العنف الداعشي.. بوصلة إرهاب تستبيح الدماء

 

شبكة النبأ: مازالت معدلات العنف تتصاعد بوتيرة تعيد الى الاذهان التدهور الأمني للأعوام السابقة، وقد شكل التهديد المتنامي للعمليات الأخيرة لتنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" الحدث الأبرز للساحة العراقية، وجاء متناغماً مع العمليات الواسعة التي قام بها الجيش العراقي لاستهداف مقاتلي داعش في محافظة الانبار، إضافة الى الاستعدادات الكبيرة التي تجري لاقتحام مدينة الفلوجة.

وقد اكدت مصادر حكومية مطلعة ان تلك العمليات العنيفة والمتطرفة والتي راح ضحيتها الالاف من المدنيين، إضافة الى الموظفين ومن يعمل في السلك الأمني من جيش وشرطة، انما جاءت كرد فعل من قبل التنظيمات الإرهابية على الضربات القوية التي وجهتها القوات الأمنية لتلك التنظيمات، فيما أشار محللون الى ان تنظيم داعش يحاول الضغط على الحكومة من خلال التصعيد باستهداف المدنيين، في محاولة للتخفيف من الحصار والعمليات الأمنية التي تجري في الانبار.

ومع التأييد الواسع الذي حظيت به هذه الحملة الأمنية دولياً ومحلياً، الا ان الأرقام المخيفة للتفجيرات التي طالت المدنيين زادت من المخاوف الأمنية للمواطنين، خصوصاً في العاصمة العراقية بغداد التي تستأثر بنصيب الأسد من اعمال العنف.

في سياق متصل حمل برلمانيون اميركيون بعنف على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بسبب البطء في المصالحة السياسية وعلاقاته مع إيران، معتبرين ان ذلك يغذي موجة التفجيرات الانتحارية في البلاد، وعقد اعضاء في مجلس النواب اجتماعا خصص لمناقشة تهديد تنظيم القاعدة في العراق، بعد سلسلة تفجيرات ادت الى مقتل 33 شخصا.

وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ايد رويس ان مسلحي الدولة الاسلامية في العراق والشام يشنون حاليا اربعين هجوما في المعدل شهريا في اسوأ موجة عنف يشهدها العراق منذ انسحاب القوات الاميركية في 2011، واكد رويس "بصفته رئيس دولة، يجب ان يتحرك المالكي لنقل العراق الى مرحلة ما بعد الطائفية، مع انه قد لا يكون قادرا على القيام بذلك"، بينما يستعد العراق للانتخابات في نيسان/ابريل المقبل.

واضاف ان الناشطين يستفيدون من "استبعاد" السنة من الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والتي تقيم علاقات وثيقة مع قادة إيران الشيعة، وتابع ان تنظيم "القاعدة أصبح بارعا جدا في استغلال الانقسام الطائفي وتمسك المالكي بالسلطة عزز موقفهم".

لكن وفي خطاب حماسي ينم عن غضب، تساءلت النائبة الجمهورية دانا روراباشر عن سبب استمرار تورط الولايات المتحدة التي تمد العراق بالمروحيات والطائرات بدون طيار للمساعدة في مكافحة هؤلاء الناشطين، في هذا البلد، وقالت روراباشر "لماذا نشعر باننا مضطرون للانغماس في معركة بين اناس يقتلون بعضهم بعضا"، بعد عامين من الانسحاب العسكري الاميركي الكامل من العراق.

واضافت ان "الاف الاشخاص يموتون في هذا الجنون، لماذا تفكر الولايات المتحدة انها ملزمة بان تكون جزءا من هذا الوضع الجنوني؟"، وتابعت النائبة الجمهورية "لماذا لا نتركهم يقتلون بعضهم بعضا، لقد قدمنا لهم ما يكفي"، ووافق نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون العراق بريت ماكغورك على هذا الرأي، وقال ان "ظاهرة التفجير الانتحاري هي جنون مطبق".

لكنه شدد على ان كل الانتحاريين تقريبا هم "مقاتلون اجانب يدخلون العراق عبر سوريا"، واضاف ان "رسالتنا الى كل القادة العراقيين واضحة: على الرغم من خلافاتكم بشأن عدد كبير من القضايا، عليكم ايجاد طريق للعمل معا عندما يتعلق الامر بالدولة الاسلامية في العراق والشام التنظيم الذي يهدد كل العراقيين".

ودعا المالكي الى "اتخاذ اجراءات اضافية للتواصل مع القادة السنة وجذب عدد كبير من العراقيين للقتال"، ضد القاعدة، واكد ماكغورك "في العراق، شئتم ام ابيتم، النفط والقاعدة وايران والمصالح الحيوية للولايات المتحدة على المحك".

وللولايات المتحدة التي غزت العراق في 2003 للإطاحة بنظام صدام حسين، مصالح استراتيجية في حماية العراق، وقدمت واشنطن النصح للقادة العسكريين العراقيين وخصوصا من اجل استعادة مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها مقاتلو الدولة الاسلامية في العراق والشام.

وقال ماكغورك ان "الخطة تقضي بان تكون العشائر على الجبهة مع الجيش ليدعمها لان الدولة الاسلامية في العراق والشام هي جيش، انهم يملكون اسلحة ثقيلة ولديهم رشاشات من عيار 50 ملم وهم مدربون بشكل جيد جدا ومحصنون بشكل جيد جدا"، وتابع ان الولايات المتحدة سرعت تسليم اسلحة الى العراق بإرسالها 75 صاروخ هيلفاير في كانون الاول/ديسمبر وابلاغ الكونغرس بإرسال 500 صاروخ آخر. بحسب فرانس برس.

وسيتم تسليم آليات سكان ايغل في الربيع و48 آلية اخرى ريفن يو ايه في في وقت لاحق هذا العام، واكد ماكغورك الخبير في السياسة الاميركية في العراق، ان المالكي "أحدث تغييرات كبيرة ومهمة" خصوصا في محاولة مصالحة السنة والشيعة منذ ان تلقى "رسالة مباشرة جدا" خلال لقائه الذي استغرق ساعتين مع الرئيس باراك اوباما في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وانتقد البرلمانيون المالكي ايضا خلال جلسة استماع فيما يتعلق بهجمات وقعت مؤخرا على معسكر لمعارضين ايرانيين قتل فيها عشرات، وقالت روراباشر "انها جريمة ضد الإنسانية، هؤلاء هم لاجئون عزل تقوم قوات المالكي بقتلهم".

من جهة اخرى، قال مسؤولون اميركيون ان الولايات المتحدة تنوي ارسال خبراء الى العراق لمساعدة هذا البلد في حفظ أمن منشآته النفطية التي تشكل عائداتها 95% من ايرادات الخزينة، ويأتي هذا الاعلان في الوقت الذي تسعى فيه بغداد الى زيادة صادراتها النفطية لتمويل اعادة اعمار بلد يغرق يوما تلو الاخر في دوامة العنف وتستهدف منشآته وانابيبه النفطية بهجمات ولا سيما تلك الواقعة في الشمال.

وفي آخر هذه الاعتداءات تعرض انبوب ينقل النفط المكرر من بيجي الى بغداد للقصف مما ادى الى توقف ضخ النفط فيه، وقالت "اللجنة التنسيقية المشتركة للطاقة بين العراق والولايات المتحدة" في بيان في ختام اجتماع في بغداد ان "العراق والولايات المتحدة شرعا في التعاون في مجال جديد هام من خلال استخدام خبراء من وزارتي الطاقة والخارجية الأميركيتين للعمل مع العراق لرسم خطة لحماية البنى التحتية للطاقة في العراق من الهجمات الإرهابية والكوارث الطبيعية".

واوضح نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، الذي ترأس الاجتماع عن الجانب العراقي، ان هذا الدعم لا يعني باي حال من الاحوال نشر قوات اجنبية على الاراضي العراقية بل هو تعاون يتناول حصرا ميادين الدراسات والتجهيزات، واضاف ان حماية المنشآت النفطية من مسؤولية السلطات العراقية وسيتم ذلك من دون اي دعم من قوات اجنبية.

وتراجعت صادرات النفط العراقية في 2013 على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها السلطات لزيادة انتاجها النفطي من اجل تمويل عملية اعادة اعمار البلد، وفي 2013 بلغ اجمالي صادرات النفط العراقي 872,3 مليون برميل (ما معدله 2,39 مليون برميل يوميا) مقابل 886,9 مليون برميل في العام 2012، بحسب ارقام نشرتها وزارة النفط، وتراجعت الايرادات النفطية في 2013 الى 89,22 مليار دولار اي بنسبة 5% عما كانت عليه في 2012 (94,02 مليار دولار).

ارتفاع معدلات العنف

فيما قتل أكثر من ألف شخص في العراق في شهر كانون الثاني/يناير، وهو أكثر شهر دام منذ نيسان/ابريل 2008، بحسب ارقام رسمية نشرت مؤخراً، ودلت بيانات جمعتها وزارات الصحة والداخلية والدفاع ان 1013 شخصا، منهم 795 مدنيا و122 جنديا و96 شرطيا، قتلوا نتيجة العنف، وهذه الحصيلة أكبر بثلاثة اضعاف من تلك المسجلة في الفترة نفسها قبل عام.

واستهدفت الهجمات بالأسلحة النارية بشكل اساسي قوى الامن وموظفين فيما طالت العبوات مناطق شيعية وسنية ذات كثافة سكانية على غرار الاسواق او الشوارع المكتظة والمقاهي، وفي نيسان 2008 قتل 1073 شخصا في مختلف انحاء البلاد الخارجة لتوها وقتذاك من نزاع طائفي دام تلى الاجتياح الاميركي عام 2003.

كما تفوق الحصيلة الرسمية حصيلة وضعتها فرانس برس وبلغت 992 قتيلا استندت الى مصادر طبية وامنية، واظهرت الارقام كذلك ان 2024 شخصا اصيبوا بجروح من بينهم 1633 مدنيا و238 جنديا و153 رجل شرطة، وقتلت قوات الامن 189 مسلحا واعتقلت 458 اخرين، وتعكس هذه الحصيلة دوامة العنف التي يغرق فيها العراق يوميا، حيث سقطت قبل اسابيع مدينتان في ايدي متمردين مسلحين بعضهم مرتبط بالقاعدة.

وافادت الامم المتحدة ان اكثر من 140 الف شخص فروا من المعارك بين المتمردين وقوى الامن في تلك القرى ومحيطها في محافظة الانبار ذات الاكثرية السنية المتاخمة لسوريا، حيث اسهمت الحرب الجارية في اعادة بروز القاعدة في العراق، وهذه اكبر موجة نزوح سكاني في خمس سنوات في البلاد.

وازاء هذا الوضع دعت السلطات السكان الى "اتخاذ موقف" ضد المتمردين ونشرت للمرة الاولى صورة اكدت انها تعود الى ابو بكر البغدادي قائد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش، مرتبط بالقاعدة) وطلبت من السكان توفير "اي معلومة" تؤدي الى "القبض على هذا المجرم"، لكن محللين يرون ان شعور النفور لدى الطائفة السنية في العراق حيال سلطات شيعية تعتبر انها تهمشها لا يسهم كثيرا في التعاون.

واعتبروا انه على الحكومة ان تأخذ هذا الشعور في الاعتبار لمحاولة الحد من العنف، لكن انتخابات نيسان/ابريل التشريعية تقترب ويخشى ان يلعب كل طرف الورقة الطائفية بشكل خاص. بحسب فرانس برس.

من جهتها قالت وزارة الدفاع العراقية ان قواتها ورجال عشائر متحالفين معها قتلوا 57 مسلحا اسلاميا في محافظة الانبار قبيل هجوم محتمل على مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها المسلحون السنة، ولا يوجد تأكيد من جهة مستقلة لعدد القتلى في صفوف المسلحين الذين يقال انهم اعضاء بالدولة الاسلامية في العراق والشام وهي جماعة جهادية تقاتل في سوريا ايضا.

واجتاح مقاتلون من الدولة الاسلامية في العراق والشام وجماعات سنية اخرى الفلوجة واجزاء من مدينة الرمادي القريبة في محافظة الانبار في اول يناير كانون الثاني في تحرك مناهض للحكومة التي تقودها الشيعة، وقالت وزارة الدفاع ان اغلب المسلحين السبعة والخمسين قتلوا على مشارف الرمادي دون اعطاء الكثير من التفاصيل.

وامتنع نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عن شن هجوم شامل على الفلوجة لإتاحة الوقت للتوصل الى مخرج من الازمة عن طريق التفاوض لكن جهود الوساطة فشلت فيما يبدو، وطلب المالكي من المجتمع الدولي الدعم والسلاح لقتال القاعدة غير ان منتقدين يقولون ان سياساته تجاه الطائفة السنية التي كانت مهيمنة على العراق في وقت من الاوقات مسؤولة جزئيا على الاقل عن احياء التوتر الطائفي الذي بلغ ذروته عامي 2006 و2007.

وقالت الامم المتحدة ان العام الماضي كان أكثر الأعوام دموية منذ 2008 وقال مشروع (ضحايا حرب العراق) الذي يحصي عدد القتلى هناك ان أكثر من الف شخص قتلوا في يناير كانون الثاني، وعلى صعيد أعمال العنف التي وقعت مؤخراً قالت الشرطة إن أربع سيارات ملغومة استهدفت مناطق شيعية فقتلت ما لا يقل عن 14 شخصا، وانفجرت قنبلتان في بلدة المحمودية على بعد نحو 30 كيلومترا جنوبي بغداد مما ادى الى مقتل ثمانية اشخاص، ووقع انفجاران آخران في العاصمة.

وفي اطار منفصل قالت الشرطة انها عثرت على اربع جثث احداها لامرأة وجميعها مصاب بطلق ناري في الرأس والصدر في جنوب غرب بغداد، وقال مصدر عسكري ان جنديين قتلا في اشتباكات مع مسلحين في بعقوبة على بعد 65 كيلومترا شمال شرقي بغداد.

ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات لكن كثيرا ما يكون الشيعة أهدافا لمسلحين سنة يستعيدون قوتهم حاليا خاصة في الانبار على الحدود مع سوريا، وقالت القاعدة إن التنظيم لا تربطه علاقة بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام في محاولة على ما يبدو لتأكيد سلطته على جماعات إسلامية متشددة مشاركة في الحرب الأهلية في سوريا.

كما اعلنت مصادر امنية عراقية مقتل اكثر من اربعين "ارهابيا" من تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) في عمليات نفذتها القوات العراقية خلال الساعات الماضية في محافظة الانبار (غرب) حيث تستعيد سيطرتها تدريجيا.

ونقل بيان رسمي لوزارة الدفاع عن المتحدث باسم الوزارة اللواء محمد العسكري، ان "وحدات عسكرية تمكنت بمساندة طيران الجيش من تدمير مواقع واوكار لتنظيمات داعش الارهابية في منطقة عامرية الفلوجة وتقاطع السلام"، واكد العسكري "مقتل اربعين ارهابيا وحرق 15 عجلة محملة بالأعتدة والاسلحة وتدمير اربعة مقرات للقيادة والسيطرة" تابعة للتنظيم.

وشهدت مدينة الرمادي كبرى مدن محافظة الانبار (100 كلم غرب بغداد) مؤخراً اشتباكات بين القوات العراقية ومسلحون من تنظيم داعش في مناطق الملعب والضباط، كلاهما وسط المدينة، وفقا لضابط برتبة مقدم في الشرطة، واكد الضابط "قتلنا اثنين وجرح اخر من تنظيم داعش كما اعتقلنا عنصرا اخر منهم"، واضاف "تمكنا من استعادة السيطرة على اجزاء من هذه المناطق وطرد الارهابيين منها".

وفي منطقة الخالدية شرق الرمادي، تواصل قوات عراقية اخرى ملاحقة مسلحين منذ عدة أيام، وقال احد قادة الصحوات في الخالدية جبار الملا خضر ان "قواتنا تحاصر منطقة جزيرة الخالدية حيث يختبئ حوالى 250 من بقايا فلول القاعدة"، واوضح ان "العملية تنفذ بتواصل مع الحذر لتجنب وقوع ضحايا من المدنيين".

في غضون ذلك، قال ضابط في الجيش برتبة رائد ان "جنديين قتلا واصيب ستة من عناصر الامن، هم جنديان واربعة من الصحوة، بجروح في انفجار سيارة مفخخة"، واضاف ان "الانفجار استهدف نقطة تفتيش مشتركة، للجيش والصحوة، على جسر حديدة عند قرية البونمر (60 كلم غرب الرمادي)"، واكد ضابط في الشرطة برتبة ملازم اول انهيار الجسر بشكل كامل أثر الانفجار، بدوره، أكد طبيب في مستشفى هيت حصيلة الضحايا.

وما زالت بعض مناطق محافظة الانبار أبرزها الفلوجة واحياء في مدينة الرمادي، تحت سيطرة مسلحين من تنظيم داعش، وفقا لمصادر امنية ومحلية، وهي المرة الاولى التي يسيطر فيها مسلحون على مدن كبرى منذ اندلاع موجة العنف الدموية التي تلت الاجتياح الاميركي العام 2003.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/شباط/2014 - 10/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م