أخلاقيات التغيير.. العلم الذي ينير الحياة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل حركة تترك أثرا خلفها، وهو أثر يمتد من الخطوة الأولى حتى مداه في خطوته الأخيرة.. الفاصلة بين البدء والانتهاء، هي مقدار الفائدة المترتبة على تلك الحركة.

لكل عمل من اعمال الانسان في حياته بين الولادة والموت، أو بين وعي (الدور) في هذه الحياة والموت الذي يعقبه حساب لفعل الدور، ثوابا او عقابا، هي مقدار الفهم للدور الذي يقوم به الانسان، ورسالته التي يحملها، ومسؤوليته تجاه هذه الرسالة.

الرسالة والمسؤولية تقتضي العلم والمعرفة، ولا يتوقف العلم عند حدود المعلومة واكتسابها، ومثلها المعرفة لا تقف عند حدود الذات العارفة وحدها، انهما يمتدان الى الاخرين توصيلا وارتقاءا لهم..

ذلك العلم، وتندرج تحته توصيفات متعددة وواسعة، هو (العلم النافع) الذي افرد له المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، لتعريفه وتوضيح لوازمه ومقتضياته كتابا حمل تسمية (العلم النافع سبيل النجاة) وهو يعرفه من خلال قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (ذلك النور الذي يقذفه الله في قلب مَن يشاء).

وهذا النور هو انعكاس للضوء الإلهي، ويكون مستقره في قلب العالم – العامل بما علمه..

وهو ما يوجه اليه السيد المرجع بقوله: (ينبغي لأهل العلم أن يعرفوا أنّ الدراسة شيء والعلم الذي يبتغيه الله تعالى شيء آخر، فإنّ الدراسة مهما كانت واسعة وعميقة ومستوعبة فإنّها تصلح بحدّ ذاتها أن تكون مقدّمة للعلم فقط. أمّا العلم الذي يريده الله وتواترت الأحاديث الشريفة في فضله، فهو ذلك النور الذي يقذفه الله في قلب مَن يشاء؛ والله تعالى يقول: (وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ).

النافذة لدخول هذا النور هي أن (يلتزم الإنسان بما عَلِمه جيّداً) والعمل به ومن خلاله الطريق المشرع للمرور عبر تلك النافذة.. (من عمل بما يعلم ورّثه الله علم ما لا يعلم).

وثمة اقتران شرطي اخر بمقتضاه يتحقق للعلم نوره المتحصل، وهو ما يمكن تسميته بالفضائل او اخلاق العلم والتعلم، فالعلم، (لا يأتي مع كثرة الدراسة ولا بكثرة التعلّم بقدر ما يأتي مع التحلّي بالفضائل والعمل بمقتضاها).

اليس ذلك هو مقتضى العلم الحقيقي والنافع؟

يضيف السيد صادق الشيرازي، بعدا اخر لمفهوم العلم وحملته، وهو بعد نفسي يبتلي به الكثير من المتعلمين او العلماء، وهو الغرور، نتيجة لكثرة المعلومات او المعرفة التي يتحصل عليها المتعلم او العالم، بعد سنوات طويلة من الجهود الدؤوبة للتحصيل العلمي، لكن (الغرور ونور العلم لا يجتمعان، فلنحارب الغرور في أنفسنا ونتواضع لله سبحانه) على حد تعبير السيد المرجع.

الغرور لا نفع فيه ولا انتفاع منه، وهو ليس من رسالة المتعلم والعالم في تحصيل العلم، وبالتالي فالعلم النافع (هو العلم الذي ينتفع منه طالبه كما ينتفع منه غيره، في الدنيا والآخرة).

و(المطلوب أن لا يستعظم الإنسان نفسه إذا ازداد علماً، بل عليه أن لا يجد فرقاً بين اليوم الذي كان يدرس فيه كتب المقدّمات واليوم الذي أصبح فيه مرجعاً للتقليد أو مدرّساً كبيراً في الحوزة العلمية أو غير ذلك).

يحدد السيد صادق الشيرازي، بندان لدخول النور الإلهي في قلب المتعلم عبر النافذة المفتوحة للدخول من خلالها، وهما

(البند الأوّل: العلم)، من خلال نفعه للآخرين وعدم اقتصاره على تحصيل المعلومات واكتنازها للتباهي بها أمام الاخرين الذين هم احوج لجعلها مؤثرة في واقعهم الذي يريدون تغييره.

(البند الثاني: الصدق مع الله، المتمثّل بصدق الفطرة وصدق الوجدان وصدق القلب وصدق النية)، وهي الزوايا الأربع للصدق الأكبر الصاعد نحو الله سبحانه وتعالى، وهو ما يمكن جمعه تحت كلمة واحدة هي (الإخلاص)، الذي يشترط  (أن يطبّق الإنسان علمه على نفسه متحرّياً الإخلاص في كلّ حال وأن لا يكون همّه الناس وما سوى الله).

ما هو النقيض لعدم تحصيل النور في قلب المتعلم والعالم؟.

انه سلب العلم نفسه، حتى لا يعود علما، بل مجرد معلومات متحصلة خالية من النفع الا لصاحبها ارضاءا لغروره..

يصف المرجع الشيرازي ذلك بقوله: (إنّ التحصيل العلمي مقدّمة لحصول الإنسان على مطلق العلم. أمّا ذلك النور نفسه ـ وهو ما تريده الأحاديث الشريفة فهو شيء آخر، وهو من قبيل ما يدرَك ولا يوصف. ربّما كان هناك شخص عنده معلومات كثيرة جداً ولا يعدّ عند الله عالماً، وذلك بسبب ما ركبه من هوى نفسه فاستلبه كلّ علمه، فلم يعد يشعر به، فكان من الغاوين).

وهو يبقى أيضا مجرد قدرة وإمكانية مثل أي قدرة أخرى يتحصل عليها الانسان فاقدا لروحها وجوهرها، مثل المال والسلطة، بمعانيها المتجردة من أي قيمة تخدم الاخرين وتقدم النفع لهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/شباط/2014 - 11/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م