السلطات في البحرين تكرس أحكام القرون الوسطى

فتعاقب منتقدي الملك بالسجن والغرامة

عباس سرحان/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

في تطور لافت على صعيد الحراك الشعبي في البحرين، وأنماط الحكم أيضاً، أقر الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة قانونا ينزل عقوبة السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات، وغرامة تصل إلى نحو "27 ألف دولار" بكل من يُدان بتهمة إهانة الملك.

وجاء في بيان صدر عن الحكومة البحرينية حيال مدى الحاجة إلى قانون يعاقب من يسيئون إلى الملك في وسائل الإعلام والأماكن العامة أن " ما يشهده المجتمع البحريني اليوم من تطاولات وإساءات وتصرفات طائشة تحت زعم حرية التعبير وحقوق الإنسان قد طال كل التقاليد والقيم والأعراف، ما دفع بعض الحاقدين والموتورين إلى التطاول ببذيء الكلام وقبيح الشعارات على الذات الملكية، الأمر الذي بات لا مفر معه من وضع تشريع واضح لمساءلة كل من تسول له نفسه بتجاوز حدوده والتجاسر على الذات الملكية".

وبدا البيان الحكومي واضحا في تفسير الدواعي من قانون الحفاظ على الذات الملكية من الإهانة والتجاوز، وعكس مدى الضيق والضجر الذي تشعره الحكومة البحرينية والنظام برمته من الانتقادات اللاذعة التي توجهها المعارضة البحرينية للنظام عبر وسائل الاعلام وفي المحافل الدولية وخلال التظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أعوام.

ومن وجهة نظر رافضي هذا القانون، وبالإضافة إلى التحفظات الأخلاقية والمنطقية عليه، أنه لم يحدد نوع الإهانة التي تستلزم العقوبة، وبالتالي يمكن للسلطة التنفيذية أن توجه الاتهام لكل شخص ينتقد النظام وأداء الدولة بأنه ينتقد الملك كما هو سائد في النظم الشمولية المستبدة، حيث يتيح القانون الجديد لأجهزة السلطة مرونة أكبر في مواجهة الحراك الشعبي المطالب منذ سنوات بالإصلاح السياسي والشراكة الحقيقية في حكم البلاد.

 ويُخشى أن تستخدم "جريمة إهانة الملك" كنوع من الاتهامات الجاهزة لتُلصق بكل شخص يبدي انتقادات للنظام والملك وعلى طريقة القرون الوسطى التي كان الإنسان يتعرض فيها لأشد انواع العقوبات بدعوى إهانة الذات الملكية.

ومن جانب آخر يعكس القانون الجديد فلسفة الدولة والحكم التي يتبناها النظام البحريني، والتي تجعل من الملك ذات مقدسة لا يطالها النقد وتعلو ذات الشعب الذي تحكمه، وهي صورة أخرى من صور الاستبداد والتفرد الذي يستمد فلسفته على ما يبدو من نظرية التفويض الإلهي للحكم.

والغريب أن ملك البحرين يحيط نفسه بالقوانين والسلطة التي تحميه من الملاحقة القانونية والانتقادات الشعبية، فيما يتعرض البحرينيون لأشد انواع الانتهاك على يد أجهزته دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ومقاضاة عناصر الأمن ممن يسيئون معاملتهم أو يتجاوزون عليهم بالتعذيب المعنوي والجسدي.

جذور القانون في القرون الوسطى

 في القرون الوسطى شاع مفهوم حق الملوك الإلهي "Divine right of kings" ويعني أن الملك يتمتع بسلطة مطلقة، ولا يجوز الخروج عليه لأن هذا الخروج تمرد على الله، ويبدو أن ملك البحرين بصدد إضفاء هالة من القداسة على نفسه تحرم انتقاده ولا تجيز الخروج عليه انسجاما مع هذه النظرية التي لا تتيح للمحكومين مقاضاته أو مواجهته للمطالبة بالإصلاح أو التنحي.

فإذا كان القانون الجديد يمنع انتقاد الملك فهو اذن يجرم ويحرّم الثورة ضده، ومع ان أوروبا قد أطاحت بنظرية التفويض الإلهي للحاكم بعدة ثورات ناجحة منها الثورة البريطانية في "1688–1689" إلا أن ملك البحرين يتوق على ما يبدو لترسيخ هذه النظرية بصيغ جديدة، لينظمّ بذلك إلى دول خليجية تعتبر انتقاد الملك إهانة تستحق أقسى العقوبات.

فدولة البحرين ليست الوحيدة التي تعتبر الحاكم مفوضا من الإله ولا تجوز الثورة ضده وإن كانت تروج لهذه النظرية بطرق غير مباشرة، فالسعودية والكويت وقطر كانت قد أصدرت عدة أحكام ضد مواطنين بتهمة إهانة الحاكم الذي يحيط نفسه غالبا بالعشرات من رجال الدين ممن يلمعون صورته بنظريات دينية لاتجيز الثورة عليه "باعتباره وليا للأمر تجب طاعته دون تردد ويؤثم من يخالفه".

ومع أن رجال الدين المتملقين غالبا للحكام في الخليج يمنحون الرعية حق مخالفة الحاكم في حال كانت أوامره أو سياساته تؤدي الى المعصية. إلا أن المفارقة أن من يحددون ما إذا كانت سياسة الحاكم فاسدة أم لا هم رجال دين يُحسبون على بطانة الحاكم ويسيرون في ركابه.

ويبدو ذلك جليا في وقوف رجال الدين مقربين من ملك البحرين بوجه ثورة الإصلاح البحرينية التي اندلعت في شباط 2011 للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، وجاءت تتويجا لمطالبات شعبية استمرت لنحو 35 سنة، وخلفت آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين، واستوجبت انتقادات دولية وإدانات واسعة لنهج السلطة العنيف في محاولة إخماد الثورة.

استنكار القانون

وقد قوبل القانون الجديد باستنكار أوساط حقوقية وصحفية بحرينية ورأت فيه رابطة الصحافة البحرينية إحكاما لسيطرة السلطة على وسائل التعبير والتواصل وجاء في بيان أصدرته بهذا الخصوص" أن مضاعفة العقوبات تتصل وبشكل واضح بإكمال الدولة سيطرتها المطلقة على الناشطين الإلكترونيين في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الحوارية عبر التهديد بهذه العقوبات التعسفية".

واتهمت الرابطة السلطات البحرينية باستكمال إجراءاتها التعسفية عبر وزارة الاتصالات من خلال إنشاء وحدة متخصصة لمراقبة ناشطي المعارضة من حقوقيين وسياسيين، وتسجيل تغريداتهم وتعليقاتهم ومنشوراتهم واعتبارها "إهانة للملك" في حال تضمنت انتقادا ضده.

وأبدت الرابطة قلقها من أن يتسبب القرار الأخير في إصدار المزيد من الأحكام القضائية المسيسة والانتقامية، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة الاعتقالات والمحاكمات القضائية المتصلة بإهانة الملك والمؤسسات النظامية إلى ما يزيد عن 32 قضية منذ نحو عام.

 كان آخرها استدعاء الكاتب الصحافي عباس ميرزا المرشد للمثول أمام المحكمة في 27 آذار الماضي بتهمة "إهانة الذات الملكية".

ودعت منظمات بحرينية مناهضة لمساعي السلطة الهادفة الى تقييد حرية التعبير، كافة الأطراف الدولية المهتمة بإشاعة احترام حرية التعبير والنشر والصحافة إلى مساندة الشعب البحريني ورفض التوجه المستجد للنظام في التضييق على حرية التعبير.

القانون تجاوز على عهود دولية

جاء في المادة 19 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو الإطار الدولي الأساسي، أن" لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة، وله الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".

وبهذا يعتبر القانون الذي يُجرّم انتقاد ملك البحرين، تعديا على العهد الدولي في مادته 19، وقال أستاذ العلوم السياسية الدكتور، رزاق حامد، لـ"مركز آدم" ليس من المعقول أن تعارض الحكومة البحرينية حق الإنسان في التعبير، ومن الواضح أن النظام البحريني يبيت أمرا تتم من خلاله مصادرة حق الأفراد بالرأي وانتقاد السلطة".

وتوقع، حامد، أن تعد السلطات البحرينية كل لقاء تلفزيوني مع عناصر المعارضة أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي إساءة للملك وتطبق القانون الجديد على من يقومون بها، في حال تناولت بالنقد ملك البحرين، وقال "سنشهد قريبا تقديم عشرات الأشخاص إلى المحاكم البحرينية بتهمة "إهانة الملك" طالما أن النظام البحريني يريد من وراء هذا القانون إسكات معارضيه وإخماد الاحتجاجات الشعبية".

التوصيات

ومما يوصي به مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات في إطار مساعيه الرامية إلى ترسيخ ثقافة احترام الحريات العامة والحقوق السياسية وحرية التعبير:

1- على السلطات البحرينية العدول عن قرارها بتجريم انتقاد الملك وأن تحرص على احترام المواثيق والعهود الدولية في إطار حفظ حرية التعبير.

2- ندعو المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى التدخل الفوري لمنع النظام البحريني من الاستمرار في نهجه المخالف لكل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وأن تزيد من ضغوطها على السلطات البحرينية بهدف حملها على احترام حق مواطنيها في التعبير والنشر.

3- ندعو الجامعة العربية إلى ممارسة الضغوط على النظام البحريني وإقناعه بالعدول عن تطبيق القانون الجديد الذي يتيح له معاقبة منتقدي الملك.

4- ينبه المركز، النظام البحريني إلى أن استمراره في نهج الإقصاء والتهميش ضد الشيعة البحرينيين لن يؤدي إلا إلى المزيد من المشاكل التي يمكن تجنبها بالحوار والتفهم لمطالب معارضيه.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964

هـ: عباس سرحان/7800005641+964

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/شباط/2014 - 12/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م