الإدارة الناجحة علم وفن

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: في كتابه القيَّم، الموسوم بـ (الفقه: الادارة ج1)، يفصِّل لنا الامام الراحل، آية العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، عملية الادارة الناجحة، باسلوبه الواضح والسهل العميق، حتى يكون بمقدور الموظفين الاداريين بمستوياتهم كافة، لاسيما رؤساء الوحدات الادارية، أن يحققوا النجاح في ادارتهم لدوائرهم أو منظماتهم، إنطلاقا من كون الادارة (علم) يتم تحويله الى واقع ومنتَج ملموس، من خلال (فن) الادارة الناجحة.

وبذلك سوف يكتشف الموظف الاداري الناجح، من خلال المران والمراس والخبرة التي يكتسبها في المجالين النظري والعملي، أن الادارة لا يمكن أن تتم بصورة عشوائية، بل لابد أن تخضع الى معرفة علمية متخصصة، يحصل عليها الموظف الاداري من خلال اطلاعه على التجارب الادارية العالمية، بصورة علمية، عبر الدراسة التخصصية، فضلا عن دخوله الدورات المحلية والخارجية المتخصصة في تطوير العمل الاداري كعلم، على أن يقترن هذا النشاط العملي بالسبل والطرائق الادارية (الفنية)، القائمة على التميّز والابتكار، وليس القائمة على التقليد والجمود.

فالادارة تخضع لمعايير التطور، حالها حال العلوم والمجالات الانتاجية المتنوعة، ولابد أن تستثمر القفزات الكبيرة التي تم تحقيقها عالميا، في مجال علم الادارة، من اجل تحقيق الافضل، والاكثر جودة واتقانا، وهو هدف دائم، يسعى إليه المدير الاداري المتميز.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه، على أن: (الإدارة علم وفن، كلاهما من دون الآخر يكون ناقصا)، هكذا لا يمكن الفصل بين الادارة علميا وفنيا، لأن الادارة الناجحة كما ذكرنا سابقا تنطلق من قواعد علمية يتقنها الموظف او الرئيس الاداري، وينفذها عبر فن اداري متميّز ومبتكر.

المهارة والإدارة الفعالة

وعندما يتحد العلم والفن الاداري في كلِّ موحَّد، لابد أن تبرز المهارة الادارية على نحو بالغ الوضوح، من خلال النتائج الباهرة التي سنحصل عليها، بمعنى كلما كان المدير ماهرا في ادارة الدائرة او المنظمة او المعمل او المؤسسة، كلما استطاع أن يقترب كثيرا من النجاح، وعندما يؤدي عمله الاداري من خلال حنكة وخبرة تجمع في العلم والفن وتستند إليهما، فإننا لاشك سنكون أمام منجز اداري مهم، يعجز عن تحقيقه مدير اداري يفتقر للتحصيل العملي الخبروي، ولا يعترف بفن الادارة، بل يعتمد الارتجال والعشوائية حيث ينتهي بالنتيجة الى الفشل المحتوم.

في هذا المجال يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه: (لا يمكن لأي شيء يحتاج إلى الإدارة أن يكون ناجحا ويسير إلى الأمام بسلامة واتساع إلا إذا كانت له إدارة نشطة فعالة، فإن البقاء والنجاح والإطراد تتوقف على قدرة الإدارة ومهارة المدير، فكفاية الحكومة، وحسن المستوى الاجتماعي، وتقدم الاقتصاد، وما أشبه، كلها تقع على الإدارة، فإذا كانت حسنة سارت الحكومة بسلام، وأنتج الاقتصاد أفضل المنتجات و الخدمات، وساد الاجتماع أفضل العلاقات الاجتماعية، وإذا كانت متوسطة أو سيئة، كانت النتيجة تابعا لها، فإن فاقد الشيء لا يعطيه).

من هنا لابد أن تكون الادارة قادرة على بث روح الحماس والتنافس بين الموظفين، من خلال خلق روح المنافسة الايجابية بينهم، عبر محفزات معنوية ومادية تشجع الموظف على الابداع والتطور، ولن يتحقق هذا بطبيعة الحال، إلا عندما توضع الامور في نصابها الصحيح، أي وضع الكفاءات في موضعها الذي يتفق مع قدراتها الكبيرة والمتميزة.

في هذا الصدد يقول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: (ينبغي على المدير أن يجعل كل فرد - منتِج- في المكان المناسب له). ومن البداهة بمكان، أن الموظف عندما ينسجم مع عمله، ويجد فيه نفسه ومواهبه وقدراته، فإنه سوف يبدع ويجدد ويعمل بجد مضاعف، على العكس مما لو كان في غير موقعه او مكانه الاداري الصحيح، فإنه سيفشل حتما في تقديم أي منجز يمكن الاشارة إليه أو الاعتداد به.

أهمية التخصص الاداري

ضمن العلم والفن الاداري، هناك قضية جوهرية تدخل في عملية النجاح، ألا وهي التخصص في هذا الجانب الاداري أو ذاك، لأن الادارة كما هو واضح ليست عملية سهلة، بل لاشك أنها متشعبة متعددة المسارات ومتشابكة الخطوات، وهذا التشابك والتداخل، لا يمكن أن يُدار بصورة عشوائية، بل من الاهمية بمكان أن يكون التخصص والتنظيم، على رأس الخطوات التي يستند إليها المدير الاداري، في أعماله في المجالين التخطيطي أو العملي.

لهذا لا يجوز أن نضع الموظف الفلاني بدلا من الاخر، بما يتعاكس مع التخصص المعروف لهما، لأن اهمال التخصص يعني ببساطة، فشل اداري ذريع!، وكأننا نضع السياسي مديرا اداريا لوحدة ادارية، ونطلب من الاداري قيادة مؤسسة سياسية، هذا يعني أن الاثنين سوف يفشلان بالنتيجة، لأنهما يقودان عملا يقع خارج التخصص العلمي والعملي لهما.

لذا هناك تأكيد دائم على أهمية هذا الجانب – التخصص- وقدرته على توفير ادارة فعالة متطورة، قادرة على التعامل مع القضايا الادارية الكبرى المتشابكة، وثمة تحذير كبير من خطورة إهمال هذا الجانب، لأنه يقود بالنتيجة الى فشل اداري مؤكّد.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي بكتابه نفسه، في هذا المجال، على: (أن الإدارة ليست كدكان بيع بسيط يريد البيع والشراء فقط، وإنما هو اختصاص، فلا يكفي المدير الذي يريد إدارة مؤسسة اقتصادية، أو ثقافية، أو سياسية، أو ما أشبه ذلك، بالنسبة إلى إدارة غير ذلك العمل، كالسياسي  يوضع مديرا لمؤسسة اقتصادية أو بالعكس).

كذلك يوجّه الامام الشيرازي، كي يتم العمل الاداري بنجاح، بأهمية: (وضع خرائط للتنظيم ولبيان هيكل المنظمة في كثير من الإدارات الكبيرة، سواء  كانت إدارة حكومية أو إدارة أهلية). هنا يتبيّن بوضوح أهمية التداخل المشترك بين التخصص والتخطيط والتنظيم، إذ تشترك هذه الاقطاب مع بعضها من اجل الوصول الى ادارة فعالة وماهرة، تعتمد العلم والفن في انجاز مهامها الادارية، وهو هدف تسعى إليه المنشآت الادارية بمختلف صنوفها وأنواعها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/شباط/2014 - 9/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م