أنقذوا الطفولة في العراق من براثن الارهاب

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

 

يُعد الارهاب بما يتبنى من وسائل عنفية لتحقيق اجندة سياسية، وبما يُنتج من خوف وفزع وهلع في نفوس الأبرياء، التحدي الأكبر لمستقبل الشعوب في المنطقة والعالم، خاصة اذا ما أدركنا بأن الطفولة الصانعة لمستقبل الأمم هي الأكثر تضررا بفعل الإرهاب من أي شريحة أخرى. وبالاضافة للتحديات المادية التي تواجه هذه الشريحة، هناك استهداف آخر وتحديات فكرية ومعنوية أخرى لاتقل خطرا عن مثيلتها المادية وإن كانت مترابطة ومتصلة التأثير مع بعضها البعض.

لقد خلفت العمليات الارهابية ملايين الضحايا، وبما جعل تأثيرها السلبي على مسار العائلة العراقية التي هي نواة المجتمع، تأثيرا قياسيا لايمكن تجاهله وغض النظر عنه، لما تتركه هذه العمليات من ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة بسبب الفقر والعوز والحرمان الذي تتعرض له الأسرة العراقية نتيجة فقدان ربّ الأسرة ومُعيلها الأوحد في أغلب الأحيان، وعلى وجه الخصوص شريحة الأطفال التي تمثل العدد الأكبر داخل الأسرة بشكل عام.

وقد بلغ عدد الأيتام في العراق بسبب العنف والارهاب أرقاما مذهلة توصف بأنها تعادل عدد نفوس خمسة دول صغيرة من دول المنطقة، حيث قدّرت منظمة الأمم المتحدة (اليونسيف) عدد الأيتام في العراق بأكثر من 5 ملايين و 700 ألف طفل حتى عام 2006، وليس من المستبعد أن يكون الرقم قد تجاوز السبعة ملايين يتيم اليوم.

وتواجه الطفولة في العراق، وشريحة الأيتام بشكل خاص اهمالا يبرره بعض المسؤولين بأن هذه المشكلة تفوق قدرات الدولة العراقية، في الوقت الذي يتبارى فيه البرلمانيون والمسؤولون الحكوميون لإقرار امتيازاتهم ورواتبهم التقاعدية على حساب ضحايا الارهاب في المجتمع العراقي.

في حقيقة الأمر أن التنصّل عن المسؤولية تجاه هذه الفئة الواسعة من المجتمع العراقي هو العنوان الأبرز للمرحلة وبما يفاقم المشكلة وآثارها المستقبلية، فمن الممكن أن تكون هذه الشريحة مادة خام لتغذية العنف والعنف المضاد اذا ما تم تجاهلها واهمالها بالشكل الذي هو عليه اليوم، وتركها عرضة للجهات التي تحاول تأجيج الجانب الثأري في شخصية الطفل، فقد سعت المنظمات الارهابية لفتح مراكز التدريب للأطفال وكما هو الحال مع "جيش الطفولة" الذي أنشئ في افغانستان، حيث تستخدم المسدسات والرشاشات في المراحل الاولى ومن ثم التدريب على عمليات زرع العبوات ونسف المباني لتمضي مراحل التدريب الى تخريج أخطر الارهابيين في العالم. ولم تنحصر هذه التجربة هناك، بل امتدت مؤخرا الى سوريا أيضا تحت عنوان "أشبال الزرقاوي"، وليس من المستغرب أن تمتد الى العراق في حال التمادي في ظلم وتجاهل أيتام العراق وتركهم عرضة لإستغلال المجاميع الارهابية وعصابات الجريمة المنظّمة.

لقد كان لتسييس الدين أثرا كبيرا في بروز مثل هذه الاتجاهات الخطيرة في مجتمعاتنا حتى بات فصل الدين عن السياسة ضرورة قصوى لصيانة حُرمة الدين في هذه المرحلة، خاصة بعد أن أصبحت السياسة مهنة مجردة من القيم النضالية والنتاج الفكري تدور حول محور الطائفية والعرقية والمنافع الشخصية بمعزل عن الأبعاد الانسانية والحقائق الموضوعية ومكارم الاخلاق.

عندئذٍ وبالعودة الى موضوع المقال فالمناهج الدراسية هي الأخرى كفيلة في بناء شخصية الطفل في اطار التطلعات المستقبلية لشكل المجتمع المراد انتاجه مستقبلا، وليس وزارة التربية وحسب، بل كل الوزارات مسئولة هي الأخرى في انتاج شخصية الطفولة السليمة وبما فيها وزارة التخطيط والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية بتقييد عملية استيراد لُعب الأطفال التي تجذّر مفاهيم العُنف وتعزز نزعته في شخصية الطفل، وللأسف فإن الأسواق العراقية تكاد تكون غارقة بألعاب من هذا النوع اليوم.

ان احتمالية الجنوح للجريمة لدى فئة الأيتام والأطفال منهم خاصة، وإمكانية استغلالهم من قبل الجماعات المتطرفة هي أكبر بكثير من احتمالية توظيف هذه الشريحة لبناء مستقبل العراق، خاصة مع وجود هذا النوع من السياسيين الفاسدين في المراكز الادارية المؤثرة اليوم، ومع اقرار أطراف حكومية بعدم قدرة الدولة على استيعاب ومعالجة هذه المشكلة الخطيرة، الأمر الذي يستدعي الدعم الدولي لمنظمات المجتمع المدني في العراق المتخصصة في هذا المجال، بل وتشكيل جمعية انسانية للسلم والتكافل تأخذ على عاتقها وبشكل أساسي تنظيم عمل المؤسسات المتخصصة في الدعم المادي والبناء الفكري لشريحة الأيتام وفئة الطفولة العراقية التي تشكل ذخيرة الغد وعماد المستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/شباط/2014 - 17/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م