أموال النفط العراقي وآمال الإنعاش الاقتصادي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: لمن يسمع بالعائدات السخيّة من تصدير النفط العراقي، يخيّل اليه ان العراقي يعيش في بحبوحة من العيش واطمئنان كامل في حاضره ومستقبله، وهو يرفل بفرص العمل والانتاج مدعوماً بقوة العملة المحلية واستقرار في الاسواق، كما هو الحال في الدول النامية – المتحضرة. ولو أن مجلس النواب لم يصوّت حتى الآن على الموازنة العامة لعام 2014، رغم مرور شهرين على العام الجديد، إلا ان الموطن العراقي يعرف سلفاً أن هنالك (138) تريليون دنيار عراقي، ما يعادل حوالي (130) مليار دولار امريكي. يفترض ان تجعله من بين الشعوب الثرية، بيد ان الوجه الآخر للوضع المعيشي في العراق يحكي أمراً آخر، حيث استمرار الناس في الجري ليل نهار بحثاً عن المال لتغطية الحاجات اليومية، وايضاً البحث عن فرصة عمل جيدة وسكن لائق للوقوف بقوة أمام المستقبل المجهول. فالفقر والبطالة والتضخم، ما تزال تثمل الاشباح الرئيسية التي تقض مضاجع العراقيين.

طموحات أمام الثروة النفطية

طالما حذر الخبراء من استمرار حالة الاعتماد على النفط كمورد رئيس من العملة الصعبة، وكتب الكثير عن مشاريع تنموية وافكار مستقبلية لاقتصاد ناهض ومتقدم في العراق، وهو ما يجب أن يفكر به المسؤولون المعنيون في هذه البرهة الزمنية تحديداً، حيث ما تزال الموازنة التي أقرتها الحكومة، على طاولات مجلس النواب بانتظار التصويت عليها. فاذا كان الناس في الشارع ينتظرون بفارغ الصبر الإقرار على الموازنة، ليعرفوا أن مدنهم سيشملها التطوير والتغيير، فان المسؤول الذي يجد أمامه ارقام بالمليارات، هي ثروة هؤلاء الناس، عليه أن يفكر بالطريقة التي يحوّل فيها هذه الثروة النفطية الى وقود تحرك الاقتصاد باتجاه التطوير هذا العام وفي الاعوام القادمة، بما يقلل من الاعتماد على النفط ويوسع فرص ايجاد منابع اخرى للثروة، وهو ما يُعد العراق أهلاً له اكثر من غيره، لوجود الاراضي الصالحة للزراعة والمياه العذبة والايدي الشابة العاملة.

من هنا جاء إعلان الحكومة العراقية عن "خطة خمسية" جديدة لتحقيق هذه الغاية، وتنصّ الخطة التي تغطي الفترة من عام 2013 إلى عام 2017 على استثمار نحو (357) مليار دولار في مشروعات تنمية في أنحاء البلاد تركز على قطاعات البناء والخدمات والزراعة والتعليم والنقل والمواصلات والطاقة.

وحسب المصادر فان العراق يطمح لإنعاش الزراعة لديه، بعد سبات طويل بسبب الحروب والسياسات المدمرة على يد النظام البائد. فقد أوضح الوكيل الفني لوزارة التخطيط العراقية سامي متي، أن الخطة الخمسية، تهدف لإنتاج نحو (6) ملايين طن من القمح في 2017، وهو ما سيغطي الاستهلاك المحلي ورفع متوسط إنتاج الشعير من (820) ألف طن في 2011 إلى (1.2) مليون طن في 2017. وحسب المسؤول نفسه: فأن الخطة تروم كذلك الى الرفع من إجمالي الإنتاج العراقي بمعدل (13%) سنويا في المتوسط وخفض نسبة الفقر من (19%) في 2012 إلى (16%) في 2017.

هذا الطموح المجنح الذي ينعش الآمال العريضة للناس، قبل ان تنعش الاقتصاد العراقي المتدهور، مدعوم بأرقام هائلة ومغرية من ايرادات النفط التي ربما تصل خلال الخطة الخمسية – حسب التوقعات- الى (662) مليار دولار، وهذا عندما تحقق الحكومة طموحها برفع حجم انتاجها من النفط من (3.2) مليون برميل يومياً، إلى 9.5 مليون برميل يوميا في 2017، وتعزيز الصادرات من 2.6 مليون برميل يوميا إلى ستة ملايين برميل يوميا في 2017 بافتراض أن متوسط سعر برميل النفط 85 دولاراً على مدى السنوات الخمسة. بيد أن المواطن العراقي سينظر الى تجربة الخطة الخمسية الماضية وكيف أنها فشلت في تحقيق الهدف المنشود وتحويل الثروة النفطية الى منقذ له من أزماته الاقتصادية والمعيشية، وذلك بتقليل اعتماد البلد على النفط بشكل تدريجي، من خلال خلق مناخات عمل وفرص للانتاج وتشجيع الصناعات المحلية.

أين المشكلة..؟

مما يؤسف له حقاً، أن يكون الكلام طويل وعريض عن الفشل، بينما لا بديل أفضل لإنجاح الخطة الخمسية التي تعتمدها الدول النامية والطامحة لاقتصاد ناهض. فمن لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، هنالك رأي بحاجة وزارة التخطيط الى "وقت أطول لدراسة اكثر دقة من اجل معرفة نسبة التنفيذ الحقيقية للخطة الجديدة"، بينما يقول خبير اقتصادي: "ان الخطط الحالية لن تحقق نتائج حقيقية مالم تستند الى ارقام واحصائيات واقعية دقيقة، وليس فقط الى بيانات حسابية..". هذا الى جانب آراء اخرى تذهب الى مسؤولية البنك المركزي و"سياساته الانكماشية"، كما يكشف البعض الآخر عن ضلوع الكتل السياسية والشخصيات المتنفذة في الدولة التي تفضل مصالحها الفئوية والشخصية على المصلحة الوطنية، حيث بات معروفاً هيمنة شخصيات معروفة على مشاريع تجارية واستثمارية، عندما فاحت رائحة الفساد الاداري منذ سنوات من مكاتب الوزراء وكبار المسؤولين بملايين الدولارات من صفقات شراء مفردات البطافة التموينية أو شراء المعدات الامنية والعسكرية، وعديد مشاريع البناء والخدمات.

سياسة التوزيع أم الترقيع؟!.

بسبب الثغرات الكبيرة في جدار الاقتصاد العراقي التي يشعر بها المواطن العراقي العادي قبل المسؤول خلال السنوات العشر الماضية، يبدو ان الحكومة العراقية فضلت معالجة هذه الثغرات بسياسة العطاءات المالية والعينية في محاولة منها لإعطاء فسحة امام المواطن لأن يخلق فرص ينتج من خلالها موارد مالية بنفسه، من قبيل القروض والسلف والسيارات والاراضي السكنية والمنح المالية وحتى الامتيازات، وهذه ربما تكون في نظر الكثيرين، خطوة في الطريق الصحيح لتحسين الوضع المعيشي للمواطن، وتحوله من الحرمان وشظف العيش الى الرفاهية، بيد أن الرؤية الاقتصادية الشاملة والعميقة، تبحث عن الحلول الجذرية، فحالة الاستهلاك ليست من سمات البلاد النامية والمتطورة، حتى البلاد الثرية وصاحبة الموارد الطبيعية تفكر اليوم بزيادة صادراتها غير النفطية، من محاصيل زراعية ومنتجات صناعية وحتى خدمات وغيرها لرفد الخزينة الوطنية بالعملة الصعبة.

الخبراء والمراقبون يؤكدون دائماً على أن سياسة الترقيع لن تفيد في وقف النزيف والهدر الفظيع للثروة في العراق، ما دامت الخطط الموضوعة لا تمسّ ارض الواقع، لذا عندما يقول البعض إن ارتفاع الرواتب وايضاً إقرار قانون التقاعد مؤخراً، من شأنه ان يحل مشكلة شريحة معينة من المجتمع، لكن ماذا عن الشرائح الاخرى..؟. وماذا عن ارتفاع الاسعار وفوضى السوق، حيث لا رقابة على الاستيراد ولا تشجيع للانتاج المحلي؟.

الحل.. الإنصاف

ربما يطالب الكثير بتحقيق "التوزيع العادل للثروة"، في البلاد التي تشهد سياسات التمييز والمحسوبية والفساد الاداري، ويعدونها في مقدمة الشروط لإنقاذ الشعوب من أزماتها الاقتصادية والمعيشية. وحسب هذا المطلب فان الثروة ستكون على شكل فرص عمل وخدمات وامتيازات حسب الكفاءة والقدرات العلمية والمهنية، بيد ان الحلول الجذرية والشاملة هي التي تضمن استمرارية الحل والصعود في سلّم الارتقاء الاقتصادي، وإلا فان مشاريع وخطط اقتصادية كثيرة تطرح وتنفذ، لكن لا تلبث ان تخفق او تتراجع بعد فترة من الزمن بسبب سياسات خاطئة او تغييرات في الاجراءات الحكومية التي تعرقل التنفيذ او ربما يتغير مجرى العمل بسبب اختلاسات او اخطاء معينة في محيط العمل.

ولمن يريد مصداقاً عملياً للحل الجذري ما عليه سوى مراجعة النهج الذي رسمه الامام علي، عليه السلام، لواليه على مصر، مالك الأشتر؛ ".. وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك، ومن لك هوى من رعيتك، فانك إن لم تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه". وفي كتابه" استراتيجية انتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الامام علي" يوضح سماحة السيد مرتضى الشيرازي، إن "الغالب من اهل السلطان وحاشيته عدم اهتمامهم بفرائض الله ولا بحقوق الناس، حيث يرون أنفسهم في غنى..". بمعنى أن القضية ليست رواتب شهرية ولا امتيازات معينة لأغراض وحسابات خاصة، إنما إحقاق الحقوق لعامة الناس، وتفضيل مصلحتهم على المصلحة الخاصة، وهذا ليس من قبيل "المثالية"، بدليل تجربتها الناجحة في عهد الامام علي، عليه السلام، فالأزمة الاقتصادية التي شهدها المسلمون في الفترة التي سبقت عهده، عليه السلام، لا تبتعد كثيراً عن الأزمات التي تعيشها شعوبنا، وتحديداً الشعب العراقي، مع الفارق في الاشكال والظروف.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/شباط/2014 - 7/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م