شبكة النبأ: في خريف العام الماضي،
شهد الاقتصاد الأمريكي تراجعا ملحوظا في نموه بسبب خلاف بين الكونغرس
والبيت الابيض بشان الموازنة وسقف المديونية، كاد ان يدفع البلاد إلى
شفا كارثة اقتصادية غير مسبوقة، لكن في الاونة الاخيرة تبدد مخاطر وصول
الولايات المتحدة الى حالة تخلف عن سداد التزاماتها هذه السنة، بعدما
سمح الكونغرس الاميركي رسميا للحكومة بالاستدانة بدون سقف محدد حتى
اذار/مارس 2015، في حل سريع لملف يثير قلق واشنطن منذ ثلاث سنوات.
وشكل هذا السماحة لواشنطن بالاستدانة بدون سقف محدد انتصارا سياسيا
للرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يامل في الا تشكل استحقاقات الدين
المستقبلية مناسبة لصراع قوة وابتزاز كما يراه بعض المراقبين بين
الرئيس والمعارضة البرلمانية.
لكن على الرغم من هذا الانتصار الذي يدعم الانتعاش الاقتصادي الا
انه لا يعد نهوضا اقتصاديا متكاملا ولا يصنع إستراتجية رصينة بآفاق
اقتصادية مستقرة، تحقق نقلة نوعية لوضع الاقتصاد الأميركي بعد تخبط
وتقلبات متتالية خلال السنوات القليلة الماضية.
ويرى أغلب المحللين أن الصراع الاقتصادية حول أزمة الموازنة المالية
التي انتهت بانتصار أوباما على خصومه من الجمهوريين، جسد تحديات
وانقسامات حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين، فقد سجل أوباما من خلال
تلك القضايا نقاط سياسية من شانها ان تلهب الصراع الداخلي في الادارة
الامريكية.
إذ يرى هؤلاء المحللين بان ممارسات أوباما تظهر الثقة المتزايدة
لرئيس يشعر الآن بحرية أكبر في مواجهة كونجرس جديد دون أن تكون لديه أي
مخاوف مرتبطة بالسعي لإعادة انتخابه، وكانت فترته الأولى قد شهدت شكاوى
من قاعدته الليبرالية من تهاونه الشديد مع الجمهوريين، الا انه اليوم
اظهر وجها سياسيا اخر لا يعجب الجمهوريين.
في حين يرى محللون أن أوباما ربما تتملكه الآن ثقة مفرطة في وقت من
المفترض أن يسعى فيه لرأب الصدع مع الجمهوريين لحل القضايا العالقة
وابرزها أزمة الميزانية وسياسيته الخارجية فضلا عن هيمنته الداخلية على
معظم مفاصل الدولة الاقوى عالميا في الميادين كافة.
تجنب أزمة سقف الدين
في سياق متصل قال اوباما في بيان "انا مسرور لان الجمهوريين
والديموقراطيين اتفقوا على دفع ما انفقناه، ولاستبعاد التهديد بتخلف عن
السداد كان يواجهه اقتصادنا"، واضاف ان "دين الولايات المتحدة مسالة
مهمة جدا ولا يجب استخدامها كوسيلة ابتزاز" داعيا الى تحرك جديد لخلق
وظائف وتحسين الاقتصاد.
من جهته قال السناتور الجمهوري بوب كوركر المعارض لزيادة سقف الدين
بدون حدود لكن الرافض ايضا للمشاركة في محاولة عرقلة العمل، "ما يجب
القيام به، قد تم" مضيفا "في النهاية، لم يكن هناك من حل اخر"، واضاف "كان
يمكن خلق فوضى في هذا البلد لمدة اسبوعين او وضع هذا التصويت خلفنا".
وعمليا، قرر الكونغرس ان سقف الدين لن يطبق حتى 15 اذار/مارس 2015،
وبالتالي يمكن لوزارة الخزانة ان تستدين بقدر ما تشاء وان تتجاوز الحد
المشروع للدين البالغ حاليا 17,211 مليار دولار حتى ذلك التاريخ.
وفي 16 اذار/مارس 2015 سيعاد العمل بسقف الدين على مستوى المديونية
الذي سيبلغه في ذلك التاريخ. وهذا ما حصل في تشرين الاول/اكتوبر الماضي
وشباط/فبراير حيث تم رفع سقف الدين بحدود 3% تقريبا، وقد تبنى مجلس
الشيوخ حيث الغالبية من الديموقراطيين، بغالبية 55 صوتا مقابل 43 النص
الذي تبناه امس بفارق بسيط مجلس النواب حيث الغالبية من الجمهوريين.
بحسب فران برس.
وسمح قادة الجمهوريين في مجلس النواب للكونغرس بتبني هذا النص بعد
ان طالبوا بمقابل سياسي، واعتبروا ان ميزان القوة لم يكن في صالحهم لان
البيت الابيض ومجلس الشيوخ حيث الغالبية من الديموقراطيين رفضا التفاوض
معهم.
ورضخ رئيس مجلس النواب جون باينر اخيرا بشكل مفاجىء وتخلى عن مواجهة
مع البيت الابيض، وكان باينر ومنذ دخوله المجلس في 2011 حاول استخدام
استحقاقات سقف الدين لخدمة مصالح الجمهوريين، وبالتالي اتاح تبني مجلس
النواب النص الذي صوت عليه خصوصا الديموقراطيون لان حوالى 90% من
الجمهوريين صوتوا ضده.
ويقول زعماء الجمهوريين في الكونغرس ان الان هو وقت المعارضة
البناءة وليس العرقلة، وهو ما تبلور في كانون الاول/ديسمبر عبر اعتماد
موازنة عام 2014-2015، وكانت وزارة الخزانة طلبت من الكونغرس التصويت
على اذن جديد بالاستدانة بحلول 27 شباط/فبراير لان الولايات المتحدة
كانت ستجد نفسها بعد هذا التاريخ في حالة تخلف جزئي عن سداد التزاماتها
المالية.
اوباما يزيد اجور مئات الاف الاميركيين
على صعيد ذو صلة رفع الرئيس الاميركي باراك اوباما بنسبة 25% الحد
الادنى لرواتب مئات آلاف الاميركيين، مطالبا الكونغرس بتعميم هذه
الزيادة على سائر قطاعات العمل في البلاد، وخلال احتفال في البيت
الابيض وقع اوباما قرارا تنفيذيا زاد فيه الحد الادنى لاجور المتعاقدين
مع الدولة الفدرالية الى 10,10 دولارا لساعة العمل الواحدة، في قرار
سيسري على الذين يتم التعاقد معهم اعتبارا من مطلع العام المقبل، وبهذا
القرار يكون اوباما قد نفذ ما تعهد به في خطابه عن حال الاتحاد في
نهاية كانون الثاني/يناير. بحسب فران س برس.
وحاليا يبلغ الحد الادنى للاجور في الحكومة الفدرالية 7,35 دولارا
لساعة العمل الواحدة، وهو اجر لم يتغير منذ 2009، علما ان الحد الادنى
المعتمد في بعض الولايات هو اعلى من الحد الادنى الفدرالي، ولفت الرئيس
الاميركي الى انه بسبب معدلات التضخم فان القدرة الشرائية للذين
يتقاضون الحد الادنى للاجور "تراجعت بنسبة 20%" مقارنة بما كانت عليه
عند بدء الولاية الاولى للرئيس الراحل رونالد ريغان اي في كانون
الثاني/يناير 1981.
وكان وزير العمل توم بيريز اوضح في وقت سابق ان رفع الحد الادنى
للاجور الى 10,10 دولارات للساعة اعتبارا من مطلع العام 2015 اجراء
سيستفيد منه "مئات الاف الاشخاص".
وبحسب الوزير فان هذه الزيادة يمكن تغطيتها من الميزانية الحالية.
وبحسب الدستور الاميركي فان الكونغرس له وحده الحق في التصويت على
نفقات جديدة وقد سبق للنواب الجمهوريين في مجلس النواب والذين يشكلون
فيه اكثرية ان عبروا عن رفضهم لرفع الحد الادنى للاجور لانه سيؤدي
بنظرهم الى كبح النمو، غير ان اوباما دحض هذه النظرية، مؤكدا ان زيادة
الحد الادنى للاجور "ستساعد ملايين الاميركيين على الخروج من الفقر
(...) ولن يكون لها اثر سلبي على الاقتصاد، بل ستنعش الاقتصاد"، داعيا
الكونغرس الى الاستجابة لمطلبه.
ناقوس التخلف عن السداد
على الصعيد نفسه عادت الولايات المتحدة الى العمل بسقف الدين العام
بعدما انتهت مدة التجميد الذي فرضه الكونغرس قبل اشهر على العمل بهذا
السقف للحؤول دون تخلف البلاد عن السداد، ما يعني عودة هذا الخطر اليوم.
وكان الديموقراطيون والجمهوريون في الكونغرس المختلفون على اولويات
بنود الموازنة ما ادى الى ازمة مالية خطيرة في البلاد في تشرين الاول/اكتوبر،
توصلوا يومها الى اتفاق موقت علقوا بموجبه العمل حتى السابع من شباط/فبراير
بالحد الاعلى المسموح به قانونا للحكومة الفدرالية للاقتراض، وانتهت
هذه المهلة وباتت البلاد بحاجة الى اتفاق جديد يرفع سقف الدين العام
البالغ حوالى 17 الفا و300 مليار دولار، وذلك لتمكين الدولة الفدرالية
من الاستدانة للوفاء بالتزاماتها المالية وخدمة دينها العام.
وفي انتظار التوصل الى هذا الاتفاق الجديد ستعمد وزارة الخزانة الى
اتخاذ "اجراءات استثنائية" لتجنب وقوع البلاد في حالة تخلف عن السداد
ولتأمين هامش تحرك يرجئ الازمة حتى نهاية شباط/فبراير الجاري، بحسب ما
اعلن وزير الخزانة جاكوب لو في رسالة وجهها الى قادة الكونغرس، وقال لو
في رسالته "بسبب عدم قيام الكونغرس برد فعل (...) يتعين على وزارة
الخزانة ان تبدأ بتطبيق اجراءات استثنائية ستسمح لنا بالحفاظ على
القدرة الاقتراضية والثقة اللتين تتمتع بهما الولايات المتحدة وبالقدرة
على دفع فواتيرنا ايضا".
وتتركز هذه الاجراءات الفنية خصوصا على وقف الوزارة اصدار سندات
خزينة مخصصة للبلديات والولايات وذلك من اجل عدم زيادة ديون الدولة
الفدرالية، واضاف لو ان هذه الاجراءات ستمكن وزارة الخزانة من
الاستمرار حتى 27 شباط/فبراير الجاري محذرا من انه بعد هذا التاريخ لن
يكون لدى الوزارة الا "المال الموجود في خزائنها" من اجل الوفاء
بالتزاماتها المالية، وكان لو حذر من انه "من دون القدرة على الاستدانة
بسرعة كبيرة، لن يكون ممكنا مواجهة الالتزامات المالية للدولة
الفدرالية"، وشدد على انه "من الخطا الانتظار حتى اللحظة الاخيرة".
اعتبرت وزارة التجارة ان الربح الفائت للموظفين طيلة فترة اقفال
الادارات كلف 0,3 نقطة من نمو الاقتصاد الاميركي في الفصل الاخير من
العام والذي بلغ 3,2 بالمئة، وفي صيف 2011، دفعت ازمة سابقة بشان سقف
المديونية بوكالة التصنيف الائتماني ستاندرد اند بورز الى حرمان
الولايات المتحدة من درجة تصنيفها الاعلى "ايه ايه ايه" التي تمثل
الضمان الاقصى لملاءتها في الاسواق، الا ان وكالة التصنيف الائتماني
موديز اكدت ان عودة أزمة سقف المديونية العامة في الولايات المتحدة لا
تشكل "تهديدا" لملاءة البلد. بحسب فرانس برس.
وقالت موديز ان عودة "الحد القانوني للمديونية (...) لا تمثل تهديدا
كبيرا لقدرة الحكومة على ضمان تسديد التزاماتها المرتبطة بديونها". ولا
تزال وكالة التصنيف الائتماني تمنح الولايات المتحدة الدرجة القصوى من
الملاءة (ايه ايه ايه) مرفقة بافاق اقتصادية مستقرة، وكانت تقديرات
اولية لوزارة التجارة الاميركية افادت ان اقتصاد الولايات المتحدة سجل
تحسنا فاق المتوقع في الفصل الرابع من 2013 على الرغم من اغلاق
الادارات في تشرين الاول/اكتوبر، وأوضحت ان نسبة النمو بلغت في تلك
الفترة 3,2 بالمئة وفق الوتيرة السنوية، وكانت توقعات المحللين تتحدث
عن معدل 3 بالمئة لنمو اجمالي الناتج المحلي للفترة من تشرين الاول/اكتوبر
الى كانون الاول/ديسمبر.
النهوض الاقتصادي لم يكتمل بعد
الى ذلك اعتبر رئيس الاحتياطي الفدرالي الاميركي (البنك المركزي) بن
برنانكي الذي تنتهي ولايته في نهاية الشهر، ان النهوض الاقتصادي "لم
يكتمل" بعد، وفي كلمة القاها الجمعة اثناء الاجتماع السنوي للجمعية
الاقتصادية الاميركية في فيلادلفيا، تطرق برنانكي ايضا الى السنوات
الثماني التي امضاها على راس الاحتياطي الفدرالي والتي واجه خلالها
اسوأ ازمة اقتصادية منذ الانهيار الكبير، واضاف برنانكي الذي ستحل محله
جانيت يلين في الاول من شباط/فبراير "لا حاجة للقول ان ولايتي كانت
مليئة بالاحداث بالنسبة الى الاحتياطي الفدرالي وبالنسبة الى البلد
وبالنسبة الي ايضا"، وقال "لقد اتخذنا اجراءات استثنائية لمواجهة
تحديات اقتصادية استثنائية".
وبعد ان ذكر بان معدل البطالة تراجع الى 7 بالمئة مقابل 10 بالمئة
في خريف العام 2009، اعتبر انه "على الرغم من التقدم، فان النهوض يبقى
غير مكتمل بشكل واضح"، واضاف ان "معدل البطالة عند 7 بالمئة يبقى
مرتفعا"، مشيرا الى العدد الكبير من العاطلين عن العمل لفترات طويلة
والى خفض المشاركة في قوة العمل التي تدل على ان العمال المحتملين
يرفضون البحث عن عمل، وراى ان نموا "مخيبا" للانتاجية مسؤول بشكل جزئي
عن بطء التوسع الاقتصادي الاميركي، وقال ان "اسباب هذه الزيادة الضعيفة
في الانتاجية ليست واضحة"، لافتا الى ان قساوة الازمة المالية عبر
خفضها عرض التسليفات "كبحت ربما الابتكار والاستثمارات المنتجة ونشوء
شركات جديدة". بحسب فرانس برس.
وقال برنانكي مجددا ان قرار الاحتياطي الفدرالي الاميركي في كانون
الاول/ديسمبر بخفض دعمه المالي للنهوض، لا يعني "خفضا لالتزامه في
المحافظة على سياسة نقدية متساهلة جدا طيلة الوقت اللازم"، وذكر بنية
البنك المركزي الاميركي الحفاظ على معدلات فائدة قريبة من الصفر "حتى
الى ما بعد" تراجع البطالة الى ما دون 6,5 بالمئة، وشدد برنانكي اخيرا
على جهوده لجعل الاحتياطي الفدرالي اكثر شفافية وهو ما شكل احد اهدافه
الاساسية حتى قبل اندلاع الازمة المالية. |