تطرف

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بدءا من السلوك الذي يقوم به الانسان منذ طفولته المبكرة ولا يمكن له فهم اسبابه، لعدم تطور قدراته العقلية في التفسير او الاستنتاج والتحليل لمثل هذا السلوك، يكون التطرف مصاحبا للانسان.

الكذب البسيط او الكبير، المبالغة في الوصف، طريقة الكلام، طريقة اللعب مع الاقران، وغيرها، كلها تشي بمستويات متعددة من التطرف، لكنه تطرف يبقى ضمن مواقع السيطرة الاجتماعية التي تفرضها ثقافة كل مجتمع من اعراف وتقاليد، في المنزل او المدرسة او الشارع او اماكن العمل وتجمعات الناس.

في الاصطلاح اللغوي، كل مجاوزة لحد الاعتدال وعدم التوسط في الامور، يعد تطرفا.

هذا الفهم يأتي لاحقا على السلوك أو الكلام الذي يقوم به الانسان، منذ السنوات الاولى لتشكيله الثقافي في مجتمعه..

لكنه هنا يتحول، مع الاستمرار في عدم وعيه، الى نتائج تقود الى التعصب، وهو الاكثر استعمالا في التحليل الاجتماعي والنفسي، ويقابله الغلو في التفسير الديني..

لا وجود لمصطلح (تطرف) في موسوعات السوسيولوجيا الاجتماعية، وفي معاجمها المفاهيمية، وحتى الموسوعات التي تكرس لحقول علمية جديدة، في الدراسات الثقافية أو الانثروبولوجية، فانها تستعمل مصطلح (تعصب) بديلا عن (تطرف).

في موسوعة النظرية الثقافية، يكون التعصب، هو كل اتجاه عدواني وسلبي تجاه فئة اجتماعية معينة..

وفي موسوعة علم الانسان، التعصب هو كل حكم سلبي على بعض الاشخاص او الجماعات لاينهض على معرفة سلوكهم الحقيقي، وانما يقوم على صور نمطية ثابتة.

ابرز صور التعصب هي: العرق، الاثنية، النوع، ولها تمظهرات عديدة في الواقع الاجتماعي (الفاشية – النازية – النظرة الى المرأة – النظرة الى الانسان الملون) وغيرها من امثلة، تبين هذا الميل والاستعداد المسبق للنظر الى الاخرين ضمن تلك التوصيفات نظرة دونية.

في مجال التأويل، يستعمل جورج جادامير الانحياز مقابل التعصب كشرط مسبق لفعل التاويل، وهو يتكون من الافتراضات المسلم بها التي يحشدها كل من يقوم بالتاويل ويسخرها في هذا العمل بوصفها شرطا مسبقا لابد منه للوصول الى فهم النص.

يرتبط (الغلو) بالشأن الديني، والذي يعني: التَّشدُّد أو الإفراط ومجاوزة الحدّ والافراط فيه..

وهو مرادف للتطرف، الذي يقوم على  الوقوف إلي جانب أحد النقيضين ، بدلا  من تجاوزهما بإلغاء التناقض بينهما.

يحتل التطرف في واقعنا الراهن الكثير من المواقع، وانتقل من وصف الافكار والاعمال غير المبررة، الى وصم الكثير من الأيديولوجيات السياسية التي تعتبر بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع. من ناحية الأعمال، يستعمل في أغلب الأحيان لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولات التغيير السياسي أو الاجتماعي. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين.

في كتابه (المؤمن الحقيقي: أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية) اعتبر إريك هوفر أن الحركات الثقافية المتعصبة والمتطرفة، سواء كانت دينية أم سياسية، تنشأ في ظل ظروف يمكن التنبؤ بها: عندما يعتقد أعداد كبيرة من الناس بأن حياتهم الفردية لا قيمة لها ومدمرة، وأن العالم الحديث فاسد لا يمكن إصلاحه، والأمل الوحيد يكمن فقط في الانضمام إلى مجموعة أكبر التي تهدف إلى تغييرات جذرية. اعتقد هوفر أن تقدير الذات والشعور بالرضا تجاه الحياة هي واحدة من أهم مرتكزات الشعور بالمعافاة النفسية. لذلك ركز على ما اعتبره عواقب عدم احترام الذات.

يشير التطرف كما نعيشه حاليا الى المبالغة والمغالاة في التمسك فكرا او سلوكا بجملة معتقدات سياسية او دينية او مذهبية او فكرية، تشعر من يعتنفها بانه يمتلك الحقيقة المطلقة.

وهذا يؤدي الى خلق فجوة بينه وبين النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه وينتمي إليه.

والصحة المطلقة لما يعتقده المتطرف، تعني عدم قدرته على تقبل اي معتقدات او افكار لجماعات اخرى واشخاص اخرين وعدم التسامح معها.

ترتبط بالتطرف عدة مصطلحات اخرى، منها:

(التشدد – الأصولية - الانحراف الفكري ويندرج تحته: الجنوح والميل، الزيغ والضلال، الشذوذ).

الباحث المغربي بودريس درهمان يرى ان التطرف (هو كل سلوك لا يتوافق مع اختيارات الجماعة و مع قواعد تعامل المؤسسات). وهو يرى ان دراسة التطرف اقتصرت حتى ستينيات القرن المنصرم على الوضع الاجتماعي والوضع النفسي للمتطرف، لكن بعد هذا التاريخ أصبحت الكتابات الاجتماعية التي تبحث عن جذور التطرف تنقسم إلى ثلاث تيارات:

التيار الثقافوي الذي يعتقد في وجود ثقافات دونية تحمل بين طياتها بذور التطرف وهي المسئولة في توجيه بعض الأفراد إلى عالم التطرف.

التيار الوظيفي الذي يعيد الظاهرة إلى الاعتلال الجسدي حيث كل جسد عليل يؤهل صاحبه إلى عالم التطرف.

تيار التفاعل الرمزي الذي يستعمل المقاربة البيئية والممثل في ما يعرف بمدرسة شيكاغو. يرجع هذا التيار أسباب التطرف إلى ما يسميه بالفوضى الاجتماعية. أحد ممثلي هذا التيار نجد بيكر هوارد صاحب كتاب (الخارجون عن القانون) يضع ثلاث فرضيات هي كالتالي:

المجموعات البشرية تنتج التطرف عن طريق تثبيت طبائع وكل من لا يحترم هذه الطبائع يتم اعتباره متطرفا.

الطابع التطرفي مرهون بمدى ردود أفعال الآخرين اتجاه هذا التطرف و بهذه الصفة فالطابع التطرفي ليس تطرفا في حد ذاته ولكنه نتيجة فقط لمستوى التفاعل السلبي مع هذا المعتبر متطرفا ولو تمت معاملة هذا السلوك معاملة ايجابية لتم لصاحبه التخلي عن هذا التوجه المعتبر تطرفا.

الطبائع المثبتة لا تخلق دائما حولها إجماعا ولهذا فهي دائما موضع اختلاف وقد لا تتبناها التصورات السياسية المختلفة بداخل المجتمع.

في عمل سابق كتبه (جوستاف لوبون) وهو كتابه (سيكولوجية الحشود) يرى فيه، أن الفرد حينما يجد نفسه وسط جماعة تميل إلى التطرف يصبح أكثر بدائية وأكثر تجيشا لأنه يوجد في حالة ما قبل الوعي وهي حالة من الحالات التي تقوم فيها الحشود بتنويم كل قدراته العقلية.

ماهي مظاهر التطرف في واقعنا الذي نعيشه؟

(التعصب للرأي، والتشدد والغلو فيه - سوء الظن والعنف في التعامل مع الاخرين  - انتهاك عصمة الآخرين من خلال استباحة دمائهم وأموالهم - العزلة عن المجتمع).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/شباط/2014 - 14/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م