مع القوى السياسية الاخرى من اجل
الخروج بحلول وطنية توافقية" للازمة السياسية.
وفي اعقاب فشل جولة في تموز/يوليو 2011، استؤنف الحوار الوطني في
شباط/فبراير 2013 لكنه لم يسفر عن نتيجة ملموسة، وتم تعليقه في التاسع
من كانون الثاني/يناير الماضي من قبل الحكومة في غياب المعارضة التي
تقاطعه منذ 19 ايلول/سبتمبر على اثر توقيف احد قادتها بتهمة التحريض
على العنف. |