شبكة النبأ: تشعر نوال، وهي عاملة
نظافة في متجر من شرق عمان، بالندم على اليوم الذي قبلت فيه عرضاً
للقيام بعمل إضافي لدى صاحب العمل الذي طلب منها أن تقوم بتنظيف منزله.
ولم يكن ذلك إلا فخاً حيث أخذها إلى منزله واغتصبها.
وعلى الرغم من أن التحقيق أثبت ادعاءاتها، إلا أنها تقول أن العملية
القانونية لم تحقق لها العدالة. فقد استفاد المغتصب من المادة 308
المثيرة للجدل في قانون العقوبات الأردني والتي تسمح للمغتصبين بتفادي
السجن إذا تزوجوا من ضحاياهم وظلوا معهن لمدة خمس سنوات.
وفي هذا الإطار، أوضح منير دعيبس، المدير التنفيذي للمعهد الدولي
لتضامن النساء، وهي جمعية محلية تدافع عن حقوق المرأة أن "تزويج ضحية
الاغتصاب لمغتصبها بمثابة ارتكاب جريمة ثانية ضدها، بينما المغتصب هو
الذي يجب أن يعاقب".
غير أن بعض الخبراء القانونيين يقولون أن هذه المادة تترك للنساء
خيار عدم الزواج من مغتصبيهن. ففي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)،
أكد القاضي فوزي النهار، رئيس محكمة الجنايات الكبرى في الأردن، أن "النساء
وعائلاتهن ليسوا مضطرين للقبول به، وفي بعض الحالات، تطالب العائلات
بملاحقة المغتصب قضائياً". وأضاف أن الأمر "يظل خياراً للأشخاص الذين
يرغبون في تزويج بناتهم وتجنب وصمة العار الاجتماعية".
لكن ناشطين في مجال حقوق المرأة يرون أن النساء وأسرهن قد يشعرون أن
الخيارات المتاحة أمامهم محدودة. ولا يتأثر قرارهم بالضغط الاجتماعي "لتغطية
الفضيحة" فحسب، بل بالصعوبات الناجمة عن القوانين الأخرى أيضاً، خاصة
تلك المتعلقة بالإجهاض وإثبات نسب الأب.
وكانت نوال تنوي التزام الصمت بشأن الاغتصاب حتى اكتشفت ذات يوم
أنها حامل. ولا يتم الإبلاغ عن معظم حالات الاغتصاب ما لم يحدث حمل،
حسبما ذكر ناشطون في مجال حقوق المرأة وأخصائيون اجتماعيون.
وتجدر الإشارة إلى أن الإجهاض محظور في الأردن - حتى بالنسبة لضحايا
الاغتصاب أو في حالات زنا المحارم - إلا إذا تبين أن الحمل قد يؤدي إلى
وفاة الأم.
وقالت نوال: "بدأت أتناول كميات هائلة من مسكنات الألم
والفيتامينات، وحاولت حتى لكم بطني بيدي... ودفع اسطوانة غاز فوق بطني
لإجهاض الطفل". ولكن بعد أن فشلت جهودها، قررت نوال إبلاغ عائلتها
والشرطة عن الحادث.
أيد التحقيق ونتائج اختبار الحمض النووي مزاعم نوال، ولكن بدلاً من
أن تشهد معاقبة المعتدي، وجدت نفسها تكافح ضد قوانين النسب الأبوي.
من جهته، أوضح القاضي أشرف العمري من دائرة قاضي القضاة أن اعتراف
الأب وعقد الزواج أمران ضروريان لإثبات النسب الأبوي للطفل، مضيفاً أن
"لكل حالة خصوصياتها، ولكن لا بد من وجود عقد زواج قانوني لتسجيل الطفل
ونسبه لوالده".
وقالت نوال: "لم يكن لدي أي خيار سوى الزواج منه، لأنني لا أريد أن
أفقد طفلي". وغالباً ما يُنتزع الأطفال المولودون خارج إطار الزواج من
رعاية أمهاتهم. كما أنهم يعانون من التمييز طوال حياتهم.
وتم تنظيم حفل زفاف صغير، وأفلت الجاني من عقوبة السجن. وأضافت نوال
قائلة: "لا أتذكر الحفل، لأنه لم يكن أمراً مهماً بالنسبة إلي. كل ما
كان يدور في ذهني هو أنني مقبلة على حكم بالسجن مدى الحياة في نفس
المنزل الذي تعرضت فيه للاغتصاب".
ويرى القاضي فوزي النهار من محكمة الجنايات الكبرى، أن الزواج من
المغتصب ليس شائعاً في الأردن. وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)
أن عدد تلك الحالات لا يتجاوز 6 إلى 12 حالة سنوياً في المتوسط.
ولكن في السنوات الأربع الماضية، أفلت نحو 159 مغتصباً من العقاب عن
طريق الزواج، وفقاً للمحامية والناشطة تغريد الدغمي التي نشرت تحقيقاً
حول هذه القضية في الأونة الأخيرة، ويشكك الناشطون في مجال حقوق المرأة
والأخصائيون الاجتماعيون حتى في تلك الأرقام قائلين أنه لا يتم الإبلاغ
عن العديد من تلك الحوادث.
وفي هذا السياق، أكدت لبنى دواني من مركز الميزان لحقوق الإنسان أن
"الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات
صلة بالاغتصاب والعنف الجنسي. نصادف العديد من الحالات التي لا يتم
الإبلاغ عنها".
وقال الخبير في قضايا العنف الجنساني هاني جهشان أن 20 إلى 25
بالمائة من مرتكبي حوادث الاغتصاب المبلغ عنها فقط حوكموا خلال الفترة
من عام 1998 إلى عام 2013، عندما كان يعمل رئيساً لوحدة الطب الشرعي في
إدارة حماية الأسرة التي تديرها الدولة، وأضاف أن "المادة 308 من قانون
العقوبات هي العامل الرئيسي الذي يتم إلقاء اللوم عليه، لأنها تعيق
كافة الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة للناجيات من العنف الجنسي".
ولا يوجد لهذا القانون جذور في الإسلام، كما أفاد محمود السرطاوي،
أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية في الجامعة الأردنية، الذي أخبر
شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الإسلام لا يقر معاقبة الضحية عن
طريق إجبارها على الزواج من مغتصبها. يجب أن يُعاقب المغتصبون بصرامة
لحماية المجتمع من هذه الجرائم".
وقال السرطاوي أيضاً أن الزواج في مثل هذه الظروف لا يلبي متطلبات
الزواج "الصحيح والحقيقي" في الإسلام، لأن "الموافقة هي أساس الزواج في
الإسلام. وفي هذه الحالة [عندما يتم تزويج المرأة لمغتصبها]، تضطر
الضحية وعائلتها إلى قبول هذا الزواج، ويستغل المغتصب الزواج لتحقيق
مصلحته الشخصية".
ومن الجدير بالذكر أن الاعتقادات الثقافية والمجتمعية التي تجعل
النساء والفتيات "مسؤولات" عن الحفاظ على شرف العائلة هي التي تجعل هذه
الممارسة مقبولة، على الرغم من عدم وجود جذور دينية لها، كما أوضحت
إيمان بشر الحسين، أستاذة التربية والقيادة النسائية في جامعة البلقاء
التطبيقية.
وأضافت خلال حوارها مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "مجتمعنا
لا يزال ينظر إلى أي نشاط جنسي من قبل النساء والفتيات على أنه عار
-حتى لو كان يتم بالقوة، ولذلك تبقى المعايير الاجتماعية في هذا السياق
هي الحاكمة".
وحذرت من أنه إذا لم يتم تعديل هذه المادة، فإنها ستشجع على المزيد
من العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. وأوضحت بالقول: "عندما قمنا
بمناقشة المادة في إحدى محاضراتي، أشار بعض الطلاب إلى أنها تسهل
للشبان اغتصاب أي امرأة تحلو لهم وفرض الزواج عليها وعلى عائلتها".
وتضع محدودية فرص الحصول على الخدمات، التي يصفها العديد من
الناشطين والعاملين في مجال المساعدات بأنها "غير كافية"، صعوبات أمام
الناجيات من الاغتصاب والعنف الجنسي في التغلب على الصدمة.
وفي هذا الصدد، قالت أمل عدلي، الأخصائية الاجتماعية في المعهد
الدولي لتضامن النساء، أن "المرأة تعاني لسنوات طويلة نظراً لعدم علاج
الصدمة في مرحلة مبكرة"، من جانبها، أفادت حنان الظاهر من المجلس
الوطني لشؤون الأسرة أن الدعم النفسي والمشورة لا يزالان يشكلان
تحدياً. وأضافت أن "الخدمات التي تهدف إلى تقديم المشورة النفسية
والاجتماعية لضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي غير كافية".
وفي المناطق الريفية، تكون فرص الحصول على مثل هذه الخدمات محدودة
أكثر، حيث يوجد مأوى واحد فقط تديره الدولة لمساعدة النساء والأطفال في
عمان؛ وتسارع الحكومة حالياً لبناء آخر في إربد لاستيعاب الاحتياجات
المتزايدة الناجمة عن تدفق اللاجئين السوريين.
وقالت زين العبادي مديرة دار الوفاق الأسري في عمان: "نحن نعمل
بأقصى طاقتنا". والجدير بالذكر أن ثلث المستفيدات من خدمات الدار
اللاتي يبلغ عددهن 916 امرأة سوريات، و25 بالمائة من العدد المتبقي
لاجئات من جنسيات أخرى.
وتمثل القوانين المشابهة مشكلة أيضاً في البلدان المجاورة، بما في
ذلك سوريا ولبنان، وفي المغرب، ألغى البرلمان في 22 يناير مادة في
قانون العقوبات تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقاب إذا تزوجوا من
ضحاياهم القاصرات.
وجاء التغيير بعد عامين من الجهود الحثيثة وتقديم عريضة موقعة من
مليون شخص بعد انتحار أمينة الفيلالي التي كانت تبلغ من العمر 16
عاماً، والتي قتلت نفسها بعد إجبارها على الزواج من مغتصبها، الذي أفاد
أنه ضربها ضرباً مبرحاً أثناء زواجهما القصير.
وقالت عاطفة تمجردين، رئيسة فرع الرباط للجمعية الديمقراطية لنساء
المغرب: "إنها مسألة معقدة تتفاعل فيها القوانين القمعية والمجتمعات ضد
اغتصاب الناجيات من العنف الجنسي"، ولم ترق التغييرات التي تم إدخالها
على القانون المغربي إلى توقعات العديد من الناشطين، الذين يقولون أن
القوانين لا تزال متحيزة ضد المرأة وتدعم زواج الأطفال. مع ذلك، يرى
الناشطون في الأردن أنها تمنحهم الأمل في رؤية تغييرات في هذه المنطقة. |