ربما من المفيد اجراء مقارنة بين مجموعة من الدول المتجاورة
جغرافيا والمتباعدة سياسيا واقتصاديا.
لو نظرنا الى الغابات في شمال كوريا نجدها استمرت تتناقص بنسبة 2%
سنويا لمدة عشرين عاماً، بينما ظلت غابات كوريا الجنوبية مستقرة. صور
الستلايت عن منطقة الهيسبينول في جزر الانتيل تبيّن ان الجانب الغربي
(هاييتي، ذات ناتج محلي اجمالي قدره 771 دولار سنويا للفرد) هو ارض
قاحلة، بينما الجانب الشرقي منها (جمهورية الدومنيكان، بناتج محلي
اجمالي قدره خمسة الاف و736 دولار سنويا) لا يزال فيه وفرة من الغابات
الكثيفة.
كان الاعتقاد الشائع هو ان النمو الاقتصادي يضر بالكائنات الحية غير
الانسان. ولكن كما يبيّن الواقع المتباين للغابات (كممثل ملائم للتنوع
البيئي) في الجزيرة الكورية وجزر الانتيل، ان النمو لم يكن سببا في
تقليل التنوع البيئي بنفس مقدار التأثير الذي يحدثهُ الفقر. حين تعاني
البلاد من الفقر مع عدم وجود نمو، وفيها تزايد في السكان سيكون الوضع
كارثيا. غير ان الفقر المصحوب بالنمو هو ايضا كارثي بنفس المقدار. ولكن
حالما يتمتع الناس بمستوى معين من الرخاء الاقتصادي، فان فوائد النمو
للكائنات الحية الاخرى ستفوق عيوب ذلك النمو.
تبدو هناك نسخة بيئية لمنحنى كوزنيتس، الذي يصف العلاقات بين
الازدهار وعدم المساواة في منحنى مقلوب على شكل حرف الـ U. في المراحل
المبكرة من النمو، تميل عدم المساواة للزيادة، بينما تهبط في المراحل
المتأخرة للنمو. ونفس الشيء بالنسبة الى التنوع البيئي، حيث يعاني في
المراحل المبكرة من النمو، بينما ينتعش في المراحل اللاحقة.
مؤشر الحياة على الارض (LPI)، ومعه جمعية علم الحيوان في لندن
يبيّنان انخفاضاً في التنوع البيئي بمقدار 61% بين عام 1970 و2008 في
المناطق الاستوائية، والتي هي مناطق اكثر فقرا، ولكن هناك تحسن بنسبة
31% في نفس الفترة في المناطق المعتدلة، التي تميل لتكون أغنى. ونفس
الشيء، نجد الدول الفقيرة تميل لقطع الغابات، بينما الدول الغنية تسعى
لزراعتها.
بعض التحسن في التنوع البيئي ربما هو نتيجة لقيام الدول الغنية
بتصدير نموها للدول الفقيرة، لكن ذلك ليس هو العامل الوحيد في الموضوع.
لم يحصل اي تصدير للنمو الى شمال كوريا وهاييتي، بل ان بيئتهما لا تزال
تعاني من التلف. اما الدول التي بقيت فقيرة حتى وقت متأخر – مثل جنوب
كوريا والبرازيل – نراها تشهد تحسناً في العديد من الانواع الحية.
يشير الدليل الى ان، النمو الاقتصادي وضمن مستوى معين من الدخل
(يزيد قليلا عن الحد الادنى)، سيفيد الانواع الحية الاخرى.عندما يصبح
الناس اكثر ثراءا، يبدأون يتصرفون بشكل افضل تجاه الانواع الاخرى.
وعندما تنمو الدول ستصبح أنظف وأكثر تمدينا وأمناً واكثر كفاءة ووعياً،
وشعوبها ستنجب القليل من الاطفال. الكائنات الاخرى تستفيد من جميع تلك
التأثيرات، ومن التقدم العلمي والتكنلوجي اللذين يأتيان مع النمو.
واذا كانت جميع الكائنات الحية تستفيد من الماء النقي، فان من مصلحة
المجتمعات تنظيف الانهار لفائدة شعوبها. تاريخياً بدأت لندن ببناء نظام
للصرف الصحي بعد عام من "الرائحة الكبرى" التي حدثت في عام 1858 لأن
العديد من الناس كانوا يموتون من الكوليرا، والحياة في المدن اصبحت لا
تطاق. كان البرلمان مضطراً للانتقال بعيدا عن مقره الكائن على ضفة نهر
التايمز. وفي الستينات من القرن الماضي اطلق الرئيس جونسون على نهر
بوتوماك بـ "العار القومي" ليس لأنه قتل الاسماك وانما بسبب قذارته
العالية. وبعد ذلك بفترة قصيرة قام بتوقيع قانون نوعية الماء.
قبل 40 عاماً كانت ثلثي الانهار الامريكية غير آمنة للسباحة او
للصيد. وحاليا ثلثها فقط غير صالح. برامج التنظيف التي صُممت اساسا
لخدمة الناس كانت ايضا مفيدة للكائنات الاخرى.
وحتى بعد الانتشار الواسع لنظام الصرف الصحي، بقيت الانهار عرضة
للتسمم بفعل الملوثات الصناعية والمبيدات. السيطرة على المتسببين
بالتلوث ادّت الى تنظيف الانهار. تذكر وكالة البيئة البريطانية انه في
عام 1990 نالت نوعية الماء في 55% من الانهار درجة جيد او ممتاز، اما
الان بلغت النسبة 80%. ذلك لا يجعل فقط الانهار آمنة للاستجمام وانما
شجع ايضا عودة الكائنات الحية التي كانت شائعة في يوم ما واصبحت نادرة
في القرن العشرين. ثعالب الماء، مثلا، كانت موجودة فقط في 6% من مجموع
3300 موقع جرى استبيانها من جانب وكالة البيئة في الاعوام 1977-1979،
وفي الاعوام 2009 - 2010 ازدادت النسبة الى 60% من تلك المواقع.
عندما تصبح الدول اكثر ثراءاً، تتحول الزراعة الى اسلوب الزراعة
المكثفة، فتزداد المخرجات، وتُترك الارض الهامشية بوراً، قوة العمل
الزراعية تتقلص والناس ينتقلون الى المدن. الارض المهجورة تُستعمل
للتسلية وتعود مرة اخرى لتصبح غابات او مناطق غير مأهولة. هذا هو السبب
الرئيسي الذي جعل غطاء الغابات ينمو في امريكا ويبقى ثابتا او يتزايد
في جميع دول اوربا عدى استونيا والبانيا في الاعوام 2005-2010 طبقا
لأرقام منظمة الغذاء والزراعة التابعة للامم المتحدة.
استغلال الموارد الطبيعية ام الحفاظ عليها؟
العديد من جماعات الخضر يجادلون بان الزراعة المكثفة تلحق الضرر
بالتنوع البيئي. من الثابت ان المبيدات والمخصبات تقلل من أعداد
الكائنات الحية في أماكن استخدام تلك المواد، لكن الزراعة المكثفة
تستخدم القليل من الارض مقارنةً بالزراعة الواسعة لإنتاج نفس المقدار
من الغذاء. السؤال اذاً، هو ما اذا كانت المنفعة للكائنات الاخرى من "استغلال
الاراضي"(الزراعة الواسعة في مساحات واسعة) تفوق المنفعة من "التحفظ في
الاراضي"(الزراعة المكثفة بمساحات صغيرة). صدرت مؤخرا ورقتان – احدهما
نظرية لديفد تلمان David Tilman في جامعة منيسوتا والاخرى تجريبية لبين
فالان Ben Phalan بجامعة كامبردج، تنظران ببيانات من غانا والهند
وتستنتجان ان خيار المحافظة على الارض هو الرابح.
الدول الأغنى تميل لتكون اكثر وعياً بقيمة الانظمة الايكولوجية
وتكون لديها رؤية بعيدة. هذا يتضح في الصين التي قامت بتحطيم جزء كبير
من غاباتها وهي الان تدفع مزارعيها لزراعة الاشجار. ان القيمة
الايكولوجية لبعض الغابات المتحصلة هي عرضة للتساؤل – الكثير منها يحمل
خصوصية الاصناف المستوردة التي لا تنسجم دائما مع المناخ المحلي – ولكن
أعداد الغابات مثيرة للاعجاب. غطاء الغابات زاد بمقدار الثلث بين
الاعوام 1990 و2010.
الدول الاكثر ثراءاً هي ايضا لديها حكومات اكثر كفاءة، بدونها تصبح
المحافظة على البيئة مستحيلة. تواجد الفيلة في جنوب افريقيا افضل بكثير
من تواجدها في وسط افريقيا وشرقها. جنوب افريقيا، زيمبابوي وبوتسوانا
لديهم حدائق عامة منظّمة جيداً وقوات شرطة فعالة. اما في الكونغو وشاد
وتنزانيا هذه المؤسسات عادة تكون ضعيفة وغير مستقرة.
ان الدول الأغنى اقتصاديا هي عموما اكثر أمناً واستقراراً، وهذا
يُعد امراً جيداً لشعوب تلك الدول ولكن ليس دائما للانواع الحية الاخرى.
يمكن للتنوع البيئي ان يستفيد احيانا من الصراعات: حيث يخرج الناس
بعيداً، فتتم المحافظة على بيئة الانواع الحية الاخرى. المنطقة
المنزوعة السلاح بين شمال كوريا وجنوبها والبالغة مساحتها 1000 كيلومتر
مربع، اصبحت بحكم الواقع طبيعة تحتفظ باهمية بالغة للعلماء. ولكن من
جهة اخرى، يمكن للنزاعات ان تؤذي التنوع البيئي اكثر مما تنفعه، فتحطم
أماكن الحيوانات وتقوّض جهود الدول في حماية المخلوقات الاخرى. وهذا
السبب يوضح لماذا الفيلة متواجدة بشكل افضل في جنوب افريقيا قياسا بوسط
وشرق افريقيا، حيث يمتلك المسلحون الكثير من البنادق ولديهم حوافز
مالية لبيع العاج وتمويل الحروب.
النمو الاقتصادي والطابع الديموغرافي
ان تأثير الرخاء الاقتصادي على ديموغرافية الانسان ايضا ينعكس
ايجابيا على التنوع البيئي، لكنه يأخذ وقتا. في المراحل المبكرة للنمو
الاقتصادي عادة الناس يتكاثرون بسرعة بسبب انخفاض نسبة الوفيات وبقاء
نسب الولادات عالية، كما يحصل في افريقيا حاليا. وهذا من شأنه ان يكثف
المنافسة على المصادر بين الانسان والكائنات الاخرى. ولكن عندما تصبح
الدول اغنى، ستصبح المزيد من النساء متعلمات ويحصلن على وظائف، المزيد
من الناس ينتقلون بعيدا عن المزارع باتجاه المدن وتبدأ نسبة الولادات
بالهبوط. في شرق اسيا هبطت نسبة الاخصاب عند المرأة من.35 طفل لكل
امرأة في اعوام 1960s الى 1.6 حاليا. في بعض الدول، مثل اليابان وروسيا
ومعظم دول اوربا الشرقية وقسم من اوربا الغربية، السكان يتناقصون سلفا.
ولكن في افريقيا لايزالون يتزايدون بسرعة، وهو السبب الرئيسي الذي يجعل
الامم المتحدة تتوقع استمرار التزايد السكاني العالمي حتى نهاية القرن
الحالي.
النمو الاقتصادي والتقدم التكنلوجي
اخيراً، يؤدي النمو الى جلب التقدم العلمي، الذي بدوره جعل من السهل
تخفيف الاخطار المحدقة بالتنوع البيئي. المحافظة على البيئة كان
يتبنّاها رجال يرتدون السراويل وليس لديهم اكثر من منظار. اما الآن
بدأت الثورة الرقمية تتولى إحداث التحول. البيانات تتراكم ويصبح من
السهل الدخول اليها. ثلاثة قرون من المعلومات القيمة عن التاريخ
الطبيعي تستقر في المتاحف والجامعات في كل العالم، وهي الان يجري
ترقيمها (دجتل).
خدمات المعلومات البايولوجية العالمية، والجهود الحكومية المتبادلة،
ساهمت في جعل هذه المعلومات متوفرة لكل شخص وفي كل مكان.
(IUCN) الاتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة، اعتُرف به عالميا
كمستودع للمعلومات عن الكائنات المهددة بالخطر، وهو نظام بدأ كشكل من
فهرسة البطاقات عام 1954 باشراف Leofric Boyle، الجنرال البريطاني الذي
عمل على انقاذ المها العربية. الآن نجد النظام معروض على الاون لاين
ويمكن الوصول اليه، لكنه لا يزال مجرد قائمة. ان بحوث المايكروسوفت،
ومن خلال الشراكة مع الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة، تقوم ببناء
برامج سيستطيع بموجبها العلماء في كل العالم تحديد خارطة التهديدات
التي تواجه الكائنات الحية والاطلاع على التهديدات التي يبعث بها علماء
اخرون.
ان عملية عرض البيانات هي ذاتها في تحسن كبير. ESRI، شركة تكنلوجية
تسيطر على عمليات رسم الخرائط، تمكّن المستعملين من بناء خرائط تتضمن
طبقة من المعلومات، انها تقدم ما لديها من سوفتوير خاص مجاناً لمنظمات
الحماية وبذلك تكون قدمت خدمة رائعة جداً. David Yarnold، مدير جمعية
اودبن لامريكية، يقول ان منظمته لديها بيانات عن استخدام الارض، وعن
الهايدرولوجيا المائية و114 سنة من حياة الطيور جرى احصائها من 470
جماعة محلية، لم يكن متاحاً الاطلاع عليها. اما الان، بفضل شركة ESRI،
اصبح بالامكان الدخول الى اي منها.
تكنلوجيا الاتصالات ايضا تساعد في جمع المعلومات عن حركة الحيوانات
الحرة. الحيوانات الكبيرة مثل الفيل والزرافة والاسد هي الان عادة
مزودة بنظام الـ GPS (نظام عالمي لتحديد وتعقّب الحيوانات). ان
المحاولات الناجحة لتصغير حجم الادوات التكنلوجية الى أقل حجم ممكن (Miniaturisation)
قادت الى استخدامات جديدة لمثل هذه الادوات. ان (مشروع التكنلوجيا لأجل
الطبيعة) – وهو تعاون بين بحوث المايكروسوفت وجمعية علوم الحيوان في
لندن والكلية الجامعية في لندن – يطور تكنلوجيا متقدمة، تضم ادوات
صغيرة ملصقة بالحيوانات يمكنها نقل المعلومات لاسلكيا والاتصال مع
بعضها البعض. الفكرة هي ان الحلقة المعدنية التي توضع على الفيل، مثلا،
سوف تنقل المعلومات الخاصة به الى حلقة معدنية اخرى توضع على الطير
الافريقي الاسمر(oxpecker) – طير يركب على ظهر الفيل – وجميع المعلومات
سوف يتم تحميلها الى محطة رئيسية بالقرب من عش الطائر الافريقي.
من بين التكنلوجيا الاكثر نفعاً للحفاظ على الاحياء هي الاستشعار
عن بعد، حاليا تستعمل على نطاق واسع لرصد مدى التلف في غطاء الغابات
وفي دراسة توزيع الانواع الحية. الخبير (Peter Fretwell) من مركز المسح
البريطاني للقطب الجنوبي استعمل بيانات الاستشعار عن بعد لتقدير عدد
افراد طيور البطريق بالاعتماد على فضلات الطيور. البيانات يمكنها
التمييز بين مختلف انواع البطريق لأن بصمة الاشعة تحت الحمراء تختلف من
كائن الى آخر. وبالتالي تمكّن الخبير من تقدير أعداد البطريق من النوع
الكبير الحجم.
ادوات العمل تتحسن باستمرار وتصبح أقل كلفةً. البروفيسور (Serge
Wich) في قسم البايولوجيا الاساسية بجامعة جون مورس بليفربول كان
يستعمل الطائرات بلا طيار في حساب مقدار كثافة انسان الغابات في
الغابات المطيرة باندونيسيا. انسان الغابات يقوم بعمل اوكار له كل يوم
– "اوكار مريحة جدا ومغطاة بطبقة من اغصان الاشجار"، وحسب تعبير وتش
يمكن تخمين أعداد انسان الغابات من خلال معرفة عدد الاوكار. يقول " نحن
كنا نعمل بصعوبة عبر الغابات المطيرة وكنا نتمنى لو توفرت لدينا كاميرا
طائرة لرصد عدد الاوكار". لكنه اشار الى انها مكلفة جدا – حتى عثر
اخيراً على ويب سايت امريكي سهّل له المهمة. عدد من منظمات حماية
البيئة أنشأت مواقع معلوماتية لتبادل المعلومات حول هذه الاداة
المفيدة. هناك شركة بحوث سويسرية تصنع طائرات بلا طيار خصيصا للاغراض
البحثية والبيئية. يقول (وتش) " انه املنا ان تصبح المركبة بلا انسان
شبيهة بمنظار".
الاستشعار عن بعد، مترافقا مع التقدم الاقتصادي، ساعدا بشكل كبير في
تقليل ازالة الغابات في البرازيل البلد الاكثر اهمية للتنوع البيئي.
.........................................
Special report: Biodiversity,The effects of
growth, The Long View The Economist, Sep 14th 2013 |