إفريقيا الوسطى.. عنف طائفي ومذابح تثير الرعب

 

شبكة النبأ: تدهور الأوضاع الأمنية في جمهورية إفريقيا الوسطى التي دخلت اليوم في مرحلة حرجة بسبب اتساع اعمال العنف الطائفي التي تقوم بها الحركات المسلحة، لا يزال محط اهتمام وترقب لدى الكثير من الدول والمنظمات الانسانية التي تخشى من حدوث حرب إبادة، خصوصا مع تزايد عمليات القتل والتهجير التي تحدث بشكل يومي بين المسيحيين الذين يشكلون نصف السكان، وبين المسلمين الذين يشكلون 15%، وامام الآلاف من قوات حفظ السلام الدولية التي تقف عاجزة عن تقديم اي حلول مهمة بخصوص وقف تلك المذابح التي تستهدف المسلمين بشكل خاص كما يقول بعض المحللين. الذين اكدوا على ان هذا التدهور الكبير إفريقيا الوسطى ربما سيؤثر على امن واستقرار المنطقة بشكا تام.

وفي هذا الشأن فقد قالت مسؤولة حقوق الانسان بالأمم المتحدة إن الأقلية المسلمة في افريقيا الوسطى تواجه موجة متصاعدة من الهجمات الانتقامية وإنه يتعين على الحكومات الأجنبية فعل المزيد لمنع تمزق البلاد. وشرد قرابة مليون شخص أو ربع السكان جراء القتال منذ استولت حركة سيليكا المتمردة التي يهيمن عليها المسلمون على السلطة في الدولة ذات الأغلبية المسيحية مما أطلق العنان لموجة قتل ونهب.

وحملت مجموعات مسيحية للدفاع عن النفس السلاح ضد سيليكا وتقدر الامم المتحدة أن أكثر من الفي شخص قتلوا في افريقيا الوسطى في الشهور العشرة الأخيرة. ويهجر قادة سيليكا حاليا العاصمة بانجي مع قواتهم المتبقية مما يزيد من خطر الهجمات الانتقامية التي تستهدف المدنيين المسلمين. وقالت نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الانسان بالامم المتحدة في بيان "وضع الأمن وحقوق الانسان زاد تدهورا في الأيام القليلة الماضية."

وأضاف "المدنيون المسلمون باتوا الان عرضة للهجمات الى أبعد الحدود. كثيرون منهم يطردون من البلاد الى جانب (متمردي) سيليكا السابقين وهم يفرون حاليا باتجاه الحدود التشادية." وزاد النهب والعنف من قبل غوغاء يستهدفون المناطق التي تسكنها أغلبية مسلمة من بانجي رغم وجود قوة تدخل فرنسية والاف من قوات حفظ السلام الافريقية. وقالت بيلاي "ببساطة لا نستطيع ترك النسيج الاجتماعي لهذا البلاد يتمزق. ادعو المجتمع الدولي الى تعزيز جهود حفظ السلام لأن المسألة ملحة جدا... هناك أرواح كثيرة في خطر." بحسب رويترز.

وفر أغلب المدنيين المسلمين الآن من بانجي أو يستعدون للفرار منها. وتابع شاهد في حي مسكين اللصوص وهم يزيلون المتاجر والمنازل التي يملكها المسلمون بعد أن جرد معظمها بالفعل من السلع والاثاث خلال موجات سرقة سابقة. ودعت كاثرين سامبا بانزا الرئيسة الانتقالية الجديدة للبلاد إلى إرسال المزيد من القوات الدولية للمساعدة في اخماد العنف. وتنتشر في افريقيا الوسطى بالفعل قوة قوامها 1600 جندي فرنسي بالاضافة إلى خمسة الاف جندي افريقي. وتعهد الاتحاد الاوروبي بإرسال نحو 500 جندي اضافي لكن لم يتضح بعد الدول التي ستساهم بالقوات أو موعد وصولها.

التنكيل بالمسلمين

من جانب اخر جمع جنود فرنسيون سواطير ومطارق ومعاول ومقالع ضبطوها من عناصر الميليشيا المسيحية على الأرض المغطاة بالدماء في حي كومباتان في بانغي، على بعد خمسة امتار من جثة لشاب مسلم قطعت اذناه. وقال بنجامين جاره المسيحي "انه مسلم من هنا، كان يدعى اباكا، قتلوه في باحة منزله" مشيرا الى عناصر المليشيا المسيحية الذين يطاردون المسلمين بشراسة في عاصمة افريقيا الوسطى ليلا ونهارا ويقتلونهم بصورة بشعة، بذريعة مقاومة عناصر حركة تمرد سيليكا السابقة.

وقال جندي فرنسي من عملية سنغاريس وصل بعد الاغتيال "علينا أن نغطي الجثمان"، فيما كان نحو عشرين جنديا فرنسيا يحاولون منع مئات السكان من الاستيلاء على ممتلكات القتيل ونهبها.

ورغم ذلك، شرع العشرات في عملية النهب، في اجواء متوترة. وصاح جندي في وجه شاب يتقدم نحوه "لا تقترب، قف حيث انت، تراجع الان".

وتطايرت اوراق دفتر مدرسي وسط الغبار، وما ان ابتعد الجندي ثلاثة امتار حتى عاد الناهب وحمل على كتفه بابا من الخشب وتبعه اخر حاملا خرطوما للري. القى الاثنان نظرة على جندي سنغاريس ثم هربا بغنيمتيهما. ويحاول الجنود احتواء العشرات من الشبان المختبئين خلف اعشاب عالية بالقرب من مسكن القتيل. ولا يمكن معرفة إن كانوا من المليشيات او مجرد مشاغبين وناهبين.

وقال بنجامين "ليس معقولا. عناصر سنغاريس يمنعوننا من النهب". وعلى حافة الطريق يغتنم صاحب دكان صغير يحمل اسم "آرش دي نوي" (سفينة نوح) فرصة هدوء قصيرة ليحكم اغلاق باب دكانه. وصاح جندي متوجها إلى مئات السكان الذين يحاولون الاقتراب "لن نكرر لكم عشر مرات، انتقلوا الى الجانب الاخر من الطريق".

ووصلت سيارة اسعاف تابعة لقوة ميسكا (القوة الافريقية لدعم افريقيا الوسطى) من منطقة قريبة من المطار حيث يتكدس الاف النازحين المرعوبين، وصفارتها تدوي، واطلق جندي فرنسي الرصاص من بندقيته الرشاشة في الهواء لإبعاد الحشد. وعلى بعد أقل من مئة متر، تكرر المشهد الرهيب في بانغي، على حافة الطريق، حيث جثة شاب مسيحي هذه المرة، قتل خطا لانهم ظنوا انه مسلم. وقال فيكتور "كان يشبه المسلمين بشعره المجعد والمسبحة حول معصمه".

وبدت جروح عميقة على كاحليه اللذين تجاوزا الغطاء الملون الذي غطي به، فقال احدهم ان القتلة فعلوا ذلك "كي يسيل الدم بسرعة". واضاف فيكتور "هذا لا يجوز، هناك تجاوزات كثيرة، يجب ان يتوقف كل ذلك".

وصاحت زوجة القتيل واحدى شقيقاته وهما تبكيان وترفعان يديهما الى السماء "قلت له ان لا يخرج" قبل ان ينقل على عربة تحركت ببطء. وتستمر في بانغي اعمال العنف العشوائية تدور في العديد من الاحياء. وفي حي بي.كا12 شمال العاصمة نقل الصليب الاحمر مسلما جرح بسكين قال دركي من افريقيا الوسطى يحرس حاجزا "انه من عناصر سيليكا سابقا، تعرفوا عليه" واضاف "وصل اخر كان يريد القاء قنبلة يدوية لكننا سيطرنا عليه في الحين". وكتب على لافتة من الورق المقوى ثبتت على كرسي امام بائعي الكسافا والخشب على مسافة امتار قليلة من بقعة الدم المراقة على الطريق "لا لسيليكا، نريد رحيلهم من بي.كا12، نعم لسنغاريس، نطلب منهم زيادة عملياتهم". بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل افاد شهود عيان ان قافلة ضخمة من شاحنات وسيارات اجرة تنقل العديد من المدنيين المسلمين مع ما تيسر حمله، غادرت بانغي وسط صيحات الحشود الغاضبة التي ضربت رجلا سقط من سيارة حتى الموت. وسلكت القافلة الطويلة المحور المؤدي الى المدخل الشمالي للمدينة وسط شتائم السكان الذين اصطفوا على طول الطريق. واكد بعضهم ان احد المغادرين سقط من اعلى الشاحنة التي كانت تقله وتعرض للضرب حتى الموت. وتعرضت ايضا شاحنة اخرى من القافلة لهجوم من عناصر ميليشيات مسيحية سرعان ما فرقتهم القوة الافريقية المتواجدة عند المحور المروري مطلقة اعيرة تحذيرية.

من جهة اخرى اعلنت مدعية المحكمة الجنائية الدولية انها باشرت القيام ب"دراسة اولية" ستمهد لإجراء تحقيق حول جرائم "خطيرة" قد تكون ارتكبت في افريقيا الوسطى التي تجتاحها اعمال العنف والقتل الطائفية منذ اشهر. وقالت الغامبية فاتو بنسودا بحسب ما جاء في بيان ان "مكتبي اطلع على العديد من التقارير التي تتحدث عن اعمال ذات وحشية فائقة ارتكبتها مختلف المجموعات وعن ارتكاب جرائم خطيرة يمكن ان تعود صلاحية البت فيها الى المحكمة الجنائية الدولية".

عقوبات رادعة

على صعيد متصل طالبت الامم المتحدة وفرنسا بفرض "عقوبات رادعة" بعدما انهال جنود من افريقيا الوسطى بالضرب امام الناس في بانغي على رجل متهم بأنه متمرد سابق وقتلوه، ولم يعتقل اي منهم على الفور. وحيال استمرار اعمال العنف، اعتبر وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان ان في امكان الامم المتحدة ان تمدد مهمة القوات الفرنسية في عملية سنغاريس الى ما بعد الفترة المحددة بستة اشهر.

وقال الممثل الخاص للامم المتحدة في افريقيا الوسطى باباكار غابيي في مؤتمر صحافي عقده في بانغي ان "الحوادث التي وقعت خلال الاحتفال باعادة تنظيم القوات المسلحة لافريقيا الوسطى هي حوادث تنطوي على خطورة كبيرة وغير مقبولة" يتعين "اجراء تحقيقات في شأنها وفرض عقوبات رادعة" في بلد كل مؤسساته معطلة بما فيها القضاء. ودانت باريس "العمل الشنيع" وطالبت بفرض "عقوبات رادعة"، مؤكدة تأييدها "قرار الرئيسة سامبا بانزا فتح تحقيق للقبض على القائمين بأعمال العنف ومحاسبتهم امام القضاء".

واكد وزير الدفاع في افريقيا الوسطى الجنرال طومالس تيمانغوا امام المجلس الوطني الانتقالي ان تحقيقا قد بدأ، مشيرا الى انه "طلب اشراك المدافعين عن حقوق الانسان في هذا التحقيق". وقال فلوران غيل من الاتحاد الدولي لحقوق الانسان ان "تشكيل خلية خاصة للتحقيق حول هذه الجرائم يجب ان يكون اولوية للحكومة الجديدة لوضع خط احمر وحتى لا تبقى الجرائم من دون عقاب".

وشدد الجنرال غايل على "ضرورة القيام بجهود كبيرة للحؤول دون حصول عنف اعمى، العنف غير الضروري الذي نشهده اليوم" والذي "يترجم تمزيقا للنسيج الاجتماعي وتدهورا غير مسبوق للقيم في هذا البلد". واضاف ان "كل عمليات بسط الامن التي تجرى في الوقت الراهن في بانغي تعاني من غياب عنصرين اساسيين" هما قوات الشرطة والدرك والقضاء.

وامام عشرات الشهود، انهال جنود بالضرب حتى الموت على رجل مشبوه بأنه جندي في تمرد سيليكا السابق، في ختام احتفال رسمي باعادة احياء الجيش الوطني في حضور الرئيسة سامبا بانزا. وهذه المرة الاولى التي تجتمع فيها القوات المسلحة في افريقيا الوسطى منذ اذار/مارس تاريخ تولي الحكم حركة سيليكا المتمردة التي اصبح عناصرها ومعظمهم من المسلمين محصورين في معسكرات او فارين منذ استقالة ميشال جوتوديا من الرئاسة في العاشر من كانون الثاني/يناير. وشارك عشرات من جنود افريقيا الوسطى مباشرة في ضرب الرجل حتى الموت، على مرأى من مراسلي الصحافة الدولية. ولم يتدخل اي جندي. بحسب فرانس برس.

وردا على سؤال عن عدم تحرك القوة الافريقية التي كانت موجودة لدى وقوع الجريمة، اكد الجنرال غايي ان "الفصل السابع يجيز اقصى درجات التحرك، وهذا لا يعني انه يتعين حيال كل وضع الوصول فورا الى المواجهة بالسلاح. يجب استخدام القوة القاتلة بانتباه شديد". وانتقدت عدة منظمات غير حكومية منها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش سلبية القوات الدولية امام اعمال العنف التي تستهدف خصوصا المسلمين المتهمين بانهم من قدماء المتمردين الذين كثفوا التجاوزات طيلة اشهر بحق المسيحيين.

الى جانب ذلك قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري ان الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من تصاعد الاشتباكات في جمهورية افريقيا الوسطى وهي مستعدة لفرض عقوبات ضد المسؤولين عن اعمال العنف التي تحركها دوافع دينية. وقال كيري في بيان "الولايات المتحدة مستعدة للنظر في فرض عقوبات تستهدف هؤلاء الذين يزيدون من زعزعة استقرار الوضع او يسعون لتحقيق اهدافهم التي تتسم بالانانية من خلال التحريض او التشجيع على العنف."

وحث زعماء جمهورية افريقيا الوسطى على دعوة انصارهم "لوقف اي هجمات على المدنيين . "الحيلولة دون ان تكتسب اعمال العنف زخما اكبر وان تودي بحياة المزيد من الاشخاص ستتطلب من كل زعماء جمهورية افريقيا الوسطى السابقين والحاليين ان يكونوا واضحين في ادانتها." وقال كيري ان اختيار حكومة مؤقتة بزعامة الرئيسة كاثرين سامبا بانزا لاعادة النظام فرصة لاعادة البناء. ودعا الدول المجاورة الى ضمان عدم السماح بدخول اسلحة او دعم اخر للجماعات المسلحة في جمهورية افريقيا الوسطى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/شباط/2014 - 12/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م