استمرار الفساد = كوارث وإنهيار

علي ال غراش

 

كوارث متلاحقة ومتعددة تمر على البلاد، وازمات داخلية وخارجية تهدد الوطن والمواطنين وفشل سياسي خارجي واضح في إدارة الملفات، وهناك احتقان شعبي يزداد مع كل موقف سلبي تتخذه السلطة في تهميش الشعب وإضاعة المال العام وصرفه بطرق غريبة وعجيبة لا تنسجم مع الإرادة الشعبية ولا تتوافق مع وضع الشعب المحروم من حقوقه ومن ثروته الوطنية، حيث إن اغلبية الشعب - أكثر من 65% - يعاني التهميش والفقر والحاجة والعوز..، وكل ذلك بسبب سياسة السلطة في إدارة شؤون الوطن!.

ماذا بعد ما انكشف المستور والممنوع وبانت عورات الفساد وظهرت الحقائق بالصور في عالم الاعلام الجديد النت والفضائي، وأصبح ذلك الفساد حديث الشارع على مستوى كل الوطن؟.

أين السلطة - الحكومة - أمام ما حدث ويحدث من كوارث وطنية كبرى شغلت وسائل الإعلام العالمية وعالم النت، مثل (كارثة الأمطار) إذ ذهب فيها عدد من أرواح المواطنين والمقيمين، وتعرض الملايين للاصابات والمخاطر والهلع والخوف وتعطلت مصالح العباد وتوقفت الدراسة لسوء الإدراة وإنشاء المباني، وانهارت الجسور والطرق، وغرقت الطرق والمنازل، ولم يسلم الأموات وهم في قبورهم من تلك الكارثة حيث دمرت المقابر التي تفتقد التخطيط والاهتمام وبرزت العظام..؟.

ما موقف المواطنين وأين الروح الوطنية مما حدث ويحدث في الوطن، هل هو مجرد السخرية والضحك على قلة الحيلة والتقصير أي جلد الذات؟؟!.

إن تلك الكارثة كشفت عن عورة فساد الجهات المسؤولة القبيح المعدي المنتشر في كافة إرجاء الوزارات والإدارات، إذ وقعت تلك الكوارث بسبب سوء الإدارة من الجهات المسؤولة مباشرة، التي كانت أثناء الكارثة كالعادة مشغولة بنفسها وبكرسي العرش فقط، و تفكر كيف تبقى سلطة تتحكم بالبلاد والعباد والتفرد بالحكم واللعب بالثروة، وباعتقال أكبر عدد من المواطنين ومحاكمتهم، كرسالة ترهيب وتخويف للشعب من نقد السلطة في هذه الظروف!.

إنها سلطة مشغولة بنفسها، بينما الشعب الطيب هو من بادر بتقديم العون والمساعدة للمحتاجين، وقام بتأسيس لجان شعبية للإغاثة السريعة للعوائل التي فقدت كل شيء إذا كانت هي تملك شيئا في الأصل!!.

الفقر ومؤسسات المجتمع المدني

لقد كشفت هذه الكارثة عن مدى انتشار الفقر المدقع بين المواطنين في أنحاء الوطن، وسلبية غياب المؤسسات المجتمع المدني الداعمة للشعب في مثل هذه الظروف!!.

تحية شكر وعرفان لكل مواطن من الرجال والنساء ومن كافة الأعمار الذين قاموا بالمبادرة لتقديم المساعدات للمتضررين، وتحية للذين عبروا عن غضبهم الشديد عبر تحميل الجهات الحكومية المسؤولية بشكل مباشر عن تلك الكوارث وتعريض الوطن والمواطنين للخطر.

 ولكن أين دور أغلبية المواطنين؟.

السخرية من الواقع

كثير من المواطنين لم يتعاطوا مع حدث الكارثة المدمرة بالمستوى المطلوب، عبر تحميل الجهات المسؤولة المسؤولية مباشرة ومحاسبتها، بل الغريب في الأمر إن الكارثة تحولت لكثير من المواطنين إلى مناسبة للسخرية ومتنفس للضحك والاستهزاء وتسابق فيما بينهم لنشر أكبر عدد من المقاطع والصور المؤلمة للمواطنين وللوطن بطريقة ساخرة للتعبير ربما عن الاحباط الشديد، وقد استفادت السلطة من ذلك لامتصاص الغضب، وتطمئن وتنام قريرة العين بأن الشعب الطيب ولو في الظروف الكارثية والمصائب الوطنية يقدم الولاء والطاعة والشكر والامتنان للإله آسف للسلطة (الجهة المسؤولة عن الكوارث بسبب الفساد)!!.

إن السخرية الشعبية اللاذعة وبالذات على السلطة وضد كبارها بالتحديد تعبر عن مدى الإحتقان والغضب الشعبي والرغبة لتغيير الواقع..، وهذا لا شك متنفس ومرحلة من مراحل التغيير تمر بها الشعوب المحرومة من حق التعبير عن الرأي في الدول الإستبدادية، ولكن هذه الفترة الزمنية والظروف الراهنة - التي تمر على الوطن وما تعيشه المنطقة والعالم من حراك وثورة مطالب وحقوق شعبية وثورة ضد فساد الأنظمة والسلطات الشمولية الإستبدادية، والمطالبة بمحاكمة الفاسدين.. - قد تجاوزت مرحلة الاكتفاء فقط بالسخرية.

الشعب والفساد

هل موقف المواطنين وبالخصوص بعض المثقفين والمهتمين بالنشاط الإجتماعي حول دور السلطة في الكوارث أقل من المطلوب ولا يتناسب مع الروح الوطنية الحقيقية، ويعبر عن مدى ضعف حالة الوعي عند البعض منهم، وعدم الإستفادة من التجارب السابقة، وعدم إدراك المرحلة، وضرورة تسجيل موقف وطني وانساني وديني ؟.

هل يحق للشعب توجيه الإتهام للسلطة لأنها الجهة المسؤولة المباشرة، والمطالبة بمحاسبة المتسببين عن الفساد، وإيقاف قطار الكوارث الناتجة بسبب الفساد الإداري والانشائي والمراقبة وعدم تكرارها على مستوى الوطن، - كارثة جدة، كارثة مكة، كارثة الرياض، كارثة عسير، كارثة الاحساء، كارثة القطيف، كارثة الدمام، كارثة الخفجي، كارثة القصيم، المدينة ونجران وجيزان وحفر الباطن وعرعر وتبوك...،- كوارث على مستوى الوطن، كارثة أمطار، كارثة أزمة مساكن، كارثة فقر وبطالة، وأم الكوارث أنتشار الفساد في عموم الوطن ؟!.

هناك من يوجه اللوم لبعض المواطنين وبالخصوص الشخصيات بسبب صمتها عن الفساد والمفسدين في السلطة أو إيجاد التبرير لها وتبرئتها وتمجيدها، مما أدى الى استمرار تلك الكوارث والجرائم الوطنية وسقوط قتلى وجرحى أعزاء، وضياع المال العام المليارات بل سرقته!.

فتات لبعض الفئات

لقد اظهرت الأحداث مدى تفكير بعض المواطنين والسطحية والنسيان السريع للكوارث والسكوت على المجرمين والفاسدين إذ بمجرد الاعلان عن مكرمة مادية بسيطة "فتات" لبعض فئات الشعب تشتري السلطة سكوت الشعب، والكل يستجيب لنداء السلطة والسجود لها بالطاعة العمياء!!.

والحقيقية الواضحة للعيان إن الكوارث الوطنية كشفت عن عورة الفساد المستفحل وانتشار الفقر المدقع، وحرمان المواطنين من أبسط حقوقهم الوطنية ليعيشوا حياة كريمة عزيزة في وطنهم، لهم حق المشاركة في اختيار الدستور ونظام الحكم والحكومة وأعضاء مجلس الشورى عبر صناديق الانتخاب، ومحاسبة ومحاكمة السلطة على التقصير والفساد.

الشعب المحروم من ثروته الوطنية الهائلة والميزانية المقدرة بنحو 855 مليار ريال سنويا، في ظل وجود أكثر من 65 بالمئة من الشعب لا يملك مترا لبناء سكن رغم مساحات اراضي الوطن الشاسعة التي سرقت باسم المنح والتشبيك..، والمحروم من حق التعبير عن الرأي، مطلوب أن يقوم بدوره بالقول أو العمل لإيقاف هذه الفوضى واللعب بالوطن وبمصير المواطنين، وعدم السكوت على ما يحدث من تعريض الوطن للخطر وتمزيق اللحمة الوطنية عبر إعتقال عشرات الآلاف ومحاكمة الالاف من المواطنين النشطاء والحقوقيين الشرفاء بسبب التعبير عن الرأي ومطالبتهم بتطبيق العدالة وباحترام حقوق المواطنين، ومحاسبة الفاسدين، أو بالتحول إلى نظام يحدده الشعب - مملكة دستورية أو غيره - فالشعب هو من يختار النظام وشكل الحكم، فهو الحاكم الحقيقي.

الفساد من علامات الإنهيار!!

في الأخير.. ما يحدث من تكرار الكوارث في الوطن وبالخصوص الفساد والظلم - وتدمير لكل شيء القيم والأخلاق وحقوق المواطنة والإنسان والثقافة والتراث والخدمات والثروة الوطنية... - هو بسبب سياسة وإدارة السلطة الحاكمة العاجزة عن معالجة الفساد فالمثل الشعبي يقول ((إذا علتك من بطنك من وين تجيك العافية)).

إن انتشار الفساد هو سبب وعلامة من علامات الإنهيار والسقوط للأمم والحكومات والدول التي كانت موجودة في يوم ما، ولقد درسنا في المناهج الدراسية الحكومية في مادة التاريخ بأن سبب سقوط الخلافات والدول ومنها العربية والإسلامية يعود للفساد والظلم!.

أفلا ينظر كل نظام تلوثت يداه بالفساد إلى تلك الأمم والسلطات والدول التي انهارت وسقطت لتكون له عبرة؟.

الشعوب تتمنى قيام أنظمة مخلصة تمثل الإرادة الشعبية، وتعمل لتسود العدالة والحرية والمساواة ليعم الأمن والامان الإجتماعي الحقيقي بلا فساد؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/شباط/2014 - 8/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م