تأزيم أجواء الانتخابات ومعادلة الأقوى

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ما تزال السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة تعترض الطريق نحو تحقيق الجماهير العراقية طموحها في المشاركة السياسية والتأثير في القرار بل وتقرير مصيرها بنفسها، في وقت تشهد الساحة العراقية جهوداً سياسية وتحركات عسكرية في خطٍ متوازٍ لمحاصرة مصدر العنف والدموية المتمثل في تنظيم "داعش" وإخماد نار فتنته في معقله الاخير – كما يبدو- وهي مدينة الفلوجة.

ففي الاونة الاخيرة شهدت العاصمة بغداد اعتداءات ارهابية نوعية باستهداف "المنطقة الخضراء"، وعند مدخل وزارة الخارجية، بتفجيرين انتحاريين وسيارة مفخخة، راح ضحيته عشرون شهيداً فيما اصيب (28) شخصاً بجروح.

أما في الشارع البغدادي الذي يكاد يألف الانفجارات وانهيار المباني وسقوط القتلى يومياً، فقد شهد سلسلة انفجارات بسيارات ملغومة، فقد انفجرت ثماني سيارات في مناطق الشعب والعبيدي وجميلة شرق العاصمة، والحرية وجكوك - شمال غرب- اضافة الى منطقة كمب سارة والكرادة وسط العاصمة، والحصيلة الاولية؛ (10) شهداء وإصابة نحو (40) آخرين بجروح.

وهذا ليس كل شيء، فان مناطق متعددة في العراق تشهد نشاطاً ارهابياً مكثفاً لكن بالمقابل هنالك جهوداً أمنية أكثر كثافة من السلطات الامنية لمواجهة هذا التحدي الكبير، حيث تعلن المصادر الامنية بين فترة واخرى عن إحباط محاولات تفجير سيارات مفخخة او أحزمة ناسفة.

بعض المراقبين لاحظوا تلازماً بين الهدوء العسكري في جبهة المواجهة المتمثلة بالفلوجة، وتقوية دور العشائر والخيار السياسي لإنهاء الأزمة، وبين انخفاض معدل العمليات الإرهابية في بغداد وسائر مناطق العراق، كما لاحظوا الحالة المعاكسة، حيث التصعيد العسكري والتهديد باقتحام المدينة والقضاء على الإرهابيين، يسفر عن ردود فعل عنيفة ودموية من جانب الجماعات الارهابية التي تتنفس دخان الانفجارات وتتكلم لغة الموت.

وعندما تكون الكيانات السياسية في حالة استعداد لخوض الانتخابات البرلمانية المزمع اجراؤها في نهاية نيسان القادم، فان الخاسر الوحيد سيكون في الساحة هم الجماعات الارهابية التي تختفي باسماء متعددة، وجاء تنظيم "داعش" ليكون الواجهة الميدانية، وبما انه طبع بطابع "خارجي " وليس "داخلي – عراقي" فان الاوساط الاعلامية والسياسية في العراق تحاول ان تختزل العنف والارهاب وبشكل عام المشكلة في المنطقة الغربية في هذا التنظيم الذي نقل عشرات المقاتلين ومن جنسيات مختلفة، من ساحة الحرب السورية، الى مدينة الفلوجة.

هذه المحاولة يرى فيها المراقبون خطوة ضمن الاستحقاق الانتخابي القادم، حيث يفترض ان تكون جميع مناطق البلاد مهيئة لاستقبال الدورة الثالثة لانتخابات مجلس النواب، بما فيها محافظة الانبار وسائر المحافظات التي تشهد توترات أمنية ونشاط ارهابي، مثل الموصل وديالى وصلاح الدين. مع العلم إن الكيانات السياسية في هذه المحافظات الاربع تستعد هي الاخرى لخوض الانتخابات وعدم التخلف عن المسيرة الديمقراطية في العراق، مهما كانت الظروف، فقد جربت عدة مرات ربط نفسها بخيار المعارضة العنيفة والمسلحة، فلم تجني سوى الدم الذي تلطخ بيدها ووصمة الارهاب والعنف الطائفي على جبينها، لذا نجدها تحثّ الخطى وتلملم اطرافها الجماهيرية والسياسية للدخول بقوة في هذه الانتخابات، والاهم من ذلك التأكيد على مسألة الموعد المحدد وعدم التأجيل، لأن عدم اجراء الانتخابات في موعدها المقرر سيلحق ضرراً أكبر بهذه الكيانات التي تعد جماهيرها الخارجة للتو مما كان يسمى بـ "ساحات الاعتصام"، وحتى تخلّي البعض عن اللثام وحمل السلاح، بمنجزات ومكاسب سياسية يحصلون عليها بعد الانتخابات وتقوية موقعهم في البرلمان والحكومة، أفضل مما كانوا يطلبونها من الحكومة خلال الفترة الماضية.

بالمقابل يرى مراقبون آخرون، إن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، يمثل نجاحاً للحكومة الحالية وايضاً للعملية السياسية برمتها، الامر الذي يدفع جهات إقليمية فاعلة، وتحديداً السعودية وقطر لأن تبقي على إثارة الفتن الطائفية في المنطقة الغربية، والإبقاء على المطالب التعجيزية الخارجة عن ارادة الحكومة مثل إلغاء قانون المسائلة والعدالة، وايضاً حذف المادة (4) ارهاب، وغيرها ، وهذا ما يشعر بعض الجهات النفعية في هذه المناطق وغيرها، بالقوة والمنعة والتفكير باستثمار الاجواء المتأزمة لمزيد من المكاسب السياسية، حتى فكرة تأجيل الانتخابات، التي تُعد حالياً تهديداً للعملية السياسية والقائمين عليها، وهذا التهديد يمثل اليوم سلاحاً بيد هذه الجهات والادوات الارهابية المنفذة على الارض، للحصول على مواقع متميزة وجديدة في الدولة العراقية اكثر مما حصلوه في وقت سابق، وبكلمة للمشاركة الاكثر واقعية في صنع القرار.

بيد ان تكريس هذا المبدأ في الساحة بحد ذاتها من شأنه تغييب لغة الحوار والسلم، ويعطي تبريراً للجميع بأن يلجأوا الى العنف والقسوة لانهاء الازمة، فاذا كان اللغة عند البعض في المنقطة الغربية هي "القوة" واتخاذ مدينة الفلوجة ورقة يعتقدون انها رابحة للمساومة، فان لدى الحكومة في بغداد "الأقوى" من الاوراق تحركها باتجاه الفوز على الطرف المقابل، فالى جانب الحل العسكري باقتحام المدينة وتصفية اوكار الارهابيين فيها وكذلك في سائر المناطق في العراق، هنالك الورقة السياسية، حيث ان تأجيل الانتخابات بداعي الوضع الامني، لن يضر حكومة نوري المالكي بشيء كثير، فهي تبقى ربما لسنة أخرى بصفة حكومة تصريف اعمال، لحين اجراء الانتخابات القادمة، وهو ما يكرس التصور الذي يروج له البعض بانه الرجل الأقوى والأكفأ للمرحلة الراهنة. وهنا لن تكون الفلوجة وحدها عاملاً لهذا التكريس، إنما مجمل العمليات الارهابية التي تشهدها العاصمة بغداد وسائر المناطق في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/شباط/2014 - 9/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م