مصر بعد ثورتين... أكثر اضطرابا وانتهاكا للحريات والحقوق

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: الساحة المصرية أصبحت محلاً لتبادل الاتهامات بين الاخوان المسلمين والدولة من جهة والنشطاء والمعارضين اللذين اتهموا الطرفين من جهة أخرى، وهذا الامر ولد المزيد من العنف والغليان داخل الشارع المصري بحسب ما يرى المحللون.

التصلب في المواقف والمواجهة العنيفة من قبل الدولة لهذه المواقف جعل من الصعب ان يكون هناك أي دور مستقبلي للحوار او تغليب لغة التفاهم على لغة الاعتقال والسجون والقوة المفرطة في فض التظاهرات التي أدت الى مقتل المئات من المعارضين سواءً كانوا من الاخوان او من المعترضين على القوانين الجديدة التي اعادت الى الاذهان الحكم السابق لدكتاتورية مبارك كما أشار العديد من النشطاء في تغريداتهم ومدوناتهم الخاصة.

ويبدوا ان دخول الإسلام السياسي على خط الديمقراطية المفترضة التحقيق بعد ربيع مصر قد تسبب في خسائر جمة حولت سير الربيع الى "سرقة للثورة" كما أشار وزير الخارجية الأمريكي من قبل، وفي كل الأحوال، فان الحقوق الإنسانية والحريات العامة في مصر سرقت قبل ان يسرق الاخوان الثورة من المصريين لأسباب عديدة، أهمها ازمة الثقة بين الأطراف الموجودة على الساحة المصرية وهم (الاخوان، السلطة، النشطاء).

وقد انعكست هذه الازمة سلباً على غليان الوضع الداخلي وتبادل الاتهامات بين الخصوم، الامر الذي أضر بالمواطن المصري على مختلف الأصعدة واهمها العنف المبالغ فيه لإخضاع الأطراف الأخرى لرغبة وطريق واحد، وهذا ما نددت فيه العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية.

فقد قالت منظمة العفو الدولية في تقرير الاخير إن مصر شهدت عنفا للدولة على "نطاق غير مسبوق" منذ أطاح الجيش بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في يوليو تموز الماضي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، ووصف مسؤول في وزارة الخارجية المصرية تقرير المنظمة بأنه "غير متوازن وغير دقيق".

وقالت العفو الدولية في التقرير إن السلطات المصرية "تقمع المعارضة وتنتهك حقوق الإنسان" في إشارة فيما يبدو إلى اعتقالات جماعية وتقييد لحرية التعبير يشير إليها مراقبون وسن قانون يحد من الحق في التظاهر، وصدر التقرير الذكرى الثالثة لاندلاع لانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011.

وقالت المنظمة الدولية إنه منذ أطاح قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي بمرسي قتل في العنف السياسي حوالي 1400 شخص معظمهم بسبب "الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن"، ومن بين القتلى نحو 250 من رجال الأمن، وكان يوم 14 أغسطس آب الأكثر دموية منذ الإطاحة بمرسي إذ اقتحمت قوات الأمن اعتصاما مؤيدا لمرسي في القاهرة بالجرافات واستخدمت الذخيرة الحية وقتل المئات.

واعتقل الآلاف بما في ذلك معظم قيادات جماعة الاخوان المسلمين التي أعلنتها الحكومة "منظمة إرهابية" في 25 ديسمبر كانون الأول بعد تفجير انتحاري في مديرية أمن محافظة الدقهلية بدلتا النيل ومقتل 17 معظمهم من رجال الشرطة، وقتل خمسة من رجال الشرطة في هجوم شنه مسلحون على نقطة تفتيش في محافظة بني سويف جنوبي القاهرة.

وبعد عزل مرسي كثف مسلحون في محافظة شمال سيناء المتاخمة لإسرائيل وقطاع غزة هجمات على أهداف للجيش والشرطة في المحافظة التي خفت فيها القبضة الأمنية بعد اندلاع الانتفاضة، وقالت العفو الدولية "تم إطلاق العنان لقوات الأمن لتتصرف فوق القانون مع عدم احتمال التعرض للمساءلة عن الانتهاكات". بحسب رويترز.

وقالت حسيبة حاج صحراوي نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالمنظمة "شهدت مصر سلسلة من الضربات المدمرة لحقوق الإنسان وعنف الدولة على نطاق غير مسبوق على مدى الأشهر السبعة الماضية"، وقال مساعد وزير الخارجية المصرية لشؤون الهيئات الدولية والأمن الدولي هشام بدر للصحفيين إن تقرير العفو الدولية "غير متوازن وغير دقيق ويعكس استخفاف منظمة مدنية دولية، بإرادة وطموح الشعب المصري".

وأضاف أن التقرير "يتضمن ادعاءات مرسلة حول حالة حقوق الإنسان في مصر بما يجافي الواقع"، وشدد على أن الحكومة "مسؤولة أمام شعبها أولا وأخيرا ولا تلتفت إلى محاولات تشويه الحقائق خاصة عندما يتضح لها ضعف قدرة الطرف المعني على فهم الواقع الوطني وتطوراته والتحديات التي يواجهها شعب مصر وحكومته وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب ومواجهة العنف".

لكنه أضاف "وزارة الخارجية تتابع بحرص واهتمام ما يصدر من تقارير عن بعض المنظمات الحقوقية الدولية وكذا ما تنشره وسائل الإعلام العالمية حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر أخذا في الاعتبار ما توليه السلطات المصرية من انفتاح ورغبة حقيقية فى الإنصات إلى نقد بناء يهدف إلى تلافي ما قد يشوب عملية التحول الديمقراطي في مصر من قصور".

وأضاف "لا يمكن إنكار وقوع بعض الأخطاء الفردية بين حين وآخر إلا أن الحكومة عازمة على مواصلة العمل بكل جدية على حفظ القانون والحيلولة دون الإفلات من العقاب"، والخطوة التالية في خارطة طريق للانتقال السياسي مدعومة من الجيش أعلنت بعد عزل مرسي هي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز السيسي في انتخابات الرئاسة إذا قرر خوضها، ويطالبه مصريون كثيرون بالترشح.

وتعرض نشطاء شاركوا بشكل رئيسي في الانتفاضة التي أطاحت بمبارك للسجن بسبب مخالفة قانون التظاهر الذي يجرم القيام بمظاهرات دون موافقة الشرطة، وقالت صحراوي "يوجد جهود مكثفة للضغط على أي مراقبين مستقلين من الناشطين والصحفيين والمنظمات غير الحكومية"، وقال بدر "تنظيم هذا الحق (التظاهر) من خلال القانون أمر معمول به في كافة دول العالم لحماية النظام العام وحقوق الآخرين".

استهداف طائفي

فيما قالت مصادر أمنية إن سلطات مطار القاهرة الدولي منعت 61 شيعيا كنديا من الدخول بعد وصولهم على متن طائرة قادمة من بغداد وأمرت باحتجازهم بمباني المطار 24 ساعة لحين سفرهم إلى بلادهم، وقال مصدر إن الممنوعين من الدخول اعتزموا زيارة مساجد ومقابر لآل النبي محمد ضمن جولة مزارات دينية بالمنطقة، وأضاف أن جهات أمنية منعت دخولهم وهم من أصل تنزاني. بحسب رويترز.

وكان سلفيون مصريون عارضوا محاولات للرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين للتقارب مع إيران شملت ترتيب رحلات لسائحين إيرانيين لمصر، وقال شاهد عيان إن سلطات المطار فرضت قيودا على حركة الشيعة الكنديين في المطار.

المعركة مع الاعلام

الى ذلك قال مسؤول في قناة النيل الدولية إحدى قنوات التلفزيون المصري الرسمي إن القناة أوقفت ثلاثة مخرجين عن العمل وأحالتهم للتحقيق بعد بث مادة تنسب إنجازات في عام 2013 للرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي عزله الجيش في يوليو تموز بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، وأضاف المسؤول "جرت العادة على إحالة المخطئين للتحقيق لكنهم أوقفوا عن العمل أيضا نظرا لحساسية المادة المذاعة"، وتبث قناة النيل الدولية برامجها باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وفوجئ مشاهدو القناة بالقناة تبث برنامجا تضمن فقرة عن إنجازات مرسي وأوقف بث البرنامج بعد نحو ثماني دقائق، وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه إن الثلاثة الموقوفين هم مخرج البرنامج ومخرج التنفيذ والمشرف على البث وهو مخرج أيضا، ولم يتضح على الفور ان كان بث المادة متعمدا أم على سبيل الخطأ.

من جانب اخر تعرض ثلاثة صحافيين يعملون في القناة الالمانية العامة اي.ار.دي لاعتداء من قبل مواطنين في القاهرة اثناء تصوير مشاهد للتفجير الذي استهدف مديرية امن العاصمة كما اعلنت القناة على موقعها الالكتروني، واوضحت اي.ار.دي ان اثنين من الصحافيين اصيبا بجروح وكدمات شديدة ونقلا الى المستشفى للعلاج.

واضافت ان المواطنين الغاضبين اعتدوا على الصحافيين ووصفوهم بأنهم "خونة" وانهم من "أنصار الاخوان المسلمين"، وحاول المصور والمنتج والسائق الفرار الا ان الجماهير طاردتهم وانهالوا عليهم ضربا مستخدمين احيانا ادوات حادة الى ان أنقذهم ضابط شرطة يرتدي ملابس مدنية أطلق النار في الهواء لأبعاد المعتدين.

وشهدت القاهرة اربعة اعتداءات بينها اعتداء انتحاري بسيارة مفخخة استهدف مديرية امن القاهرة اوقعت ستة قتلى ونحو 70 جريحا، واكدت وزارة الخارجية الالمانية في بيان انها "تدين بكل حزم هجمات القاهرة التي اوقعت قتلى وجرحى"، كما اعربت عن "قلقها الشديد" حيال الوضع في مصر معتبرة انه لن يتحسن "الا إذا تم التغلب على حالة الاستقطاب التي اصابت المجتمع وتمكنت جميع مكوناته من المشاركة في عملية سياسية شاملة تسفر عن شرعية ديموقراطية جديدة تتفق مع الدستور".

سجن نشطاء

في سياق متصل عاقبت محكمة مصرية 12 ناشطا بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ لإدانتهم بالتجمهر واستعراض القوة خلال اعتداء على المقر الانتخابي للمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق عام 2012، ومن بين المحكوم عليهم الناشط البارز علاء عبد الفتاح الذي كان له دور في التنسيق للاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011 وكذلك شقيقته منى سيف.

وفي خطوة يمكن أن تفتح الطريق أمام مزيد من الإجراءات القضائية ضد النشطاء فتحت السلطات تحقيقات بشأن ادعاءات عن مشاركة ستة منهم في اقتحام مقار لجهاز مباحث أمن الدولة عقب الانتفاضة التي أطاحت بمبارك، وقال مصدر إن محكمة جنايات الجيزة برأت النشطاء الاثني عشر من تهم أخرى لتنازل شفيق عنها بينها إتلاف بعض الأثاث في المقر، وأضاف أنها برأتهم أيضا من تهمة سرقة بعض محتويات المقر.

وكان النشطاء نفوا ما نسب إليهم وبينه إشعال النار في أوراق دعاية انتخابية، وخسر شفيق الانتخابات أمام الرئيس السابق محمد مرسي الذي شغل المنصب عاما واحدا قبل عزله، وقالت منى سيف إن الحكم سياسي، وأضافت أنه لا يوجد دليل يدعم الاتهامات التي وجهت للنشطاء ولا يوجد شهود عليهم.

وكان نائب عام عينه مرسي أحال النشطاء للتحقيق، وقال نشطاء آنذاك إن هذه الخطوة استهدفت تخويف النشطاء لمطالبتهم بالديمقراطية، وعبد الفتاح محتجز على ذمة المحاكمة بتهمة الدعوة للتظاهر بالمخالفة لقانون صدر حديثا يفرض الحصول على إذن وزارة الداخلية قبل تنظيم أي احتجاجات.

وكانت مقار لجهاز مباحث أمن الدولة الذي كان أداة لمبارك في السيطرة السياسية تعرضت للاقتحام بعد أسابيع من الإطاحة به، وتحت ضغط شعبي غيرت الحكومة اسم الجهاز الذي يتبع وزارة الداخلية الى جهاز الأمن الوطني، ومن بين النشطاء الستة أحمد دومة ومحمد عادل اللذان حكم عليهما يوم 22 ديسمبر بالحبس ثلاث سنوات لإدانتهما بمخالفة قانون التظاهر.

فيما قالت مصادر قضائية إن محكمة بمدينة الإسكندرية المصرية الساحلية حكمت ايضاً على سبعة نشطاء بالحبس سنتين لكل منهم وغرامة 50 ألف جنيه (7200 دولار) لإدانتهم بمخالفة قانون يقيد حق التظاهر، وهذا هو ثاني حكم يصدر بحبس وتغريم نشطاء ليبراليين منذ تطبيق القانون الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور في نوفمبر تشرين الثاني لوضع نهاية لاحتجاجات سياسية وعمالية تضرب البلاد منذ أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس حسني مبارك عام 2011.

لكن سياسيين ونشطاء وحقوقيين انتقدوا القانون قائلين إنه يمثل عودة إلى السياسيات القمعية التي انتهجها مبارك، وقال مصدر إن محكمة جنح الرمل أول وهي إحدى محاكم الجنح بالإسكندرية أصدرت الحكم حضوريا على أربعة نشطاء كانت الشرطة قد ألقت القبض عليهم خلال مظاهرة، وصدر الحكم غيابيا بحق ثلاثة نشطاء آخرين طلبت النيابة العامة ضبطهم واحضارهم على ذمة القضية وبينهم ناشطة.

وأحيل 25 ناشطا آخرين اعتقلوا بتهمة التظاهر بدون اذن إلى محكمة جنايات القاهرة لاتهامهم ايضا بالسطو على جهاز اتصال خاص بأحد ضباط الشرطة، وفي حين تشدد الحكومة الحملة على المعارضة الليبرالية تشن ايضا حملة أشد قسوة على جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها من الإسلاميين الآخرين، ومن بين النشطاء المطلوب إلقاء القبض عليهم في الإسكندرية الناشط البارز حسن مصطفى، وقال المصدر إن محاميا عن النشطاء قال خلال الجلسة إن محافظ الإسكندرية لم ينفذ القانون الجديد في الشق الخاص بتحديد مكان للتظاهر لكن المحكمة لم تأخذ بدفاعه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/شباط/2014 - 8/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م