قيم التخلف: تعقيد الحياة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يقول العارفون المعنيون، أن الانماط الحياتية المعقدة، هي وليد دائم للافكار المعقدة، وأن التربية التي تفضّل المظهر على الجوهر، وتفضل الصورة على الحقيقة الملموسة، تنتج عنها حياة مركّبة وغامضة، لهذا يفشل النمط الحياتي المعقد في جلب السعادة للانسان، فردا كان أو جماعة، بل على العكس من ذلك تماما، لأن السعادة والهدوء والاستقرار، يكمن في المسار الحياتي البسيط، الواضح، والسهل، إذ يساعد على التفكير بوضوح، ويخلق حالة الاستقرار النفسي الكبير الذي يتوافر للانسان المحصّن من تعقيد الحياة.

من الملاحظ على مجتمعاتنا العربية والاسلامية، أنها في الغالب تلجأ الى سبل التعقيد، في انشطتها المختلفة، فتغدو الحياة نفسها معقدة في هذه الحالة، وما أصعب أن يعيش الانسان في حياة مشوشة غير واضحة!، إذ لا يتمكن من تحقيق التطور المطلوب في الفكر، او الهواية، او التصنيع، او في العمل عموما، حيث يقف منهج تعقيد الحياة، عقبة كأداء في طريقه، وهذه العقبة يُصعَب ازاحتها، كونها منهج تفكير راسخ لدى مجتمع برمته، إذ من النادر أن تجد إنسانا بسيطا، بأفكاره وأعماله، في وسط اجتماعي معقّد.

إننا بصريح العبارة نعقّد حياتنا، حيث العادات الصعبة والتصرفات المحبِطة، والشك المتزايد المتبادَل بين الافراد والجماعات، فثمة مثلا قضية الغلاء في المهور، إننا نلاحظ ما يدور من امور في هذه القضية المجتمعية الحساسة، والمستمرة على الدوام، فالتناسل اسلوب بشري لن يتوقف، والتزاوج حقيقة تفرض نفسها على الجميع، منذ نشأة البشرية، وطالما لا يوجد خلاص من ركن التزاوج الاجتماعي المستمر، فمن المهم بل واللازم، أن نجد السبل التي تبعد قضية الزواج برمتها عن التعقيد، وأول هذه الحلول، أن يكف أولياء الامور، لاسيما الامهات، عن المطالبة بالمهور العالية، والامتيازات الفخمة، فهي تدل على نمط او منهج حياتي معقّد تماما، لا يبحث عن جوهر الانسان، وقيمته الانسانية ومشاعره، لهذا لابد أن تتم معالجة قضية ارتفاع المهور، وكل خطوات التعقيد في قضية التزاوج، كونها ركنا اساسيا في تطور المجتمع وبنائه بالطريقة المثلى.

إننا في ظل مجتمعاتنا التقليدية، نعيش حياة صعبة جدا، حيث التركيز على التعقيد، كطريق نواصل فيه حياتنا العملية والفكرية، فالحقيقة الحاضرة، تؤكد تفشي التعقيد في جميع مفاصل حياتنا، فالسياسيون يعتمدون التعقيد في ادارتهم للبلاد، وفي تنافسهم الشديد على السلطة، والاقتصاد يعاني من التخطيط المعقد والمتباطئ، أما انجاز المعاملات الفردية، او التعاملات التي تخص الاستثمار وما شابه، فهي تعاني ايضا من التعقيد، وهكذا نلاحظ انتشار هذه القيمة المتخلفة، قيمة تعقيد الحياة في كل دقائق حياتنا، حتى السهلة والواضحة منها، والاسباب التي تقف وراء ذلك، واضحة جدا للمعنيين ولغيرهم.

الاسباب التي تدفع المجتمع صوب حياة التعقيد، هو اسلوب وضع المعرقلات المتبادَل بين الجميع، فعندما يتوجه احدنا لانجاز عمل معين، في دائرة حكومية معينة، سنجد حالة التعقيد حاضرة، حيث الخطوات الادارية الروتينية، البيروقراطية، الفائضة، الامر الذي يؤكد كم هي حياتنا العملية معقدة، إذ نجد مثل هذا السلوك الاداري المنافي للقانون والعرف، متفشٍ في معظم مؤسسات ومرافق ودوائر الحكومة، والسبب هو المجتمع نفسه، واعتماده قيمة تعقيد الحياة المتخلفة، وانتشارها في جميع المجالات.

لذا عندما نهدف الى حياة افضل، كدولة وحكومة ومجتمع يتطلع الى الافضل، ليس امامنا سوى نبذ هذه القيمة المتخلفة، وطردها خارج اسوار حياتنا كليّا، من خلال نشر المنهج الحياتي البسيط، الواضح، السهل، والعميق في الوقت نفسه، ويبدأ هذا من خلال اتخاذ التشريعات القانونية، التي تتعلق بالادارة وتنظيم الحياة عموما، على ان تكون البنود واضحة دقيقة وسهلة التنفيذ، وعندما نتحدث عن هذه القيمة المتخلفة، من حيث الجانب الاجتماعي، فإننا مطالبون أن نبدأ من المحيط العائلي، فهو الذي يزرع البساطة في شخصية الطفل، ليكبر معه هذا السلوك مع مرور الوقت.

ولا نعني هنا بالتعقيد مقارعة العمق، أو التعمّق في التعامل مع شؤون الحياة كافة، فالعمق لا يتعارض من السهولة، والبساطة لا تعني غياب الاتقان والجودة والارادة الفاعلة، بل على العكس من ذلك، لأن بساطة الحياة تعني وضوحها، دقتها، وسهولتها، مع توافر العمق الجوهري المطلوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/شباط/2014 - 11/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م