التعيينات الانتخابية تقتل الأمن في العراق

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: بلغ التدني في فهم الحياة الديمقراطية لدى البعض في العراق، الى أن يربط بين نجاح المرشح في الانتخابات البرلمانية او المحلية، وبين قدرته على توزيع التعيينات لمن نصره وآزره عند صناديق الاقتراع، وعندما يكون المعيار لهذا النوع من التعيين هو المجاملة والمحسوبية، فبالقطع تغيب الكفاءة والنزاهة والأمانة، ثم يفسح المجال امام انتشار الفساد الإداري وما يعقبه من تداعيات اجتماعية واقتصادية وحتى نفسية معروفة للجميع.

والمسألة تهون – الى حدٍ ما- في الدوائر الخدمية، بيد أن الخطورة تكمن في الدوائر الامنية حيث مصائر الناس على كف رجل الأمن، ابتداءً من الشرطي حامل جهاز السونار، ومن يقوم بالتفتيش في المناطق العامة، ومروراً بأفراد الشرطة والأمن في كافة المراتب والمهام، وحتى القادة الامنيين.

فمن المفترض، بل والأمل المنشود لدى العراقيين، أن تكون مفردة "الأمن" ذات طابع مقدس في الحياة العامة، ولها ابعاد واسعة وشاملة، تتجاوز المصالح السياسية وحتى الادارية. ويكون رجل الأمن حاملاً لهمّ واحد، وهو توفير الامن والاستقرار للمواطنين، بغض النظر عن انتمائهم وتوجهاتهم، حتى وإن كانت شريحة معينة – مثلاً- معروفة بمعارضة النظام الحاكم وتسكن في منطقة معينة، هي ايضاً تستحق الحماية وكافة الاجراءات الامنية. بمعنى ان تكون هنالك عقيدة راسخة وواضحة للأمن والمخابرات في الوقت ذاته، تنصّ على الاولوية للإنسان الفرد والمجتمع، كما هو في الدول المتقدمة.

من هنا نجد في الدول الديمقراطية، أن المنتسبين الى الدوائر الامنية مستثنون من المشاركة في الانتخابات لضمان ابتعادهم عن المؤثرات الحزبية والفئوية والأثنية، والتمحور حول رمز محدد في الدولة، كأن يكون "الوطن" أن "التاج" او غير ذلك.. لذا نحن نسمع كل شيء في الغرب، من قصور في بعض الأداء الأمني أو مشاكل تقنية او فنية او نقص المعلومات، إلا الخروقات الامنية، فلا مجال لها في المؤسسات والدوائر الامنية هناك. وربما يكون نادراً تمكّن شخص او جماعة من اختراق بناية او منطقة مأمنة، وتنفيذ عمليات ارهابية بسهولة، كالذي يحصل عندنا يومياً مع وجود الكم الهائل من افراد الشرطة والاجهزة الامنية والمعدات المكلفة.

وظاهرة الخروقات الامنية، خرجت عن كونها سقطة أمنية خطيرة، او موقف محرج للمسؤول الامني، إنما اضحت اليوم حديث الشارع العراقي، فبعد أي انفجار سيارة مفخخة يتطلع الناس نحو نقاط التفتيش والدوريات والاجراءات الامنية، وهم يلملمون جراحاتهم وشهدائهم. يكفي أن نعرف أن عملية الانتساب الى الاجهزة الامنية كان عبر الطريقة التقليدية والورقية، حتى جاء عام 2012 ودعا فيه النائب عباس البياتي عضو لجنة الامن والدفاع، الحكومة لأن تعتمد الطريقة الالكترونية (الانترنت) في استقبال المتطوعين، ثم اعترف ضمناً بوجود حالات ارتشاء خلال السنوات الماضية، حيث حذر في تصريح له الوزارات الامنية من تعيين أي كان بمبالغ مالية او هدايا، او "بأي طرق غير شفافة وشرعية".

هذه الدعوة او المحاولة من النائب ومحاولات اخرى مماثلة، ربما ترمي الى تحصين المؤسسة الامنية وتقويتها امام الخروقات، بيد انها لا تصمد امام واقع مرير، ربما ليس في جميع انحاء العراق، انما في مناطق معينة، تكون فيها القدسية والولاء للطائفة والحزب وليس للوطن والمواطن، بحيث يؤدي الامر الى حصول حالات تجاهل للأوامر العسكرية في حال تصعيد الوضع الامني والسياسي في المناطق التي ينتمي اليها المنتسبون، كما أكدت مصادر امنية في بغداد وجود حالات فساد مالي في بعض الفرق والألوية العسكرية المكلفة حفظ الامن والاستقرار في بعض المحافظات لاسيما المحافظات الغربية، وحسب هذه المصادر فان هنالك ارقام هائلة لمنتسبين وهميين في الشرطة والجيش، يُحسب لهم مرتب شهري يذهب الى جيوب الضباط الكبار، وقد بلغ الرقم العام الماضي (100) ألف جندي وشرطي مسجلين فعليا في وزاراتهم من دون اي تواجد فعلي لهم على ارض الواقع.

مع وجود هكذا قاعدة أمنية، من الطبيعي ان نشهد استمرار نجاح الجماعات الارهابية في تنفيذ عملياتها الاجرامية وسفك دماء الابرياء لاسيما في العاصمة بغداد وسائر المحافظات، وليس أدلّ على ذلك تنفيذ عمليات نوعية مثل اقتحام دائرة حكومية تابعة لوزارة النقل وسط بغداد واحتجاز العاملين فيها، او تفجير سيارات مفخخة في مناطق تعد محظورة وممنوعة.

نعم؛ هنالك حالات ربما نعدها خاصة جسّدت التضحية والفداء من اجل الحفاظ على سلامة المواطنين، كان ابطالها منتسبين في الشرطة، حيث بادر عدد من هؤلاء بإلقاء انفسهم على الانتحاريين قبل ان يتمكنوا من تفجير انفسهم وسط جموع الناس، بيد أن هذه الحالة لم تتحول الى ثقافة عامة لدى الشرطة والقوى الامنية المتعددة، وإلا لكانت ارقام العمليات الإرهابية اليوم أقل بكثير مما موجود، فمهما تكون التقاطعات والنزاعات السياسية بين الكيانات والاشخاص، فان ثقافة التضحية من اجل المصلحة العامة، تكون جداراً أمام الارهابيين ومن يروم زعزعة الامن والاستقرار في العراق.

هذه مبادرات فردية، تبقى مسؤولية الدولة ومؤسساتها الامنية والعسكرية وقدراتها الهائلة في إعطاء الأولوية للأمن العام، وليس الأمن لمنطقة معينة او لجماعة او لفترة معينة، إنما الأمن للجميع وكل زمان ومكان، وهذا يحتاج – كما اسلفنا- الى تحديد العقيدة وبلورتها ليتمحور رجال الامن جميعاً حولها وليس حول غيرها. وهذا بدوره يجعل افراد المجتمع بمن فيهم المنتسبين في الاجهزة الامنية، امام مسؤولية اخلاقية وقانونية في وقت واحد، يعرف من خلالها أي فرد، بأن خرق أمني في مكان او شبر في بلده، بمنزلة الخرق الأمني الذي يكون عند جدار بيته وبالقرب من عائلته واطفاله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/شباط/2014 - 10/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م