لماذا تخشى القاعدة من داعش؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: بالعودة الى عام 2005 عندما أصدر الكتاب الأردني فؤاد حسين كتابه "الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة"، ذكر فيه على لسان قادة "الجهاد" في تنظيم القاعدة (سبع مراحل) رئيسية للوصول الى تحقيق حلم الخلافة الإسلامية بعد الانتصار على "الكفار"، تمتد على مسافة عشرين عاماً (2000-2020)، وقد شملت (المرحلة الخامسة) على "اعلان الدولة" المفترضة للقاعدة ومدار تحقيها بين عامي (2010-2013).

في هذه المرحلة تمكن تنظيم القاعدة من توسيع نفوذه وعملياته الجهادية بشكل لافت بعد ان دانت اغلب الحركات الجهادية المتطرفة بالسمع والطاعة لزعيم التنظيم، إضافة الى استفادتها الكبيرة من الاحداث التي وقعت في دول التي شهدت اضطرابات سياسية وأمنية وتحديداً في سوريا التي مكنتها من فتح باب الجهاد على مصراعيه وتجنيد جهاديين جدد من اوربا والعالم الغربي، وقد سارت الأمور بالنسبة لها على أحسن حال حتى وقت بروز ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق) التي دخلت بقوة على المشهد السوري لتشكل (الدولة الإسلامية في العراق والشام) او (داعش) اختصاراً، ليتحول الامر الى دولة إسلامية بقيادة داعش، داخل دولة القاعدة الإسلامية، ومن هنا انطلقت الحكاية.

فبعد شد وجذب وجدل استمر طويلاً حول موقع داعش وعلاقتها بالقاعدة، والضبابية التي أحاطت بإعلان البغدادي (زعيم تنظيم داعش) ان جبهة النصرة واميرها (الجولاني) جزء من الدولة الإسلامية للتنظيم ونفي الأخير لهذا بإعلانه المبايعة للقاعدة، حسمت القاعدة الامر بإعلان 3/ فبراير ببيان اكدت فيه انها "لم تُخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تُستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها"، وأضاف البيان بان داعش "ليست فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاتها"، حتى وصل الامر الى وصف ما يقوم به داعش بـ"المخالفات والتصرفات المضرة".

ان هذا الإعلان الصريح بالبراة من داعش ومن يقف ورائها هو بمثابة اعلان الحرب من قبل التنظيم الام بعد ان اعتبر ان طموح هذا التنظيم لا يقف عند حد الامارة او يدين بالسمع والطاعة لها، بل يتجاوزه لتشكيل دولة إسلامية قائمة بذاتها وربما بعيداً عن تنظيم القاعدة، سيما وانه تشكل من الجيل الجديد للجهاديين اللذين لا يدينون بالولاء كثيراً للجيل القديم كما هو حال (أبو بكر البغدادي) الذي يختلف في تفكيره عن استاذه (أبو مصعب الزرقاوي) الذي لم يخرج عن دائرة القاعدة وفروعها، ويبدوا ان الظواهري ادرك ذلك جيداً ومنذ البداية، لكنه حاول جس نبض داعش من خلال رسالته السابقة بفصل اعلان الاندماج بين الدولة الإسلامية في العراق وجبهة النصرة من قبل البغدادي والذي لم يجد له اذان صاغية واستمر العمل تحت مسمى (داعش)، إضافة الى تصعيد الموقف من خلال استهداف جميع الحركات الجهادية التي تعمل تحت لواء القاعدة وابرزها (جبهة النصرة) في سوريا.

البغدادي يخيف القاعدة

البغدادي ليس من النوع الساذج، او على الأقل لا يحدد طموحه الخضوع للقاعدة والتفرغ للعمل الجهادي كباقي الزعماء الكلاسيكيين للتنظيمات والحركات الجهادية الأخرى، هو يطمح لان يكون منافساً للقاعدة وان يكون تنظيمه على مستوى الندية لها لا على مستوى الظل.

وقد استفاد البغدادي من هذا الامر وتحرك من خلال عدة أمور يمكن رصد أبرزها:

1. المستوى الإعلامي: من الملاحظ ان الاله الإعلامية في الغرب والشرق قد ركزت بشكل كبير على ربط داعش والقاعدة والمقارنة بينهما وتوسع التنظيم على حساب مناطق نفوذ القاعدة في سوريا والعراق واحداث الفلوجة والحملة الأمنية القائمة في الانبار والعمليات التي وصفت بالنوعية، مما خدم بشكل كبير البغدادي وتنظيمه في تحقيق البروز الإعلامي وبشكل مجاني بعد ان كان نجم القاعدة هو الأبرز في وسائل الاعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد ان هذا الدعم الإعلامي هو مقدمة للفت الأنظار اليه من جهة ولكسب المزيد من الجهاديين الطامحين الى تشكيل خلافة إسلامية اكثر راديكالية من القاعدة من جهة أخرى، وهو ما يقود الى الامر الثاني.

2. العنف المفرط: برز دور داعش بانها الأكثر تطرفاً من بين التنظيمات والحركات الجهادية الأخرى، وقد امتد عنفها من خلال العمليات الانتحارية والمفخخات وقطع الرؤوس وحرق الجثث والتي استهدفت المدنيين ومن يخالفهم في الرأي والذي شمل، ايضاً، تنفيذ عين تلك العمليات على الجهاديين من التنظيمات الأخرى وبالأخص مقاتلي القاعدة او من يميلون اليها، وهذا الامر شجع الكثير من المقاتلين للانسحاب من القاعدة لصالح داعش بعد ان وجدوا توجه الأخيرة يلبي طموحهم في اعلان التطرف بصورة صريحة عكس القاعدة التي تميل الى المهادنة والازدواجية في بعض الأحيان بحسب وجه نظرهم الجهادية المتشددة.

3. الاستفادة من الشباب: وهذا الامر ملاحظ من خلال من ينفذ العمليات الجهادية والانتحارية، فجلهم من الشباب والقاصرين، وهو ما يعزز مسألة الجيل الجديد الذي أعجب بتنظيم داعش المشكل اساساً من الشباب (زعيم التنظيم البغدادي من مواليد 1971) وصورة المجاهد الإسلامي الذي لا يخشى شيء، وقد لا قت هذه الصورة اعجاب المهاجرين الاوربيين الذين فشل المجتمع الأوربي في احتوائهم ودمجهم داخل المجتمع، بعد ان ازداد تدفقهم بحثاً عن الجهاد في سوريا والعراق حتى وصل الرقم الى الالاف من المقاتلين الاجانب.

4. الورقة الدينية والمذهبية والقومية: الدفاع عن السنة المظلومين، شعار تباهت داعش برفعه في حربها "المقدسة" ضد الطوائف والمذاهب الأخرى وبالأخص "الشيعة" بعد ان استفادت من الاحتقان الطائفي المتنامي في الشرق الأوسط، كما قامت داعش بغزوات عديدة وحملات تهجير ضد المسيحيين والعلويين والايزيدية والتركمان والاكراد في العراق وسوريا ولبنان، مما يدلل على إمكانية توسيع عملياتها الجهادية في كل مكان وضد أي جهة تخالفهم عقائدياً ودينياً وقومياً، وقد استخدمت.

داعش بديل عن القاعدة

ربما يكون هذا الكلام سابقاً لأوانه او مبالغاً فيه، لكن المقصود هنا ليس انتهاء دور القاعدة لتحل محلها الدولة الإسلامية في العراق والشام، بل المقصود ان عصر ازدهار داعش قد بدء، وهذا ما دق ناقوس الخطر لدى القاعدة قبل الحكومات وأجهزتها الاستخبارية، "فلا خليفتين للمسلمين في آن واحد"، وقد أشار العديد من المحللين ان البراءة التي أعلنها تنظيم القاعدة من تنظيم الدولة الإسلامية يعني إعطاء الضوء الأخضر لتصفية البغدادي ومقاتليه.

لكن الامر أكثر تعقيداً مما يبدوا، خصوصاً وان نهج داعش اخذ في التجذر والترسخ في نفوس الجيل الجديد من المجاهدين، وهو امر لا ينتهي بالقضاء على البغدادي، او حسم معركة محدودة، كما هو الحال في معركة الفلوجة التي تنتظر الحسم قريباً، فهي لا تعني شيء بالنسبة لداعش حتى وان خسرتها، الامر الذي يعنيها هو ما حققته من مكاسب اعلامية والانتشار على حساب الاخرين لكسب الشباب وتقوية نفوذها، وهذا هو الدور الذي سعت الى تحقيقه منذ بدايتها.

يبقى السؤال الأهم يدور في فلك القاعدة وداعش حول طبيعة العلاقة المستقبلية بينها وملامح تقاسم السلطة الجهادية الإرهابية بين الاثنين، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/شباط/2014 - 7/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م