عام الحصان... سباق بين الامل الاقتصادي والحذر من الكوارث

 

شبكة النبأ: لا يمكن ان ينتزع الانسان من جذوره الثقافية وعاداته وتقاليده التي درج عليها بسهولة، فهي تشكل بمجملها، طبيعة تكوينه ونسق تفكيره وطريقة حياته وتعاطيه مع الاخرين، ولعل "عام الحصان" هو أحد تلك الجذور الراسخة في حياة المواطن الصيني والتي نسجت قدسيتها من حضارات الصين الموغلة في التاريخ.

في كل عام يحتفل الصينيون، ضمن تقاليدهم، بعام ينسب الى حيوان تسري طاقته حول الكون وتؤثر على الأرض التي نعيش فيها سلباً او ايجاباً، لكن هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة لأنه جمع الامل والخوف في ان واحد.

فقد يقول خبراء التنجيم في هونج كونج او ممارسو الفن الصيني القديم المعروف باسم (فينغ شوي) إن عام الحصان يمكن ان يجلب صراعات وكوارث لها صلة بالنار كما يمكن ان يجلب مكاسب كبيرة في أسواق الاسهم مرتبطة بالخشب وهما العنصران الاساسيان في هذا العام طبقا للتقويم الصيني، ويقول فن التنجيم الصيني إن الكون مكون من خمسة عناصر هي الارض والماء والنار والخشب والمعدن وهي التي تحدد توجه ومزاج العالم، ويشمل التقويم الصيني للابراج 12 حيوانا تتأثر بهذه العناصر.

وعام الحصان طبقا للسنة القمرية الجديدة يبدأ يوم 31 يناير كانون الثاني وبه الكثير من النار التي تولد الطاقة وبه أيضا خشب مما يزيد النار اشتعالا ويجعلها أقوى، ويقول ريموند لو الذي يمارس هذا الفن القديم منذ 20 عاما وله طلاب في شتى انحاء العالم "عام الحصان القادم هو ايضا عام (يانغ الخشبي) الذي يتمسك فيه الناس أكثر بمبادئهم ويقفون ثابتين، "ولذلك يصعب التفاوض او التوصل الى حلول وسط لان الناس يميلون للقتال من أجل مبادئهم".

وهذا التزاوج بين عام الحصان وعام يانغ الخشبي والذي يحدث مرة كل 60 عاما شهد حروبا اقليمية بشكل قياسي، وكان آخر عام من هذا النوع في 1954 الذي شهد معركة (ديان بيان فو) التي انتهت بهزيمة فرنسا على يد الفيتناميين، وكان العام السابق على هذا عام 1894 الذي شهد بداية الحرب الصينية اليابانية الاولى.

وتوقع اليون يو وهو ممارس آخر لفن (فينغ شوي) في هونج كونج المزيد من الاضطرابات في فبراير شباط ومايو ايار واغسطس اب، وقال يو "القلق الاكبر هو الخلاف بين الصين واليابان حول جزر دياويو" مشيرا الى النزاع حول جزر في بحر الصين الشرقي تعرف في اليابان باسم سينكاكو، لكن الجانب المشرق هو ان عنصر النار سينشط الاسواق وهو ما ينبيء بأداء قوي في أسواق الاسهم.

استقبال عام الحصان

في سياق متصل استقبل الصينيون عام الحصان باحتفالات أقل صخبا إذ أذعن المواطنون لمناشدات الحكومة لتقليل الألعاب النارية التي يطلقونها تيمنا بالعام الجديد خوفا من تلوث الهواء، وعادة ما تطلق في العام الصيني الجديد الألعاب النارية الصاخبة التي يعتقد أنها تجلب الحظ السعيد وتطرد الأرواح الشريرة، وتسببت الألعاب النارية في انتشار الدخان لساعات.

ومع الضباب الدخاني الذي يغطي أجزاء من شمال ووسط وشرق الصين بما في ذلك بكين وشنغهاي قرر البعض أن الاحتفالات الأكثر هدوء ستكون ملائمة، وبينما ترددت أصداء الألعاب النارية في بكين قالت وسائل الإعلام الرسمية إن مبيعات الألعاب النارية تراجعت وقال بعض السكان انهم سيقومون بشراء القليل منها فقط.

وقال احد السكان ويدعى لاو سونغ "هذا ليس جيدا للبيئة ولا للهواء، العام الماضي انفقت حوالي 300 يوان (50 دولارا) على الألعاب النارية لكن اشتريت هذا العام ما قيمته حوالي 100 يوان"، وقال تشانغ ده بي وزوجته فانغ لي نا إن كشكهما للألعاب النارية في منطقة الامتياز الفرنسي السابقة في شنغهاي باع فقط نصف الألعاب النارية التي باعها العام الماضي، وقالت فانغ "لا يزال الناس يشعلون بعض الألعاب النارية لأن أجواء العطلة لا تكون جيدة بدونها".

وتمشيا مع دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ للاقتصاد وسط حملة ضد الفساد المستشري تراجعت أيضا مبيعات السلع الفاخرة التي عادة ما تمنح كهدايا في العام الجديد، ونقلت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) عن دوو تشين ليان وهو بائع لفطر اليرقة الذي يستخدم كدواء عشبي نادر وباهظ الثمن في متجره في لاسا عاصمة التبت "لا أحد يجرؤ على تلقي مثل هذه الهدايا الثمينة بعد الآن"، كما تقلصت مهرجانات العام الجديد التي تعرض على قنوات التلفزيون الحكومي أو الغيت.

وفي تقليد للقيادات لزيارة المواطنين في هذا الوقت من العام توجه شي إلى إقليم منغوليا الداخلية المضطرب قبيل عطلة مدتها أسبوع وهي أهم عطلة في التقويم الصيني، وأظهر التلفزيون الحكومي شي الذي سعى الى ترسيخ صورته كزعيم شعبي بلا عقد منذ توليه الرئاسة العام الماضي وهو يتحدث مع رعاة الأغنام ويتناول الشاي في خيمة منغولية تقليدية.

وتشهد السنة القمرية الجديدة أكبر نزوح سنوي على الأرض إذ يسافر مئات الملايين من العمال في القطارات والحافلات والطائرات والقوارب لقضاء الاحتفال بالعام الجديد مع أسرهم، وهذه هي العطلة الوحيدة طوال العام لكثير من الصينيين.

عام الحصان واقتصاد مصر

الى ذلك وبعد ان استقبل الصينيون اليوم الأول من العام الصيني الجديد طبقا للتقويم القمري الصيني (عام الحصان) وبالتحديد "الحصان الخشبي" أو ما يعرف باللغة الصينية "ما نيان"، والذى يتمتع بمكانة خاصة في الثقافة الصينية التقليدية، حيث يعرف مولود "عام الحصان" في الثقافة الصينية التقليدية بالمحارب الشجاع ويتميز بصفات الذكاء والابتكار والإقدام وروحه المرحة، إلا أن العام الذى سيوشك على البدء لن يخلو من أزمات دولية طبقا لعدد من خبراء الأبراج في الصين قد تصل إلى حروب وكوارث اقتصادية، فيما ستتعافى بعض الدول اقتصادياً خلال نفس العام، ومنها مصر والولايات المتحدة والبرازيل والهند.

وعادة ما يبدأ المواطنون في الصين عامهم بالألعاب النارية الصاخبة التي تستمر على مدار 7 أيام، حيث يعتقد الصينيون أن الألعاب النارية تحرق الحظ السيئ والأرواح الشريرة وكافة السيئات التي وقعت على مدار عام مضى ليتم استقبال عام جديد كصفحة بيضاء يملأها التفاؤل والحظ والبركة والرزق، لذا فكلما كانت الألعاب النارية شديدة الانفجار وتحدث صوتا صاخبا كلما أزالت الحظ السيئ وأبعدت الأرواح الشريرة، إضافة لذلك الاستعانة بلون الحظ وهو اللون "الأحمر" لتتحول الصين إلى هذا اللون فيرتدى الجميع الملابس الحمراء وتتزين المباني بالشارات والأشعار والكلمات المكتوبة بالأحمر والأضواء الملونة.

ومن أشهر مواليد "عام الحصان الخشبي" طبقا للتقويم الصيني العالم الشهير إسحق نيوتن، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والملاكم الشهير محمد على كلاي ورائد الفضاء نيل أرمسترونج والعالم لويس باستير، وعلى الصعيد المصري الزعيم الراحل محمد أنور السادات، قائد انتصار أكتوبر المجيد، وعربيا الأديب محمود تيمور والشاعر أحمد شوقي.

وتعتبر الأبراج الصينية، هي البديل الآسيوي للأبراج الغربية والمنتشرة، سواء في الغرب أو بالعالم العربي، إلا أن الصينيين وكطبيعتهم في التميز بثقافة خاصة بهم دون سواهم، وضعوا 12 برجا يختلفون تماما عن أبراجنا المعروفة، ورغم اتفاق الأبراج الصينية والأبراج الغربية في بعض الخصائص

مثل عدد 12 الذى يمثل الأبراج، إلا أنهم قد اختلفوا في كون الأبراج الصينية يمثل كل برج عاما، بينما يمثل كل برج من الأبراج الغربية شهرا واحدا، كما أن الأبراج الغربية تشمل رموز لحيوانات وأشياء أخرى، على عكس الصينية التي تسمى بأسماء حيوانات فقط، وتحظى الأبراج الصينية بالشعبية في الصين وفيتنام وكوريا وتايوان واليابان.

والمتعمقون في الأبراج الصينية يعرفون أن رموز الحيوانات التي تشير إلى السنين الاثني عشرة ليست وحدها، بل هناك ثلاثة أنواع أخرى من الرموز الحيوانية الصينية أولها هي "الحيوانات الروحية"، وهى تشير للشهور، والثاني هو "الحيوانات الحقيقية" وتشير للأيام، بينما "الحيوانات الأسطورية" تشير للساعات.

وجاءت فكرة الأبراج الصينية من معرفة الصينيين القدماء باثنتي عشرة طاقة تسرى في الكون، وفى اعتقادهم أن كل عام تسرى إحدى هذه الطاقات لمدة سنة في الأجواء، وعلى هذا فكل من يولد في هذه السنة يتمتع بقوى هذه الطاقة، ويتميز بطبائعها وأخلاقها، وقد سميت كل سنة باسم حيوان تعتبر صفاته تشبه طبائع المواليد في البرج، وتشبه العام الذى ولد به.

وهناك أسطورة أخرى أن أصل الأبراج الصينية جاء عندما دعا أحد الأباطرة القدماء فى الصين يوما ما جميع حيوانات الإمبراطورية، فلم يلب الدعوة غير 12 حيوانا، وهى (الفأر -الثور -النمر -الأرنب -التنين- الأفعى -الحصان -الخروف -القرد -الديك -الكلب -الخنزير)، لذا كفأهم هذا الحكيم، فأعطى كل واحد منهم سنة يطلق عليها اسمه.

ويستخدم البرج الصيني تفاصيل ولادة كل شخص للكشف عن السمات الشخصية الخاصة به، وكذلك أفضل نمط لحياته، توقعاته الصحية، التوجيه المهني، وكذلك توافقه مع الآخرين، ويوافق عام 2014 عام "الحصان الخشبي" والذي يبدأ من 31 يناير 2014 إلى 18 فبراير 2015، ومن الصفحات المتميزة لمواليد عام الحصان المقبل، هو شعورهم بالإثارة أثناء الجلوس مع الناس والحشود، ويحبون الحفلات، كما تجذب براءتهم الطفولية ومزاجهم المشرق، وسحرهم الطبيعي العديد من الأصدقاء.

وترجع تسمية هذا البرج بالحصان لكون الحصان حيوانا يستخدم حدسه، وإحساسه، لذلك فمواليد هذا العام يتبعون حدسهم، ويساعدهم حكمهم الحريص وحدسهم الطبيعي على اتخاذ القرارات الصحيحة في حياتهم، ومثابرون من أجل تحقيق النجاح، والحصول على الأشياء الجميلة التي تقدمها الحياة.

أما الأطفال الذين سيولدون في العام الجاري، والذين سيحملون فى خانة البرج الصيني أنهم مواليد برج الحصان، هم في علم التنجيم الصيني، يتمتعون بالحظ الحسن والأمور الجيدة، حيث الحصان دائما في الأساطير الصينية كائن سحري لديه قوى خارقة للطبيعة، وبطولي وقوى، وبإمكانه الطيران.

وحول توقعات الخبراء الصينيين في مجال الأبراج والنجوم بشأن عام الحصان فقد توقعوا صعود الاقتصاد ببعض دول العالم، وهبوط أخرى بحدة، ولن توجد حلول وسط بين الاثنين، فإما الصعود أو الانهيار ومواجهة الفوضى الاقتصادية، وفى الوقت نفسه يتوقع أن يشهد عام الحصان 2014 حروبا ومعارك، ومناوشات في جميع أنحاء العالم، موضحين أن دول مثل مصر ستنجح فى التنمية والتقدم وخلق أسواق جديدة في العديد من المجالات، إضافة للبرازيل والهند، فى وقت توقعوا أيضا تصاعد الاحتجاجات في بعض دول العالم من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية، بل وتطورها لحروب خلال عام الحصان 2014، أما استعادة السلام في العالم، فلن يتحقق إلا مع قدوم عام العنزة طبقا للتقويم القمري الصيني عام 2015.

وأوضحت الاكتشافات الأثرية ذات الصلة أن الصينيين بدأوا بتربية الحصان قبل 4000 عام، ووجدت تماثيل على شكل الحصان في مقابر أسرة هان، إضافة إلى عدد كبير من الصور الفنية للخيول، كما كان الحصان أيضا رمزا هاما لتطوير الإنتاجية الزراعية في الصين، حيث إن الفلاح الصيني لا ينفصل في عمله عن الحصان في أجزاء كثيرة من الصين.

ويهتم الصينيون بنوعيات الطعام المقدمة أثناء فترة الاحتفال بالعيد، والتي غالبا ما تحمل أسماء إيجابية تبعث الأمل فى عام جديد، حيث يمكنها إن تجلب الحظ والثروة والسعادة، كما يولى الصينيون أهمية كبيرة للأيام السابقة لاحتفالات رأس السنة الجديدة، حيث يستعدون لليلة رأس السنة بتنظيف منازلهم جيدا، فالمنزل يجب أن يكون نظيفا تماما، قبل وصول السنة الجديدة، وفى ليلة رأس السنة يتم إخفاء كل أدوات النظافة، خاصة المكنسة العادية حيث لا يمكن إجراء أي عمليات تنظيف بالبيت خلال ليلة رأس السنة خوفا من كنس الحظ والرزق خلال السنة الجديدة.

وتعد عطلة العام الجديد، والتي تسمى أيضا عطلة أعياد الربيع، مناسبة هامة بالنسبة للم شمل الأسر الصينية، حيث تشهد الصين أكبر حركة سفر وتنقل بين أقاليمها، حيث يحرص الشباب والعمال والموظفين العاملين بالمدن القبرى والمقاطعات البعيدة فى الصين العودة إلى قراهم والالتقاء بأسرهم وآبائهم وأجدادهم، وهو ما يبرز مدى اهتمام الشعب الصيني وتمسكه بعاداته وتقاليده القديمة رغم ما أصاب بعضها من المدنية الغربية جراء غزو العولمة.

فمع التنمية والتقدم الاقتصادي الذي وصلت إليه الصين، مازال المواطن الصيني يحافظ على موروثاته الثقافية والاجتماعية التي دائما ما كانت مصدر طاقة تدفع الأمة الصينية، في وقت يستغرق بعض الصينيين أكثر من يوم كامل 24 ساعة، سفر ما بين الطائرة والقطار والأتوبيس للوصول إلى بلدته النائية في أقاصي الصين للاجتماع بأسرته والتبارك بلم الشمل مع الأم والأب والزوجة لبدء عام جديد ملئ بالتفاؤل والرزق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/شباط/2014 - 4/ربيع الثاني/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م